قضايا وآراء

ماركس والاعتراف بمحمد (ص)

ولهذا لم يتردد ميشيل عفلق، وبالرغم من كونه مسيحياً، في بداية تأسيسه لحركة الإحياء العربي، التي عرفت لاحقاً بحزب البعث، من القول إذا كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب محمد(ص)، وهي ليست سوى محاولة للربط المتأخر بين الواقع العربي والإسلامي، بغض النظر عن محاولات النجاح أو الفشل التي منيت بها حركته، لكن مقولته تلك، تعد في نظر الكثيرين اعترافاً مباشراً لشخص محمد (ص) الإنسان والنبي .

وإذا كانت محاولات القوميين العرب كتيار علماني، منصبة على إنضاج التقارب بين العرب والإسلام، من خلال إعادة التأكيد على ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب، أن العرب مادة الإسلام، فإن الأصناف الأخرى من التيارات العلمانية العربية لا تقيم وزناً أو اعترافاً لذاك التصور، الذي تعتبره تصوراً رجعياً عقيماً، وتنوع هذه التيارات لا يمكن حصرها باليسار أو بالليبرالية، إنما يمكن تلمسها لدى بعض الأفراد المستقلين بذاتهم، والذين لم يحددوا بعد وجهتهم أو تيارهم .

إن معركة العلمانية ينبغي أن لا تكون مع الإسلام، أو مع رمزه الأعلى المتمثل بالنبي محمد (ص)، وذلك ليس لأن لدى المسلمين بحوراً من الأدلة والبراهين تضعف وتوهن حجج خصوهم العلمانيين، بل لأن النموذج الذي قدمه النبي في عصره، يستحيل أن يعاد تقديمه في هذا العصر، فلا المرأة اليوم، هي ذات المرأة قبل الإسلام أو أثناءه، ولا الخصوم آنذاك هم ذاتهم اليوم .

إن ما قام به محمد (ص) وابن عمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من إلغاء وتفكيك لواقع الهيمنة الرأسمالية لتجار قريش ومرابيها، ربما هو الذي دفع الفيلسوف والمفكر كارل ماركس إلى الاعتراف بواقع تلك النبوة من منطلق عقلي بحت، أدى إلى انتقال القبيلة العربية من مرحلة الجاهلية إلى مرحلة المجتمع والدولة .

غير أن بعض العلمانيين من ذوي النزعة الاستغرابية، يصرون بالنظر إلى الإسلام من خلال رصد تحركات محمد الإنسان وليس النبي، وعندما يقدمون جرداً بانتقاداتهم وتشريحهم، فإنهم يقدمونه على أساس أنه نبي، في محاولة منهم لتعريف الإسلام بالإرهاب والإرهاب بالإسلام، وليس بأي شيء أخر، وهذا ما أدى إلى التمايز العقلي الواضح، بين قراءة المستشرق الغربي لسيرة محمد، قراءةً تاريخيةً معمقةً، تختلف عن قراءة المستغربين العرب لسيرته على أساس سطحي ضحل، لهذا لم يعد مستغرباً ذلك الكم الهائل من التناقضات والاستنتاجات التي توصلوا إليها  في قراءتهم المتسرعة، وبالتالي عدم صوابية أحكامهم المسبقة التي ينبع بعضها من ثأر تاريخي، أو مرض طائفي مزمن، لتتحول هذه المعركة بين هؤلاء المستغربين وبين محمد كإنسان ونبي إلى معركة مفتوحة مع سائر المسلمين .

إن الاعتراف برسالة محمد (ص) كرسالة علم ومعرفة، لا يستدعي من بعضنا إشهار إسلامه والتسليم بأمره والتخلي عن رزمة أفكاره، لكنه على الأقل يستدعي الاعتراف بعد إعمال العقل وتدويره من كل الزوايا والاتجاهات، بأنه بريء كل البراءة، من أي أفعال تنسب إلى الإسلام اليوم، تحت مسميات الجهاد، لطالما بقي الاجتهاد والتأويل السمة التي يتميز بها الإسلام عن غيره من الديانات الأخرى، فإن العمل في هذا الباب، يختلف عن العمل به قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، نظراً لاختلاف الظروف والعصور، أما إغلاقه اليوم، يعد أمراً متعسراً، ولا يبرر بأي حال من الأحوال، أن يكون الإسلام ديناً يحض على الإرهاب في ظل انقسام الإسلام كما العلمانية إلى تيارين متباينين لكل واحد منهما رؤيته الخاصة ومساره الإيديولوجي الذي ينطلق منه، فليس الإسلام الراديكالي هو ذات الإسلام المحافظ، لكن النظر إليهما نظرة شمولية رعناء سيؤدي إلى الخلط بين الإسلام والإرهاب، كما هو حاصل اليوم .

قبل الشروع في الاعتراف بمحمد (ص) كرسالة علمية، لا بد من الاعتراف أولاً بالعمل الجاد على تقسيم الإسلام في محاولة لإنهاء الاعتباط الحاصل والخلط الفاجع بين عقول ملؤها الإيمان بالدين والدنيا، وعقول غزتها فكرة الصراع الأعمى .

ولا تختلف بأي حال من الأحوال، نظرة المستغربين إلى النبي لكونه تزوج الكثير من النساء، عن نظرة أصحاب العقول المهجوسة بفكرة الصراع بين الخير والشر والحق الباطل، نظراً السوداوية النظرة وعدمية التفكير، فإذا كان محمد(ص) قد تزوج أحد عشر امرأة، فإن النبي سليمان عليه السلام تزوج ألف امرأة بحسب الكتاب المقدس، وإذا كان محمد (ص) خاض عدداً من المعارك ضد خصومه، فإن سليمان وداود وموسى عليهم السلام، خاضوا قبله أقوى المعارك ضد خصومهم التقليديين .

ما سبق ذكره يدعونا إلى إعادة التأكيد على الفصل الحقيقي بين الإسلام كسلوك ورسالة، كما يدعونا إلى إعادة التعريف بالإسلام وبمحمد (ص) كنبي ورسالة، قبل شروع البعض في الاعتراف الذي من المؤكد سيكون متعسراً إن لم يكن مستحيلاً.

 

كاتب عربي

[email protected]

 

 

 

 

في المثقف اليوم