قضايا وآراء

فضائح السلطة في الدراما التلفزيونية / قاسم حسين صالح

ويعرض جزؤه الثاني في رمضان الحالي 2012 , من انضج واجرأ الاعمال الدرامية التلفزيزنية مضمونا واخراجا وتمثيلا, بما فيه مقدمته الغنائية المميزة موسيقا وصوتا واداءا. فلقد استطاع الكاتب سامر رضوان والمخرجة رشا شربتجي التعرض لأربع قضايا حياتية معاصرة, تناولت الاولى حالة شاب "جابر" من الوسط الشعبي..مسالم, فقير, محروم, اكتشف بعد معاناة ان طيبته هي سبب مصائبه التي صيرته ضعيفا ذليلا, فيلجأ الى مصدر قوة "شقاوه – ابونبال" وتاجر اخطبوطي منحط اخلاقيا ومهنيا ليميت الانسان الطيب في داخله ويتحول الى نقيضه, ليقينه انه يعيش في مجتمع يحترم الانسان القوي ويستضعف الطيب المسالم. ويتناول في المحور الثاني عقوق الابن للأب الطيب, وصراع القيم بين جيل شباب صاعد يرى ان المجتمع تحكمه قيم مادية, وجيل كبار يريد ان يرّبي ابناءه على قيم مثالية. وكيف ان الأب الذي عصاه الابن وسار في طريق الرذيله, عاقب نفسه ولم يعاقب ابنه! محمّلا شخصه الشعور بالذنب انه ما عرف كيف يرّبي. وتناول المحور الثالث أوجاع الفقراء الذين يعيشون في نظام تنعدم فيه العدالة الاجتماعية..فيما تناول المحور الرابع قضية ضابط مخابرات "رؤوف" يستغل منصبه في اشباع حاجاته الساديه وانحرافاته الجنسية بقسوة وحشيه, مولدّا الانطباع لدى المشاهد بأن الذي يعمل في اجهزة المخابرات وامن النظام يكون عديم الذمة والضمير والاخلاق. وتتجلى نباهة المؤلف وذكاؤه في تسمية عمله بـ (الولادة من الخاصرة) اشارة الى ان النماذج السلبية المطروحه جاءت من ولادات قسرية افرزها نظام قائم على القهر والحرمان وظلم السلطة, ويوحي للمشاهد ان هذه العلاقة تكون في متلازمة ابديه ما دامت هنالك سلطة!.

 ويعدّ (الهروب) للمؤلف بلال فضل واخراج محمد علي وبطولة كريم عبد العزيز, اول مسلسل درامي مصري بعد الثورة يتناول قضية بطالة الشباب الجامعي والقهر الذي يتعرض له المواطن العادي من ظلم السلطة, وعشوائية اجهزة امن الدولة في مطاردة من هوموضع شبهه, وفوضى التحكم بمصائر الناس. والمسلسل يحكي قصة المهندس محمود(كريم عبد العزيز) تخرج من الجامعة بتفوق ولم يجد وظيفة مناسبة, ويتهم زورا في قضية امن دولة, فيسجن ويهرب في ايام اندلاع الثورة (يناير 2011) بعد ان فقد النظام سيطرته على السجون. ويشكّل هووابوه واخوه ثلاثة محاور , حيث يمثل هوموقف الشاب الجامعي الذي يسعى الى تحقيق طموحه, واليائس من اصلاح الحال الذي يرى في الثورة انها (راح تشيل فلان وتجيب علان ويبقى الظلم نفسه وان عليه ان يخلع من البلد). فيما يمثل ابوه موقف القوى اليسارية صاحبة الخبرة النضالية الطويلة التي تتمسك بالأمل رغم خيباتها وفواجعها.. فيما يمثل اخوه, الشاب الجامعي الاصغر موقف الشباب الذي اشعل الثورة والهب حماس الجماهير المحرومة ومنحها القوة والشجاعة لتغير هتافاتها من (اسقاط الرئيس) الى (الشعب يريد اسقاط النظام), والذي يستشهد في موقعة (الجمل) بميدان التحرير, اشارة الى ان احلام الشباب الوردية ستجهض وأن ثمار الثورة سيقطفها من كان يتفرج عليها.

وتأتي اعترافات الشخصية المثيرة للجدل(اعتماد خورشيد)لتشكل أقبح فضائح اجهزة المخابرات والأمن والأنظمة الدكتاتورية العربية وتعاونها فيما بينها, حيث ذكرت انها حملت رسالة بالشمع الأحمر من صلاح نصر وسلمتها باليد الى صدام حسين.وفي اعترافاتها التي كانت نشرتها في الصحف المصرية ومحطة مصر الفضائية , واعادت تأكيدها عبر فضائية الحياة قبل ايام(7 آب 2012)ما يصعب تصديقه, ليس في بشاعة وقساوة اجهزة المخابرات في التعذيب بل في الانحطاط الاخلاقي والشذوذ الجنسي التي كان يمارسها (صلاح نصر)رئيس جهاز المخابرات المصرية الأسبق.فلقد افادت بانه اجبر زوجها على تطليقها ليتزوج منها وهي حامل في شهرها السابع وليكون زوجها احد شاهدين يوقعان على عقد الزواج!.وأكدت بأنه جنّد الكثير من الفنانات لاقامة علاقات مع ضباط وسياسيين كبار, بينهن (سعاد حسني)التي عمل لها فخا جرى فيه تصويرها بوضع فاضح..وانتهت قتيلة وليست منتحرة في عمارة بلندن تملكها المخابرات المصرية بحسب اعترافها.

وما يجعلك تفغر فاك هولا أن رئيس جهاز المخابرات المصرية كان يقيم في بيته طقسا ليليا بأسم (السموالروحاني)يمارس فيه الرجال اللواط وكل انواع الشذوذ الجنسي.واللافت , وهذا يحتاج الى تحليل نفسي, ان نماذج اجهزة النظام التي طرحتها مسلسلات فضح السلطة اما ان تكون مصابة بالشذوذ الجنسي اوانها ساقطة اخلاقيا تستخدم الجنس للسيطرة على الخصم اوالمسؤول السياسي كما فعل (صفوت الشريف)الذي عمل مقلبا فاضحا لـ" علاء" ابن الرئيس مبارك للسيطرة على مبارك نفسه!.

لكن البعد الأهم والأخطر , ليس بتوريط الآخر بفضائح جنسية بهدف السيطرة عليه, انما هوافساد اخلاق الناس.اذ تدرك الأجهزة الأمنية والمخابراتية في الأنظمة الدكتاتورية ان افساد اخلاق الناس هواقوى سلاحا من التعذيب, وأنه الوسيلة الأكثر ضمانة في ديمومة بقاء الحاكم في السلطة.

ومع أن الأنظمة "الديمقراطية" العربية ينبغي ان تستوعب الدرس, الا أن واقع الحال يشير الى ان " الحاكم" عندنا ورث من اسلافه الحكام خصلتين:سيكولوجيا الخليفة..اي البقاء في السلطة الى ان يخصه عزرائيل بالزيارة , وفوبيا الخوف من الناس..وكلاهما يدفعانه الى اعتماد اجهزة مخابرات وأمن تمارس نفس اساليب سابقاتها, والاستعانة بذوي الخبرة من رجالاتها السابقين, حتى وان كانوا مجرمين!

ولقد راعنا حقا ما ذكرته تقارير صحفية افادت بأن مسؤولين في الحكومة العراقية وضعوا كاميرات خفية واجهزة تنصت سرية في بيوت واماكن عمل "خصومهم" السياسيين مع انهم في حكومة شراكة وطنية!..لاستخدامها في السيطرة عليهم بنفس الطريقة التي كان يستخدمها صلاح نصر وصفوت الشريف.فأن صحّت هذه التقارير, ونرجوأن لا تكون صحيحة, عندها تكون الكارثة قد اكتملت مقوماتها..مع انهم ليسوا بحاجة لها.فحين يصل الحال الى ان الناس صارت تعدّ الفساد " شطارة" وليس خزيا كما كان, وحين يتفق الجميع:الحكومة, والكتل السياسية, والمرجعية , والناس..على أن الحكومة الحالية هي افسد حكومة في تاريخ العراق والمنطقة, وان العراق هوالآن ضمن الدول العشر الأكثر فشلا في العالم بحسب تقرير علمي امريكي, وأنه صار ثاني دولة بالعالم في تصدير النفط, وأن حكّامه الذين عادوا الى العراق , ومعظمهم لا يملك ثمن تذكرة الطائرة, صاروا اصحاب مليارات وعقارات..فان الدراما العراقية تنتظرها مسلسلات تروي فيها للأجيال كيف ان افساد اخلاق الناس في الزمن الديمقراطي هواقوى من اساليب اجهزة مخابرات وامن الانظمة الدكتاتورية, واضمن في ابقاء الحاكم بالسلطة.وكيف ان الديمقراطية تجعل الشعب مستكينا مع انه كان الأكثر ثورات ضد الظلم, وكيف ان فيه ملايين تحت خط الفقر مع انهم يعيشون في اغنى بلد في العالم..وفي نظام ديمقراطي هم جاءوا بحكّامه!.

10 آب 2012

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2207   الاثنين  20/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم