قضايا وآراء

المفاهيم المجردة في الفكر والفن السومري / حكمت مهدي جبار

في مدينة (الوركاء) (السماوة) حاليا.تزحزح الكيان البشري ليتحول من وجود مادي حيواني الى حضور تأريخي فاعل على وجه الأرض. حتى أيقظت هذه الثورة سبات الأمم النائمة من غفوتها لتنطلق الحضارة من أرض الرافدين ليبدأ التأريخ لأول مرة في الأرض..

لقد ولدت اول وسيلة أتصال بين البشر من خلا ل الأيماءات والأشارات في الأيدي والرؤوس والعيون  وهمهمات الصوت المبهمة..وبمرور الزمن وعندما نضج الفكر السومري في بلاد الرافدين قبل جميع الأمم التي عاصرته،   تمكن من اكتشاف الكتابة .وذلك من خلال رسم صور الأشكال والأشياء والرغبات والمطاليب وحاجات العمل على قطع الطين.عرفت بـ (الكتابة الصورية).

لما كانت الكتابة التي أكتشفها العراقيون في العهد السومري (صورية) فأن ذلك دليل على وجود قدرة على التمثل العميق للأشياء سواء كانت منظورة أو غير منظورة.وعندما تطور الفكر السومري في تلك العهود الموغلة في القدم وجد ان (الصورة) غير كافية لوحدها للتدوين وتسجيل التأريخ وحفظ المسيرة الأنسانية.فسعى لأيجاد وسيلة أكثر أختزالا وتجريدا .حتى حقق نصرا عظيما جديدا عندما حول (الصورة) الى (رمز) مكتشفا الكتابة بالعلامات والحروف .

ان نجاح ابن وادي الرافدين في أكتشاف (الرمز والعلامة) كوسيلة أتصال لهو لأمر خطير في تأريخ الدنيا .وأحدث انقلابا مذهلا في الفكر الأنساني.فكيف لأنسان يعيش في عصور سحيقة كان فيها العقل البشري طفلا يحبو وقد قام بأختزال (الصورة) الى رمز (مجرد) من الشكل ليجعله أهم وسيلة اتصال،  ومنه يكتشف جوهر (الفن) كواحد من أهم وسائل التعبير؟.بل كيف تمكن من التوجه نحو القيم (المجردة)، وقام بأستخلاص جواهر الأشياء بأخفاء معالمها (الصورية) فيوظف ذلك في عملية الجمع بين المادة والروح ليعطي للعالم قيم تعبيرية بخطوط هندسية ثم الوان غنائية ليحقق منه (فن تشكيلي  جميل).

لقد انبثقت الفكرة الأولى وألأقدم في رحم الأرض أو ربما هبطت من السماء وهي ذلك الكيف الأبداعي في احالة اشكالات الفكر الأنساني الى منظومات بصرية بوضع الأساليب والتقنيات الأولى غير المسبوقة بأي خبرة في الفن التشكيلي (أ .د زهير صاحب – أغنية القصب – دراسة في الحضارة السومرية – 2011- بغداد) لقد تداخل فن الكتابة مع الفن التشكيلي بصورة تلقائية لأول مرة في تأريخ الفكر الأنساني على أرض الرافدين عندما كان (السومري) قد عاش تجربة شعورية عبر عنها بـ (الصورة) أولا،  ثم بـ (الرمز والعلامة واللون) ثانيا. فأشرقت لأول مرة الفنون الجميلة على شكل فخاريات وتماثيل وجدران معابد وبيوت وقصورمن خلال الأشكال الهندسية وألآدمية والحيوانية والنباتية، والتي كانت رغم بساطتها وتلقائيتها وعفويتها تخفي وراءها معان من تلك الحياة.

أن الرموز المجردة التي وضعها الفنان السومري على فخارياته وجدران بيوته ومعابده وقصوره وحتى على ملابسه وأدوات عمله وأسلحته لم تأت الا من معاناة لانهائية وتحدي الطبيعة وغضبها .وذلك الأبداع التشكيلي الفكري لم يأت اعتباطا انما هو حصيلة لفعاليات ذهنية متراكمة ودقيقة رغم ادعاءات البعض بأسطورية الفكر السومري وأفراط خياله على حساب العقل والموضوعية. وليس غريبا على شعب سومر ان تكون له القدرة (على جمع صفات الأشياء الظاهرة والكامنة وتوحيدها بعد تلخيص المعنى المشترك الذي أحس به اثناء جمعه لتلك الصفات المرئية . (عبد الله الخطيب – ناقد  تشكيلي سوري)..

أن من حق العراقي أبن وادي الرافدين أن يفتخر بمرجعيته التاريخية العظيمة وأن يتباهى بين الأمم وبلا وجل بتلك الحضارة في أن الفكر والفن السومري هو الذي (حول مفدرات الفكر من مجرد تسمية الأشياء الى تكوين المفاهيم المجردة والرموز .اذ نشأت الحاجة الفكرية وبسبب تطور الوعي الأنساني،  الى الأرتقاء الفكري من مجرد التسمية المرتبطة بشيء منفرد ’، والمحددة عند موقف ثابت،  الى المفاهيم المتحركة والدالة على مجموعة من الاشياء تجمعها علاقة رابطة) (زهير صاحب – أغنية القصب – دراسة في الحضارة السومرية – 2012 – بغداد) أننا نعتقد وبيقين كبير ان الأنسان السومري رغم هيمنة الأسطورة والخيال على فكره في تلك العهود السحيقة انما كان يمتلك قدر من (التفكير الفلسفي الذي عبر عن جوهر الحقيقة ببضعة مفاهيم وأفكار مجردة تؤلف في الوقت نفسه ناحية أستطيقية جمالية) (مجلة آفاق عربية – العدد الأول – آذار – 1978 -) وألا كيف تمكن السومري من أن يخترق الصورة باتجاه جوهرها وما يختفي وراءها من معاني عندما تجاوز الشكل نحو الحرف والرمز وهو ينقش على الطين علاماته المسمارية بواسطة (قلمه القصب).ليلخص الفكر الأنساني عبر الكتابة بأتجاه الفن التشكيلي رسما ونحتا وفخار  وعمارة

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2159 الجمعة 22/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم