قضايا وآراء

ماذا تبقى للأنا الأمريكية والأنا الأوروبية من خيارات؟ (1) / الطيب بيتي العلوي

– فكل مثالية ماهي في حقيية الأمرسوى خديعة كبرى أمام الضرروة–بل يجب أيضا محبتها (أي الخديعة)... فريديريك نتشه.

وهي القاعدة الذهبية النتشية التي ألهمت منظري الإقتصاد الليبرالي والفاشيات الأوروبية،والصهيونية،ومفكري النادي الميتافيزيقي الأمريكي المؤسس للبراغماتية الامريكية (بيرس – ديوي – جيمس) في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ووجهت بوصلات ومدارس علم النفس والعلوم الإنسانية برمتها إلى ان اصبحت الأنا الغربية هي العقيدة الدنيوية الكونية للبشرية

مقاربة انثروبو - تاريخية:

ضلت الولايات المتحدة تعاني من ضغوط صراعاتها الداخلية ما بين المثالية الدينية (البيوريتانية) والنفعية المادية والتجريبية التطورية، ومعاناة إستشراء تناقضات توجهاتها في الشأنين الداخلي والخارجي، منذ أن وصلها المهاجرون الأوائل من انجلترا، الذن اعتبرواالقارة الأمريكية هي أورشاليم الجديدة أو كنعان الجديدة ، وشبهوا أنفسهم بالعبرانيين القدماء الفارين من فرعون (الملك الانجليزي جيمس الأول) للجوء من أرض مصر (انجلترا)بحثا عن الملاذ في ارض الميعاد الجديدة او اسرائيل الجديدة في القارة الجديدة، حيث تأسست الدولة الأمريكية من خلاصات خليط تلك الإستثناءات التي أضفت على الشخصية الأمريكية خصوصيات متفردة في تاريخ الشعوب والحضارات والثقافات، فصلها جيداالمؤرخان الأمريكيان والتر سكوت ويب في كتابه الفرونتييرالعظيم و إدوين سكوت غوستاد (1)والبروفسورأ.مكدوغال أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في جامعة بنسيلفانيا وتلك الإستثناءات هي :

 الإستثناء الديني والإستثناء الجغرافي، والإستثناء الجغرافي، وهي إستثناءات طبعت العقلية الأمريكية - أنثروبولجيا - وشكلت خصوصية الثقافة الأمريكية بالسمات التالية:

 أولا: النزعة المثالية:المبنية على الإندفاعة الدينية النابعة من التصورالتوراتي للعهدين القديم والجديد: (كأرض الميعاد وارض كنعان وإسرائيل الجديدة)

 ثانيا: النزعةالنفعية: المبنية على الإستغلال المفرط والبشع للطبيعة والمعادن والحيوانات، تمت خلال قرن واحد من الزمن، لم تعرفه أوروبا - الأم لرؤوم - طيلة تاريخهالأكثرمن ألفي سنة حتى بداية القرن التاسع عشر، حيث شملت تلك النفعية والإستغلالية الأمريكية جميع المجالات المفتوحة لكل ضروب النهب والتخريب، التي طالت الغابات والثيران والخيول، كما شملت التنقيب المحموم عن مناجم الذهب والفضة مع ملاحقة السكان الأصليين (الهنود الحمر) للإستيلاء على أراضيهم ونهب ممتلكاتهم (وتلك هي الشخصية الأمريكية او ما يسمى بالإصطلاح ب الفرونتيير أي الحدودي - كما ذكرها المؤرخ والتر سكوت ويب

 ثالثا: النزعةالتجريبية:وهي الجنوح المفرط في الدفع ب التطورية السوسيولوجية الداورينية الى مداها الأقصى في مجالات نسبية الأخلاق وإلإيمان بالتفسخ كقاعدة حياتية بالتنقيب في كل التجارب في مجالات النصب والزولوجيا والغلمة، والتهتك، ونبذ القيم –إلا ما كان–نافعا منها ومربح -، وخرق المبادئ الإنسانية العليا والدعوة الى النسبي و الآني و الآن وهي تلكم المفاهيم التي خلقت ما يسمى ب الأنا الامريكي أوعولمة القيم الأمريكية حيث كتب طوكفيل عامTocqueville 1840 عن امريكا كخبير أنثروبولوجي ثاقب البصر وسياسي محنك، كان معجبا بالتجربة الديموقراطية الأمريكية فصدم عندما زارها وعاش فيها ردحا طويلا من الزمن فكتب كتابه الشهير عن الديموقراطية في أمريكا De la démoctraie en Amérique فقال: لا اعرف شعبا مختلا يحتل حب المال في قلوب أعضائه حيزا أكبرأكثر من الأمريكيين، فهذا الشعب عبارة عن تجمع لمغامرين ومضاربين وأفاقين

 

الأنا الأمريكية وثقافة الغرابات:

إختزل معنى الحياة في الحضارة الأمريكية وثقافتها منذ البداية في التنمية الكمية للمتلكات العقارية وملكية الأراضي والثروات وإغتصاب ملكيات الآخرين من السكان الأصليين والعنف الدموي (ضد كل من هو غير أبيض) الذي ولد منذ أن حط البيض أقدامهم في القارة، وإستمرت إلى ان أصبح العنف سلوكا نمطيا في الحياة الإجتماعية عبر تاريخ أمريكا، صورته لنا جيدا افلام مغامرت رعاة البقر وحياة الغرب الأقصى وأفلام الحركة actionوالملاحم العنصرية ضد السكان الأصليين والزنوج والملونين، وشيوع سيادة قانون الأقوى في حرب الكل ضد الكل، لم يكن للطهرية الماسيحانية–التي ادعاها المهاجرون الأوائل - أي أثرفي العلاقات الإجتماعية وفي نظرتهم للآخرين، حيث كانت فكرة شعب الله المختار تحرك في البيض البيوريتانيين اكثرالنوازع دموية في التاريخ البشري، حتى اصبح العنف الدموي - باعتباره أوامر الهية - خطا ثابتا في السلوك الأمريكي المتجلي في حروبه الخارجية الفاشلة التي لا تتوقف، بحيث لا تكاد أمريكا تخرج من حرب إلا وتدخل في أخرى لتفشل وتنهزم وتذل، لتدخل في أخرىوهكذا بإستمرار.

 

ولقد كتب الكاتب الأمريكي توماس ميرتون كتابا في الستينات بعد إغتيال الزعيم الزنجي مارتن لوثركنغ تحت عنوان: ثورة الزنوج يشرح فيه بان ثورة الزنوج ليست سوى صراع قاسِ يحطم البناء الداخلي للمجتمع الأمريكي، لانه صراع متشبث بنفوس الأطراف المشاركة فيه.ومع ان الرجل الأبيض يدرك هذه الحقيقة فانه يرفض الإعتراف بها، ويعتبران ثورة الزنوج في الداخل، اوثورات الشعوب ضد اليانكي في الخارج، نوع من التمرد والعصيان والفوضى تسيء الى الامن والسلم والأمان بحيث لاتعني فكرة الأمن في الأنا الأمريكي - أي عند البيض من الأمريكيين - أمن الملونين والشعوب على حياتهم وأرواحهم، ولكنها تقتصرعلى مفهوم حماية البيض ومصالح مافيات المنتفعين في الداخل وعلى حماية المصالح الأمريكية في الخارج –وعلى الباقين العفاء -

 

كما كتب الزعيم الزنجي المسلم مالكوم إكس –الذي تم إغتياله بدوره– قائلا: أن العنف الأمريكي يولد العنف.والثورة ضد عنف الرجل الأبيض في كل مكان يخلقها الشعور بالظلم .فان عنف الثورة الزنجية يشتد مهددا النظام الأمريكي من أساسه، ومعرضا الامة الأمريكية الى التشظيظ من الداخل عاجلا ام آجالا، ومعرضا إياه - أي النظام - لجبهة داخلية الى جانب الجبهات التي يواجهها الإستعمار الأمريكي خارج بلاده

ونتساءل اليوم أين تكمن عبقرية السياسي الأمريكي - ديموقراطيا أو جمهوريا - الذي يفتح على نفسه جبهات قتال وحروب في كل العالم؟ بحيث أن خبراء أمريكيين يقررون بان الحروب الأمريكية لو إستمرت الى غاية 2014فان الخزينة الأمريكية لن تجد دولارا واحدا في ميزانتها، لشراء أشرطة أحذية جنودها المنتشرين في كل بقاع المعمورة، - اللهم سوى الإستجذاء - لان ميزانية العسكرة الأمريكية وصلت حدها الأقصى، بينما نجد ان الخصوم مثل الروس والصين وإيران لا توجد لديهم اية عساكر خارج بلدانهم، وميزانية الدفاع عندهم تتصاعد بشكل مهول، ويطورون أسلحة دفاعية وهجومية لا قبل للأمريكيين بها على المدى المتوسط !

 

مخلفات الأنا الأمريكية على البشرية

لقد كانت الأنا النرسيسية هي الميزة الوحيدة للشعب الأمريكي التي سماها فرانكلين روزفلت ب نموذج العيش الامريكي او النمط الأمريكي the americain way of life الذي فرضه على قطيع البشربخلقه لمنظمة الامم المتحدة او البرج البابلي بالمعنى التوراتي، والتي بموجبها تم إغراق اوروبا ما بعد الحرب الثانية بالعهرالمالي عبر مشروع مارشال الذي قتل الروح الأوروبية ووأد خصوصية ثقافتها المتميزة عبرالتاريخ - عن طريق البغاءالثقافي المتميزبالغرابة والشذوذ والخروج عن المألوف، الذي روجته الماكينة الهوليودية المرعبة، ومعارض الفنون التشكيلية بنيويورك منذ ما بعد الحرب، حيث تمت رشوة العقول المبدعة الجبارة المشهورةالتي روجت لمدرسة العلامة سيغموند فرويد ومناهجه الجديدة في طرق التحليل النفسي عندما طور رؤاه التحليلية التي أسس عليها مدرسته الأولي في موطنه الأصلي النمسابمجرد انتقاله من فيينا الى لندن ونقلها ابن اخيه edward bernays إدوارد بيرنيس الى امريكا أسس لكل المناهج السيكولوجية الخطيرة المتخصصة بالتلاعب بالعقول والأدمغة وتوجيه وتغيير التفكيروالسلوك الموجه لكل إلإختيارات الحياتية الأكثر حميمية واضعا كل قواعد الاشهارومناهج تدريس علم النفس الجماعي وعلم النفس الجماعات وعلم النفس السياسي وعلم نفس الأعماق وكيف يتم عبرها تهييج فصوص الدماغ لطلب ما هوغيرمطلوب ولا يفيد في مجالات الاستهلاك والتأثيرعن بعد في كل نواحي الحياة الدقيقة، وتوجيه الميول السياسية والأذواق والقرارات الخ حيث قلبت مناهج إدوارد بيرنيس امريكا رأسا على عقب، في مجالات التقنيات السيكولوجية للتلاعب بأدمغة المتلقين والمستهلكين من كل الطبقات والفئات الإجتماعية، لقبول البذاءات والهذاءات الغريبة والشاذة وللرضوخ للأملاءات السياسية حتى الأكثر منها غرابة وشذوذا على هدي قاعدة عمه فرويد المسماة إذا لم استطع أن اقهرالسماوات العلا، فسوف افتح أبواب العوالم السفلى - وإلا فمن يستطيع الأجابة عن سر قبول قطيع الأمريكيين بسن قوانين يشرعها الكونجرس تنص على إختراق الحريات الفردية عبر التسنط والتجسس على الأفراد في عقر دارهم، وحجز مواطنين امريكيين على وجه الشبهة والشك فقط، وغيرها من الخروقات التي يندى لها الجبين في بلاد العم سام بلد الحريات والديموقاطيات؟

كما تم شراء العقول المبدعة قبيل الحرب العالمية الثانية في مجال العلم التطبيقي، فحول الأمريكيون العلم الذي ينتج ويبني ويحيي الى العلم الذي يقوض ويخرب ويفتك ويقتل، ويدمر ومنها على سبيل المثال:

 - نظرية النسبية لأنشتاين عام 1950التي تحولت الى نظرية فتك بالبشرية وتخريب للعمران ودك للحضارات، كتب عنها أنشتاين نفسه لاحقا بعد فظاعات ناغازاكي وهيروشيما قائلا:لوكنت اعلم ما الذي سيؤدي اليه إكتشافي لدمرته دون ان ابوح به –ولقد كانت مراوغة بارعة من اليهودي أنشتاين لان روزفلت كان يغدق عليه ما يكفي من الأموال لإحياء دولة في حجم إسرائيل (التي رفض رئاستها لأسباب تاكتية وإستراتيجية وليس لاسباب أخلاقية)

 

 - نظرية آرثركاميثون القنبلة الذرية عام 1945

نظرية اليهودي الأمريكي صمويل كوهين: - القنبلة النووية عام1958

نظريةإدوارتيللر:صاحب القنبلة الهيدروجينية عام 1952....، وكلها إجتهادات قائمة على نظريات أنشتاين في مجال العلوم التطبيقية في المجال النووي، ولم تستفد البشرية إيجابا من هذا الإختراع شيئا يذكر

 - رشوة كل التلامذة الجدد للمدارس الحديثة في كل مجالات الإبداع التي خلقها جيل (جويس – لورنس – جيد – بيكاسو – إزرا باوند – ت.س. إليوت) الذين شكلوا ما سماه الروائي الإنجليزي فورد مادتكو فورد بالجيل المتكبروالمتعجرف المؤسس للحداثة في الإبداع المسماة ب قتل الأب الثقافي ، أي الهجوم على كل ما هو أبوي وديني وقداسي ومبدئي وأخلاقي وعرفي، وكل ما هوقامع للجنس و للحريات الشخصية في القرن السابق، لخصها لنا الشاعر والروائي والناقد روبرت غريفز Graves وداعاً لكل ذلك: وداعا للمسيحية والروحانيات، والأهرامات والكاتدراليات، والزواج، والأسرة، والحقول، و الزهور، والطيبوبة، والطهارة حيث اغتني فنانو ومبدعوما بعد الحرب من الأموال التي أغدقها الأمريكيون على الجوعانين ونصابي الإبداع المحترفين الذين روجوا لكل التيارات الفلسفية والفنية لما بعد الحرب من الذين ودعوا رعب الحياة والموت في حب الوطن في خنادق جبهات القتال في الجبهات الغربية (يعني اوربا) فأنفقت أمريكا الملايير من أجل الترويج لهم ولأعمالهم في كل مجالات الأبداع حتى أصبحوا مثل آلها الأولمب يعبدون غربا وشرقا

ولقد كانترشوة بيكاسو وفرويد وسارتر وكامومن الفضائح الكبرى، حيث باعت أوروبا نفسها وروحها وثقافتها عبر هؤلاء عن طريق الضغوط على الكتاب والمبدعين والمفكرين والمثقفين بنشرأسراراهم وفضائحهم ومكنوناتهم إذا لم يرضخواللرشاوى المالية،

وتم شراء السياسيين اليساريين (ثورة ما يو 68كنموذج) التي قضت نهائيا على اليسار الطليعي المناضل ضد الأمبريالية والصهيونية واندمج اليسارويون الجدد في لعبة اللصوصية نجدهم في المسرح السياسي الرسمي يعبثون منهم على سبيل المثال البرلماني اليهودي كوهن بندت - الذي وفد للغرابة - من المانيا فقط لإشعال شرارة ثورة ماي 68 ثم اختفي–للغرابة من جديد بعد لإطاحة بدوغول وهو البرلماني الأوروبي المسيطر على قرارات مجموعة بروكسل –ونجد منهم ساركوزي وكوشنير ووزير الداخلية الحالي لوران فابوس - وللغراربة كلهم يهود - فانظر ! -

وتم رشوة متخدي القرارات السيادية في مجالات الإقتصادعن طريق المضاربات الربوية للمصارف اليهودية بوول ستريت بعد إنتقال الأموال اليهودية من لندن the city الى نيويورك او كعبة وحدانية السوق تحت هيمنة البنك الدولي او المعبد التلمودي المالي - كما أسماه الراحل المؤرخ الفرنسي روجي غارودي

ولم تفلح هجرة ما يسمى بالمتمردين الفرنسيين الجدد the frenshs rebels من التفكيين الجدد امثال ميشيل فوكو ودولوزوليوطار وديريدا الى أمريكا لبضع سنوات، حيث حاولوا زعزعة ما يمكن زعزعتةهناك، فلم يفلحوا ! ومنهم من مات ومنهم من انتحر ومنهم من ينتظر !

 

فماذا تبقى للأنا الغربي لكي يستمر؟

لا شيء.... !

ولعل لإجابة تكمن في ذلك المشهد البغيض يصوره لنا أحد أكبر شعراء التمرد أرثررامبو Arthur Rimbaut الفرنسي، الذي أوضح الصورة الحقيقية–في إبداعاته الشعرية - للمشهد الغربي المتبقي–سواء لما بعد التنوير او لما بعد الحرب - المحكوم فيه على البشرية بالخضوع القسري لربوبيات السوق وعبادة المال، وتقديس صنمية القادة المحظوظين المستفيدين، والزعماء السياسيين الدمويين، والمثقفين المزيفين، كمصادروحيدة ومطلقة للإنتشاء لتحقيق السعادة الإنسانية، والحلم المزهرالابدي للبشرية، حيث يقول في كتابه الشعري Les Illuminations الإشراقات:

 ...حتى في بعض الأمسيات اللازوردية الحالمة ..، عندما نحاول الإعتزال–هادئين - لننسحب نائين عن فظاعات قذاراتنا المادية والإقتصادية اليومية.والهروب من وجودنا...، تنتابنا، مع ذلك، أحاسيس الهلع لدى سماعنا رهج مطاردات القنص الوحشي للطرائد (البشرية)، ...وتعالي أصداء مرج الحشود البربرية للقناصين المهوسين :الفلاسفة، المنظرون، الإقتصاديون، المبدعون (المزيفون)، والعسكريون !

وبعد؟

بهذه اللمحة السريعة نستطيع القول أن:العقل الغربي أكمل دورته حول الكرة الأرضية، وإستكمل دورته حول الإنسان فوصل إلى قعرباطن (الفرد/الإنسان)الذي هوآخرمحطات الغرب الرئيسية.فأصبحت البشرية بذلك كلها داخل القطارالكوني الغربي :

وبالتأكيد ان ثوارالربيع العربي وما يسمى بالإسلام السياسي (الذي هو مصطلح أنغلوساكسوني إختلق في العشرينات و شاع ذكره في الادبيات السياسية الغربية في اوائل الثمانيمات مع ظهورالثورة الإسلاميةالإيرانية)، هم من آحاد ركابه وليسوا خارج هذه العربة، فذاك مستحيل!فلا أحد يمكنه أن يكون خارج القطارالغربي في القرن الأمريكي، وواهم من يظن أنه يحق له التحرك ولوفي عقرداره بدون ترخيص الأمريكي وعلى أساس هذا المركب أصبح المشروع الغربي مشروعا للبشرية بكل النتائج السيئةوالمخزية الى ان يأتي زمن ما بعد الانا الأمريكي، .... ! ونهاية الأنا الأمريكي تقرررها الشعوب لا الأمريكي ، شريطة ان تعي من هو الأمريكي ؟ - (التي يقصد بها السياسي ومتخذ القرار وليس الشعب الأمريكي المسكين المقهورفي بلده مثل كل المستضعفين في الأرض (.

 

ولفهم ما نرمي اليه، فلا مناص للمرء من أن يلم بتلك الثورة الصامتة الفتاكة مثل الخلايا السرطانية الثاوية التي تفتك ببطء داخل الأنسجة الإجتماعية للغرب برمته، التي يتعرض لها النظامين الإجتماعين في امريكا واوروبا الغربية اليوم .ومرد ذلك في حقيقية الحال، الى ان بقايا البورجوازية الأوربية والأمريكية من البيض التي قيض لها ان تسود منذ ان دالت الهيمنة الغربية، غير انها قد انتهت، وفسحت المجال لأجيال مرتعبين ومهزوزين ومهزومين، وشواذوحشاشين، هم مزيج من البروليتاريا والمهاجرين والمهمشين والمنحرفين والبورجوازية الصغيرة العبيطة وابناء بابا وماما من المخنثين، من المتسكعين في البطحاء والدعقاء بدون هدف او غاية اوقصد، ناهيك عن الشرائح الأكبر من ابناء المهاجرين الذين هم تلك القنبلة الموقوتة ان في الحال اوالمآل، التي ستفجرالمجتمع الأمريكي والأوروبي من الداخل على المدى القريب، لن تنفع فيها اية وصفة إجتماعية لعقد أجتماعي جديد لروسو، ولن تنفع فيها تعاويذ وأحجية هوبزوبنتام الإقتصادية ولوبعثا من قبرهما،

ولا يبدوعلى السطح ان الأجيال الصاعدة الوليدة، الذين هم ابناء الجمهوريات العلمانية والحداثية والديموقراطية الغربية يؤمنون بمبادئ جول فيري اوروسوو فولتيراو كانط أو هيغل، او ينتشون لسماع بيتهوفن وتشايكوفسكي وموزاروفاغنر (والأجيال الأوربية الصاعدة لا تعرف لا هؤلاء ولا اولائك) ولا يوجد في قواميس معاملاتهم اليومية إشارة طفيفة لانجيل المساواة، والنظام أوالمحبة والعدل والإخاء، بل الويل لمن اختلي بهم حتى في واضحة النهار في باريس وبروكسل وروما ولندن ونيويورك !حيث ان كل الأجيال الحالية في العواصم الغربية لا تمقت شيئا قدرمقتها للمساواة والشعارات الإنسانية التي تجحف بأصحاب العقل والموهبة والذكاء .

هذه الشرائح الجديدة لا تريد شيئا ولا تريد مساواة ولاإخاء ولا محبة، بل تريد لنفسها مكانا تحت الشمس - أقل من الحيوانات - ، حيث تصرمت - والى الابد - تلك العهود الوردية التي رسمتها أكذوبات الأطروحات المثالية وروجتها الأفلام الامريكية للعهد الجميل الامريكي والاوروبي للخمسينات والستينات بعد ان ماتت دولة الرفاهية والجنة البشرية الموعودة، وحلت محلها دولة القحط ودارصقروهواجس الإنحدارالى القرون أوسطية المظلمة، عالم غربي تحولت شعوبه الى حثالات يتغوطون تحت قبة عولمة الفاقة والمسغبة ويتعيشون بأوهام النجومية الكروية والغنائية ويقتاتون بثقافة الجريمة وتنامي العاهات الجسمية النفسيةالمستعصية على جهابذه علماء انسانياتهم وعلماء إجتماعهم، وكلمما تسامعوا بظاهرة جديدة الا ضربوا الكف بالكف ورفعوا الحاجبين وحولقوا وتعجبوا، وخريجو جامعاتهم ومعاهدهم التقنية يبحثون عن أكل العيش في دول آسيا مثل الصين وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا وأندونسيا أو في بعض دول المغرب العربي، ومعظمهم ينتظرون المستقبل المظلم حتى لحاملي لشهادات البكالوريا+15 الذين معظمهم من المعوزين أو من نزلاء مصحات المجانين !

 

وختاما:لعله من باب خيرالكلام ما قل ودل ان نختتم هذا الموضوع، بمقدمة احد الكتب الرصينة الذي كتبته الخبيرة الإقتصادية والمحاضرة بجامعة السوربون والباحثة المعروفة: فيفيان فورستر Viviane Forresterوهو    L’horreur économique الفظاعة الإقتصادية، حيث كتبت :

أي حلم (بهيج) هذا الذي نوطن أنفسنا (نحن الغربيين)، على التعلق بتلابيب سراباته وخيباته إلى درجة صيانة أزماته ورعايتها، علًلها تٌخرجنا من الكابوس المرعب:السقوط التام، مثل سقوط برج بابل العظيم؟..

ومتى سنأخذ (نحن الغربيين) بعين الإعتبار، بأن ما يحدث اليوم، ليس فقط مجرد أزمة عابرة أوأزمات متعاقبة ...، بل إن هناك تحولا مهولا نرفض قبوله؟... وأنه ليس فقط تحولا عابرافي المجتمع الغربي...، ولكنه تحول عنيف (في العمق)لحضارة آفلة باكملها....؟

 إننا (نحن الغربين) نساهم كلنا في مواجهة مرحلة (تاريخية) جديدة حاسمة غيرمسبوقة وبدون سابق إنذار، مع عدم رضوخنا بقبول أن المراحل السابقة (لحضارتنا) قد ماتت...ومع عدم قدرتنا أيضاعلى تحمل مشاعربشاعة مراسيم دفنها، ولكننا مع ذلك، نستمر في تحنيطها مثل المومياء الأزلية... ص:11 من الكتاب

وهذاهوالمصيرالغربي !

وهذه هي الأنا الأمريكية !فهل من مزيد؟

وعلى الذين يتفاوضون مع الغرب والأمريكيين - من تحت الطاولة - سواء أكانوا من المستغفلين او من الخونة لشعوبهم، ان يعوا ببساطة وبلغة العوام بان فاقد الشيء لا يعطيه، وان الحوار مع الغربي لا يمكن ان يتم الا من باب الندية ومن موقع القوة لا من باب الخنوع والإستجداء، والغرب لا يحترم إلا الأقوياءوليس الحناطير

للبحث صلة...

   

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2177 الثلاثاء 10/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم