قضايا وآراء

تأثيرات هندو- بوذية في الفلسفة الصوفية (3) / خالد جواد شبيل

هزني خبر سلسلة التفجيرات الدامية يوم 13062012 التي عمّت مختلف مناطق العراق لا سيما بغداد وضواحيها الشمالية، حيث المستهدف زوّار -الأمام موسى الكاظم وحفيده الأمام محمد الجواد- من الشيعة الذين يؤدون طقوسهم ومعتقداتهم بسلام، ولا يُجبرون أحدا عليها، وكان عدد الضحايا قد قارب وربما تجاوز المائة مع عدد يضاعفه بثلاث مرات من الجرحى، ولم تكن هذه الأحداث هي الاولى، ولن تكون الأخيرة مادام هناك من يشجع من الفقهاء التكفيريين، ومن يموِّل من جهات بترودولارية معروفة. ومن يعرف العراق جيدا يعرف أن النسيج الإجتماعي العراقي متداخل من ألوان طيفية شتى فالضحايا لن يكونوا الشيعة وحدهم ولا بد أن ينال رذاذُ الجرائم غيرَ الشيعة أيضا!

جعلتني هذه الاحداث أن أتخطى الخطة الموضوعة، وأن أقفز الى موضوع مهم، أوحى بهذا السؤال: مالذي يجعل فرقة تكفر باقي الفرق، وتجعل من نفسها مالكة الحقيقة وسادنتها، تحلّ دما ، وتهتك عِرضا وتصادر مالا وتقفز فوق الكتاب الكريم الذي حث على حسن الجدال مع الكفار، وفوق الحديث الشريف الذي نص: من أدى الشهادتين فهو مصون بدمه وماله وعرضه...إن الفكر الوهابي السلفي الدوغمائي هو الذي أخرج الصوفية من الملّة( راجع القسم الأول) بل وتجاوز الى الإفتراء على الشيعة، بأنهم يؤمنون بمبدأ التناسخ ، ففي ص 244 وما تلاها وتحت عنوان "عقيدة التناسخ عند الفرق الضالة" راح الباحث الدكتور عبد الله مصطفى نومسوك، يقبس من "الملل والنِحَل" للشهرستاني ومن " الفرق بين الفِرَق" لعبد القاهر البغدادي، ماشاء  نافخا الحياة بفرق واسماء مشكوك بوجودها من ضرب السبأية نسبة للشخصية الوهمية عبد الله بن سبأ( سماها الباحث السبابية!!)، والبيانية والجناحية والنصيرية ووو.. حيث يكون التخليط والتدليس واضحا، يبدأ أولا بتعبير مبهم" بعض فرق الشيعة" ثم يستأنف الى الإثني عشرية كما نرى في المقتبس التالي في ص247 وما بعدها: " كما ظهر مذهب التناسخ عند بعض فرق الشيعة[طائفة معروفة توجد الآن في إيران والبلاد المجاورة لها (لم يسمها-خ)، شايعوا عليا رض على الخصوص وفضلوه على الخلفاء الراشدين قبله، وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصاية، إما جليا وإما خفيا، واعتقدوا ان الإمامة لا تخرج من أولاده، لذلك نفر بعضهم أبا بكر وعمر وعثمان وجميع الصحابة الذين رضوا(كذا) بخلافة اهل البيت]" ثم يطفر ليدخل بانسيابية الى الشيعة الإمامية ومذهب الرجعة(المعاد):"أي رجعة الاموات الى الدنيا قبل يوم القيامة، وقد قال بعض الأمامية برجعة علي بن أبي طالب وقال بعضهم بعودة الإمام الثاني عشر وسموه " المهدي المنتظر"، غير أن الرجعة عندهم هي رجعة الشخص نفسه جسما وروحا، بخلاف التناسخ المفهوم الذي ذكرته" هل رأيتم التدليس والتخليط لاحظ الجملة الأخيرة كيف يوحي للقاريء أن الشيعة الأثني عشرية هم من أتباع مذهب التناسخ!! لا أعتبر نفسي شيعيا ولا سنيا، ولكن البحث يقتضي الكشف وإزاحة كل النفايات التي تقف أمام الدارس النزيه، ليس ميداني الرد، وإنما الكشف ومواصلة البحث عن كيف يؤدي المنهج الايديولوجي الدوغمائي الى نتائج خطيرة في دراسة أكاديمية...ولكن لدي سؤال مهم للدكتور نومسوك يهدم كل ما بناه: هل يعقل للباحث في شأن عقيدة مذهب اي مذهب أن لا يرجع الى الكتب والمضان التي ألفها أصحاب المذهب نفسه؟ هل يحق للباحث الإقتصار على اعداء المذهب، والأخذ منهم؟ لم يكلف الباحث الرجوع حتى الى الكتيبات المبسطة للشيعة ناهيك عن مظانهم المعروفة، سيتكرر هذا النهج مع الصوفية كما سنرى لاحقا، سنرى كيف يأتي على جزئيات ليجعل منها عموميات ويبني استنتاجاته التي تخرجهم من الملة..مرة أخرى يطرح سؤال نفسه أين علة هذا المنهج التكفيري؟

التوحيد:التوحيد من أهم المواضيع العقدية التي ألفت بها كتب ونظريات أغنت الفلسفة العربية الإسلامية على شتى المدارس الفكرية من معتزلة وأشعرية وشيعة ومتصوفة ...ألخ حتى منتصف القرن الحادي عشر الهجري برز علينا محمد بن عبد الوهاب ليضع ارهاصات لنظرية جديدة بناها على المنهج الظاهري التجسيمي لأبن تيمية وابن القيم الجوزية مقتفيا اثره في تكفير الشيعة والمتصوفة وكثير من الفرق التي لا تتفق مع مفهومه أو تصورة لله. ناهيك عن تكفيره أصلا للأديان والملل الأخرى! تقول الوهابية: ان العبادة ممارسة كل ما يختص بالله تعالى من النذر والقسم والإستغاثة والرجاء وطلب الشفاعة والتوسل الخ لله وحده وقد فصلت الوهابية بين الإله والخالق على خلاف كل المذاهب الإسلامية التي توحد الإله والخالق كما في الآيات "قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا" الإسراء42، و "ولو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا" الأنبياء 22 . إنما اعتبرت الوهابية أن الإله هو غير الخالق بل هو المعبود، فلا يكفي للمرء أن يعترف بعدم وجود شريك للخالق ليكون موحِدا، وإنما عليه أن يمارس العبادة لله وحده وإذا مارس العبادة لغير الله يكون مشركا العبادة، واعتبرت التوسط لله بالنبي وبالاولياء شرك، فلا وساطة بين الله والمعبود ولا شفاعة للنبي، واعتبرت القبور وشواهدها وزيارتها والتوسل بالمدفونين بها شرك، بينما الشرك قبل الوهابية: هو الإعتقاد بوجود شريك لله تعالى وليس مجرد طاعة غير الله كطاعة الشيطان مثلا والتي وردت بصيغة العبادة، فإن طاعة الشيطان ذنب وطالما رجعت اليه الخطايا، وليس هناك عبادة مقصودة له، وبالتالي فإن الله يغفر الذنوب كلها. ومن نافل القول ان التكفيريين الأرهابين اعتقدوا بان الطائفة اليزيدية الموجودة في شمال العراق في نواحي الموصل، تعبد الشيطان وتتخذه إالها من دون الله فعمد هؤلاء الإرهابيون الى قصف مضارب وقرى اليزيديين المسالمين بكل وحشية وقتلوا الكثير من الضحايا الأبرياء!! لا تؤمن الوهابية بالدلالة ولا الرمز، وتنكر كل ما يتنافى وجمودهم العقائدي فهم لا يقرون لثم الحجر الأسود حتى وإن قبله رسول الله.. وكانت حادثة كربلاء في 22نيسان /ابريل1802 مشهودة حيث صادف يوم الغدير حيث ذهب الرجال لزيارة الإمام علي، فاستغل الفرصة البدو الوهابيون المتربصون، حيث هجموا على المدينة وقتلوا النساء والأطفال (الضحايا بين خمس آلاف وثمان آلاف)  وقد انتهكت وهدمت أضرحة الحسين والعباس وسرق الذهب والنفائس وانتهكت الأعراض وقتل الالوف من الاهالي ضمن أسلوب التكفير وهددوا النجف أيضا، وهاهم أحفادهم يمارسون ما ممارسه أسلافهم وأكثر وفق النهج السلفي التكفيري. (راجع كتب الرد على الوهابية وأهمها كتاب محسن الأمين، ومحمد جواد مغنية، ولأحمد الكاتب في الشبكة العنكبوتية: جذور الإستبداد في الفكر السياسي الوهابي، راجع الفصل الأول: نظرية التوحيد الوهابية).

ووفقا لمبدأ التوحيد الوهابي، فإن الوهابية تخلط بين التقديس والتأليه، وتجعل كل تقديس شرك، وبذلك فإنها شنت حملات على جميع المقامات المقدسة لدى المسلمين وجعلتها هدفا لأعمالها الإرهابية كما حصل مع أضرحة الإمامين الهادي والعسكري في سامراء ومع مقام السيدة زينب في الإسبوع المنصرم. وعودة الى موضوعنا نجد أن الباحث نومسوك يقع بالخطأ نفسه عندما يعتبر تقديس بوذا هو عبادة بوذا، ويفهم أن بوذا هو إله وينسى أنه بنفسه(أو بعظمة لسانه) قد وصف البوذية أنها إلحادية كما بينا ذلك في القسم الثاني، وينسحب الحكم نفسه وبنفس الكيفية على الصوفيه عندما يفهم أن مبدأ الحلول أو الإتحاد هو الشرك نفسه!

واستمرارا لهذا النهج سهل عليه الخلط الساذج أو التخليط في موضوع الثالوث البوذي (راتنا تراي) المتألف من بوذا، والداما(اي تعاليم بوذا وشريعته)، وسانغكا (أي اتباع بوذا)، وهو مبدأ مشترك بين المذهب القديم هينايان، والمذهب الجديد مهايان، ولكونه ثالوث فراح يجمع الثواليث أينما عثر عليها ويربطها اينما وجدها دون تمحيص لكي يعطي بحثه وقارا، فرجع الى الثالوث البابلي (المجموعة الأولى:السماء وإله الأرض وإله البحر على ثلاثة مجاميع)!!رغم تباعد المحتوى، والإنقطاع التاريخي والجغرافي، ولم يكتف بذلك، بل قفز الى الثالوث المسيحي أي الاقانيم..(راجع الكتاب ص178). لكنه نسي الرابوع الأغريقي الذي ظل سائدا قرونا عديدة: النار والتراب والهواء والماء...

 

-للموضوع صلة-

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2154 الأحد 17/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم