قضايا وآراء

تركيا الجريحة بين "التتريك" والتطلع الى "العثمنة" (1)

 ولذا، فان محاولة تبسيط الصراع في المنطقة بقراءات تشويشية أوارتجالية، لهي عملية محفوفة بالمخطار، لكون الصراع ما انفك يزداد تعقيدا حتى لدى الذين خططوا، له وخاصة بعد دخول تركيا الفجائي في المستنقع الآسن للعراقي في المرحلة البوشية، وهاهو يستفز العنجهية الاسرائلية (ليبيرمان-ناتانياهو) واللولبيات الأمريكية الجديدة المتمثلة في السيناريوهات الهوليودية المتقلبة والمفاجئة لأوباما، .فلا يمكننا بالتالي اختزال الصراع الدائرفي المنطقة الى المقاربات التسطيحية (صراع سني/ شيعي) أو (اسلامي /علماني)، فذاك ما هو طافح علىالسطح، استنادا الى تنظيرات وكتابات وتحليلات المتشبثين بقشة مهترئة في خضم بحارالفوضى التي تلف المنطقة لفا، وتشد بخناقها المنطقة -من الداخل والخارج –وتجرها الى القعر الذي لاقرارله

 

 وان دخول تركيا الى حلبة المسرح، ومعترك الأحداث في المنطقة، ليس الااستجابة لنواياها المعلنة والخفية المنبعثة من جراح تاريخية حديثة العهد لم تلتئم بعد، مصدرها في نظر الأتراك، خيانة العرب لهم بعد أن تبنوا ثقافة هؤلاء ودينهم وحضارتهم، ولغدرالغرب بهم وتخليه عنهم بعد تبنى مفاهيمه العلمانية وقيمه الفكرية، فجوزي جزاء سنمارمن الطرفين كثمن باهض لاستمرا روجوده كدولةعلى الرقعتين :الأسيوية والأوربية

 

أماالمنطقة، عندنا، فقدأصبحت " ناديادوليا " للعصابات والمافيات الاقليمية والدولية، ومختبرا للتجارب في مجالات التخريب ومنافسات لوبيات تجارالأسلحة في الغرب، وتجمع لوبيات الهسترات الدينية، وقبلة للمنحرفين، والمغامرين والأفاقين، وصعاليك المرتزقة المتحلبة الأفواه الوافدة من كل زوايا الثقلين، الى جانب هول المخططات (وليس المؤامرات حتىلاينزعج عشاق نفي نظرية الممؤامرة) لقياصرة روسيا الجدد (الأعداء التاريخيون والتقليديون للأتراك)، والأمريكيين والأوروبيين واسرائيل " والعرب الجدد " الذين يعبثون كلهم في الخلفية الجغرافية لتركيا بشمال العراق، مما سيزيد المعضلة تفاقما، وارباكا أكثر للأوراق والحسابات السياسية، لكل الأطراف المعنية في المنطقة، فكل الفئات المتناحرة تمعن في التحرك في صراع رهيب مع الزمن، للاستحواذ على ما يمكن الاستحواذ عليه في ظرف زمني أقصر، تلبية لتنفيذ أغراض الممولين والمحركين للقلاقل، وما الأطراف الواضحة على الساحة الا كراكيزمنفذين- لمخططين خارجيين، يمسك بخيوط اللعبة بخيوط دقيقة أوهى من خيوط العنكبوت..، وسترتفع فاتورة تكلفة الصراع المستعر-مستقبلا-بدماءالمزيد من البشر وبالمزيد من اقتلاع الحجر، والويل لمن أخطأ التقدير والحساب،

 

 وان الصورة التاريخية للعرب عن الأتراك في المشرق العربي-بينما بقى المغرب العربي بمنآى عنها لأسباب يطول شرحها- ما زالت تحمل آثارا عميقة من الماضي، وهو ما يحرك خيوطه خفية مهندسو الفوضى والقلالقل من المستفيدين المباشرين، بتضخيم الصورة المشوشة والملتبسة لكل الطرفين منذ صعود التيارالقومي فىالمشرق العربي، في بدايات القرن الماضي، الذى صورالأتراك فى كتاباتهم بأنهم الأصل في مصيبتين حلتا بالعرب : الاستبداد والتخلف، مقابل صعود التيارات القومية التركية الشوفينية بتنامي عملية التتريك التىاقترنت أيضا بحملة معاداة العرب بالاغراق في التغريب والعلمنة، بمعنى احداث قطيعة شاملة مع كل ما يربط الأتراك بالعرب ..، ألا وهو التراث الشرقي الاسلامي

 

فلا مناص اذن والحالة هذه من العودة الى تاريخ المنطقة القريب والبعيد، وأن لا نمل من اعادة قراءته، لأن الأحداث تتناتج متسارعة، وتتوالد وتتوالى، وكأنها تحدث في الحين، وكأن الأشخاص هم الأشخاص، وسياناريوهات الأمس تتكرربحذافيرها اليوم، ولأن التاريخ ستظل عيونه دوما لامة، وهى الى الحقائق شاخصة وأحكامه نافذة، ولو بعد حين..

 

، فهناك تراكمات تاريخية مستعصية حدثت بالأمس القريب بين تركيا والغرب عموما، وما بين تركيا والعرب خصوصا، حيث تتصارع التيارات التركية حاليا داخل تركيا حول هاتين المقولتين، و تلعب فيها الانتماءات العرقية والدينية والطائفية دورا كبيرا، يطغى على أغلبها الحنين الى عثمنة تركيا حتى من معظم القومينين الشوفينين أومن بعض العلمانيين البراغماتيين –أي بالدفع الى العودة بالبلاد الى خلفيتها (الحضارية الثقافية –الحضارية)، بالتضامن مع عرب المنطقة مواجهة لتحقيرالمجموعة الأوربية السافرلها، والذي بلغ مداه في التوقح على محاسبة الأتراك حتىعلىالنوايا، بمطالباتهم المستمرة بالمزيد من التنازلات (وبدون مقابل) ..فكلما اجتمعت تركيا مع الأطراف الأوروبية الا وتفتح الملفات النائمة " لانتهاكات حقوق الانسان " التي تمت في الماضي مع ألارمن، امعانا في الاذلال- وكأن تاريخ الغرب ومجازره الوحشية من ابادات جماعية كان أكثر نصاعة من البياض نفسه (في القارتين الامريكيتين وافريقيا السوداء وشمال افريقيا والشرق الاوسط والادنى والاقصى وجرزالباسيفيك والمحيط الهندي) وكان مجرد نزهة صيد يوم الأحد المقدس، وذلك بمحاسبة تركيا باستمرار على اعمال انتهاكية تمت في عهد السلطان عبد الحميد، في مرحلة انحطاط الدولة العثمانية، والغمل على جرح كرامتها الوطنية والقومية بارغامها بقبول القيم الأوربية جملة وتفصيلا بدون أية شروط تدليلا على اثباث حسن نواياها، مما يؤجج خط تنامى الميول الاسلامية والقومية الشوفينية التركية واستنباث ( العنف النفسى الجماعي)والعنف المضاد لدى الأتراك

 

وهكذا يقوم الغرب بتكرار نفس الأخطاء الغبية القاتلة التاريخية، عندما يصرعلى اكراه الآخرين بقبول شروطه ومواصفاته للقيم الانسانية، ومفاهيمه الكونية باجبار البشرعلى أن " يتحولوا الى كتلة واحدة متجانسة مصمتة mastification وفق المقاسات المصممة في عواصم الغرب ومراكز بحوثه، حسب العالم الأثنلوجى الفرنسى الكبير " مارك أوجي "، باكراههم على قبول " عولمة مساره التنميطي " الغير القابل للتعميم حتى من خارج " عاهات " الغرب- كما يقول مارك-، وبتشدده بمطالبة الآخر، اما بقبول 'التأورب " أولايكون... (وان دراسة تاريخ المنطقة منذ محمد على باشا الى الآن لتدل على أن كل التحولات المأسوية التي تمت فيها، مردها الى الموقف الغربى المتشدد " والارهابى " بالتغيير بمنطق القوة والعنف (فكل التيارات من قومية وعروبية واسلامية ويسارية بكل تياراتها منذ عشرينات القرن الماضي ما هى الا افراز للمواقف الغبية للغرب ازاء المنطقة وثقافاتها) ولووعى الغرب كيف يتعامل مع تطلعات المنطقة، لما كان هناك لاالبنا ولاعفلق ولا ناصرولا قطب ولا صدام ولا نصر الله ولا فتح ولا حماس، فما كل هذه الانتماءات الا ردة فعل طبيعية أفرزها السياق التاريخي لتواجد الغرب ومحالولاته تغريب المنطقة بالعنف والاكراه والحروب، لا بالحوار الحضاري المتمدين، ولو مول السد العالي بلا مساومات أمريكية أوروبية لما مالت الكفة- ايديولوجياو سياسيا وثقافيا- لصالح المعسكر الاشتراكي-الشيوعي.).. وسيظل الغرب متماديا في غبائه السياسي، ما لم تتحاورالأطراف المعنية في المنطقة من عرب وعجم وسنة وشيعة ودينيين وعلمانيين وقوميين وقطريين، للالتفاف على ماهو صالح ونافع، والتخلي عما هو مستعصي ومفرق، ولتكن أوروبا قدوة الجميع في هذا المجال

 

 للبحث صلة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1201 الاحد 18/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم