قضايا وآراء

علم القوافي (7): حركات حروف القافية المقيدة والمطلقة / كريم مرزة الاسدي

إن الشعر العربي صعب سلمه كما يقول الحطيئة - كلا فللموهبين بأذنهم الموسيقية ولغتهم على السليقة فهو سهل يسير، فمثلا إلياس فرحات له عشرة دواوين وهو إلى أن مات (84سنة) لايعرف قواعد النحو واصرف وعلم العروض، ومثله الشاعر العربي الكبيرإيليا أبو ماضي، ولا نعرف في أواخر حياته تعلم النحو أم لا، فدراساتنا للنقاد والأدباء والمختصين بعلوم اللغة وموسيقى الشعر، وهم الغالبية العظمى من العرب،فهنالك شاعر شاعر، وشاعر ناظم، ومتذوق هاو،مع الأحترام

 

حركات حروف القافية: وهي حركة أحد حروف القافية، أو حركة الحرف الذي قبله اللاتي إذا وردت في مطلع قافية القصيدة، تلزم الشاعر أن يأتي بها في كلّ أبياتها، ولمّا ذكرنا أنّ القافية - من حيث حركة رويها - نوعان، إمّا مقيدة أو مطلقة، سنشرع بحركات حروف القافية من الخارج إلى الداخل للمقيدة أولاً، والمطلقة ثانياً:

أولاً - حركات حروف القافية المقيدة من الخارج إلى الداخل: يكون الروي فيها ساكناً، ولم يسموا السكون باسم خاص (139)، والحرف الذي يسبق الروي الساكن، إمّا أن يكون حرفاً صحيحاً غير معتل فحركته تسمى:

1 - (التوجيه): هو حركة الحرف الذي يسبق حرف الروي في القافية المقيدة غير المؤسسة بألف التأسيس، ولا المردفة بحروف العلة الساكنة (الردف بأحد حروف اللين)، ويطلقه بعضهم على القافية المطلقة أيضاً، وعلى الرغم من جواز اختلاف الحروف الصحيحة السابقة للروي، ولكن يجب أن تكون حركة التوجيه واحدة في كل هذه الحروف المختلفة في القصيدة أو المقطوعة الواحدة، وخصوصاً في القافية المقيدة والخليل أجاز اجتماع الكسرة مع الضمة في القصيدة الواحدة دون الفتحة معهما، فعندما يكون التوجيه فتحة، يجب أن يلتزم الشاعر بها في كل قصيدته، فقصيدة كاتب هذه السطور المقيدة التي استشهدنا ببعض أبياتها من قبل (حوار مع القلم)، وهي من بحر (الرمل)، تتضمن تسعة عشر بيتاً، رويها حرف الميم الساكن، وحركات التوجيه كلـّها فتح:

لا تراني مثــــلَ أصلال الفلا *** إنـّما نســـــغي حياة ٌ تـُغتنـَمْ

قد رضعتُ العلمَ من أفذاذكمْ *** وجعلتُ الصفحة َالبيضاءَ فـَمْ

إنَّ مـنْ رامَ بفقــدي لـــــذة ً *** هلْ سيبقى بعدُ ذوق ٌأو طعَمْ (140)

والحقيقة من وجهة نظري لايُستساغ أن تأتي مع الفتحة في (التوجيه) المقيدة حركة أخرى كالضمة أو الكسرة، نعم يجوز أن تجتمع الحركتان الأخيرتان في التوجيه المقيدة، لأنهما توأمان، لهما كم صوتي واحد، والفتحة أطول موجة منهما كمياً، فلا يتم الانسجام معهما تماماً، ولكن الأخفش الأوسط ( ت 215 هـ /830 م) جوز في (قوافيه) جمع الحركات في (التوجيه) للقصيدة الواحدة بقوله: " ولا يجوز مع الفتح غيره نحو قوله:

قد جبر الدين الإله فجبَرْ

التزم الفتح فيها كلـّها " ثم أردف " ويجوزُ الكسر مع الضمّ في قصيدة واحدة ٍ ...... وقد أجازوا الفتح مع هذا ....... وليس هذا كالألف والياء والواو التي في الرّدف لأن تلك حروف ٌ فقبحَ جمعها في قصيدة واحدة ٍ وهذه حركات فكانت أقلّ من الحروف وأضعف ....... وقد جعلت الشعراء المفتوح مع المكسور والمضموم فأكثرت من ذلك "(141)، والحق معه حروف اللين غير الحركات المجانسة لها من حيث الكم الصوتي وطول الموجات الصوتية، والحركات كما ذكر قد وردت مختلفة في الشعر العربي، فهذا أبو فراس قد جمع كل الحركات في (التوجيه) بقصيدة واحدة كتبها إلى سيف الدولة يداعبه (المتقارب):

وقد خلط الخوفُ لمّا طلعـْ *** ـتَ دلَّ الجمـــــــال ِبذلِّ الرّعُبْ

تسارعُ في الخطو ِلا خِفّة ً *** وتهتزُّ في المشـّي لا مِنْ طرَبْ

فلمّا بدتْ لكَ دونَ البيوت *** بدا لكَ منهنَّ جيــــــــش ٌلجِـِبْ

فكنـتَ أخـــاهنَّ إذْ لا أخ ٌ *** وكنــتَ أبــاهنَّ إذْ ليـــــسَ أَبْ (142)

حركة (التوجيه) في البيت الأول الضمة، وفي البيتين الثاني والرابع الفتحة، وفي الثالث الكسرة، ولا يتحسس بهذا الاضطراب الخفيف سوى من يمتلك أذناً غاية الإحساس كالفراهيدي الذي لم يجزه، ياعتباره من (سناد التوجيه)، ويُعدُّ السناد من عيوب القافية الطارئة، ويعقب الهاشمي على هذا الأمر: " قد أجازوه لكثرة وقوعه في أشعار العرب " (143)، ولكن الدكتور صفاء خلوصي له رأي أكثر دقة، وأنا أشاركه الرأي الحصيف، إذ يقول: " أجاز الخليل الجمع بين الضمة والكسرة فقط لما بينهما من تقارب من حيث كونهما صوتاً ضيقاً وأباح الاخفش الجمع بين الحركات الثلاث في حين أن كراع رأى الجمع بين الفتحة والضمة ونحن على رأي الخليل لقيامه على على أساس ٍ معقول ٍ في علم الأصوات ) (144) .

أما من حيث سبب التسمية، وعلـّة التوجيه، يقول أبو يعلى في ( قوافيه): " ولم يذكر أصحاب القوافي المتقدمون من أيّ شيء أخذ التوجيه " (145)، ثم يدلي برأي المتاخرين الذين يرجعون إلى الجذور اللغوية للكلمة، ولكن ابن بري قال: التوجيه هو حركة الحرف الذي قبل الروي المقيد وقيل له توجيه لأنه وجه الحرف الذي قبل الروي المقيد إليه لا غير ولم يحدث عنه حرف لين كما حدث عن الرس والحذو والمجرى والنفاد (146) . فالحركات الأخيرة تـُشبّع إلى حروف لين من جنسها، والتوجيه لا يمكن إشباعه .

2 - (الحذو): حركة الحرف الذي يسبق الردف في القافية المقيدة والمطلقة .

نرجع لكلامنا ما قبل (التوجيه)، أو أن يكون الحرف الذي يسبق الروي الساكن حرفاً معتلاً ساكناً، أي أحد حروف العلة الساكنة (حرف لين)، ويسمى حينئذ ( الردف)، ولما كان حرفا الردف والروي ساكنين، فلفظ القافية ( مترادف)، وترادف الساكنين لا يكون إلا في القوافي المقيدة، فنرجع في هذه الحالة إلى حركة الحرف الذي يسبق الردف، ويُدعى (الحذو)، وتسألني عن كلمة (الحذو) ما هو مصدرها ؟ أقول: الحذو من حذوت فلاناً بمعنى جلست بحذائه أي بإزائه وجنبه، ولكن من هو الأصل الذي يُحتذى به حركة الحذو أم حرف الردف الذي بعدها، (الخليل) يرى أنّ الحركة هي الأصل والردف يجري مجراها، فالواو تحذو حذو ضمتها، والياء أزاء حذو كسرتها، والألف ملزم بحذو فتحته، وإليك قول السياب ينقله إلينا الدكتور التونجي مقدماً " وهو إذا أراد وصف الطبيعة أجاد " (147) والبيت - والكلام الآن لنا - من البحر (المتقارب)، سنقطعه عروضياً، ونعقب:

أزاهيرها في الدّجى من نبَاحْ *** وعندَ النهار ْخُزامى، أقـَاحْ

فعولن فعولن فعولن فعوْلْ *** فعولن فعولُ فعولن فعوْلْ

كما ترى القافية لفظها (مترادف / ه ه)، والساكنان لا يترافدان إلا بالقافية المقيدة، فالحذو حركة الفتحة لباء (نبَاحْ)، وقاف (أقـَاحْ)، والألف في الكلمتين الردف، تلى الحذو، وهي طبعاً ساكنة، والحاء الساكنة فيهما هي الروي في القافية المقيدة، وتقف عند هذه الحدود، ونعطي مثال آخر من (المتقارب) أيضاً:

فأحييتَ شعبك بعد المواتِ *** وأرضيتَ بين َ القبور ِالجدُوْدْ (148)

فعولن فعولُ فعولن فعولُ *** فعولن فعولن فعولن فعولْ

القافية المقيدة (دُوْدْ /ه ه)، حركة الحذو الضمة على الدال، الحرف الذي تلاها الردف (وْ)، ثم الروي وهو الدال الساكنة .

وبعضهم يرى حروف (الردف) هي الأصل، والحركة (الحذو) هي التي تحذو ردفها فتجانبه، وأحيانا تأتي حركة الفتحة قبل الواو والياء الساكنتين، حرفي اللين، وهما الردف، وحركة الفتحة ليست من جنسهما، ولكن قبل الألف لا تأتي إلا الفتحة فقط، وهذه الحركات الفتحة أو الضمة أو الكسرة سواء كانت من جنس (الردف)، أو من غير جنسه (149) هي (الحذو)، والخليل الفراهيدي يتحفظ على الحركات من غير جنس الردف أن تكون حذواً ويتشدد أزاءها، وفي (المحكم) يذكر ابن سيده، إذا كانت الدلالة قد قامت على أن أصل الردف إنما هو الألف ثم حملت الواو والياء فيه عليهما، وكانت الألف أعني المدة التي يردف بها لا تكون إلا تابعة للفتحة وصلة لها ومحتذاة على جنسها، لزم من ذلك أن تسمى الحركة قبل الردف حذوا أي سبيل حرف الروي أن يحتذي الحركة قبله، فتأتي الألف بعد الفتحة والياء بعد الكسرة والواو بعد الضمة قال ابن جني ففي هذه السمة من الخليل رحمه الله دلالة على أن الردف بالواو والياء المفتوح ما قبلها لا تمكن له كتمكن ما تبع من الروي حركة ما قبله (150)، ففي حالة الحذو من جنس الردف، قول شوقي:

يقولون يا عامُ قد عدتَ لي *** فيا ليــــتَ شعري بماذا تعُوْدْ

لقد كنتَ لي أمس ما لم أردْ *** فهلْ أنتَ لي اليومَ ما لا أرِيْدْ (151)

قد تعاقبت الواو والياء كردف في القصيدة الواحدة المقيدة،، والروي الدال الساكنة، والحذو في البيت الأول الضم لحرف العين، وفي البيت الثاني الكسرلحرف الراء، وهما من جنس ردفيهما، وسنستشهد في القافية المطلقة لحركة الفتحة على الحرف الذي يسبق ردفي الياء والواو، فكما ترى هنا القافية المقيدة تنتهي بساكنين (/ه ه)، فتثقل مخالفة الحذو لجنس رد فها .

3 - (الإشباع): وهو حركة الحرف الذي يسبق الروي في القافية المؤسسة، متعلق بحركة (الرس) الآتي ذكره .

كما مرّ بنا سالفاً، حروف (الردف) الألف والياء والواوالساكنات (اللين)، في بعض القوافي يدخل حرف صحيح - غير معتل ساكن - بين الألف وبين حرف الروي، ويسمى الحرف الصحيح بـ (الدخيل)، ويسمى الألف (ألف التأسيس) وليس بـ (الردف)، والقافية تسمى بالمؤسسة، وتدعى حركة حرف (الدخيل) بـ (الإشباع)، وتسألني هل يدخل حرف بين الياء والواو الساكنتين من ردف اللين وبين حرف الروي، نعم يدخل كـ (فيْصَل) و(موْئِل)، ولكن لا يسمى بالدخيل، ولا تعتبر القافية مؤسسة إلا في حالة (الألف)، والألف كما أسلفنا له إيقاع كمي ممتد، وموجة طولية مميزة، أكبر من الحرفين الآخرين الساكنين الياء والواو .

وحركة الإشباع كما يرى الدكتور عبد الرضا علي هي: " حركة الدخيل سواء أكانت كسرة، أم فتحة، أم ضمة ( والضمة قليلة جداً ونادر(152)، ويستشهد د . عبد الرضا من (قوافي) الأخفش بقول الشاعر:

وخرجتْ ماثلة التجاسُر ِ

بعد قوله:

قومي علوْا قدما بمجْدٍ فاخِر

(153لمع القطا تأتي لخمس باكر(

وينوه الدكتور إلى أن الأختلاف في الحركة من الكسر إلى الضم عيب، ولكن أورده للتمثيل .

ومن الجدير ذكره أنّ معظم الكلمات التي تتضمن ألف التأسيس يكون حرف الدخيل فيها مكسوراً، ويقول الأخفش الأوسط: " قد لزمتها العرب في كثير من أشعارها " (154 )، وبدرجة أقل كثيراً يحمل دخيلها حركة الفتحة، والقليل منها حركته الضمة، والشعراء أوردوها في قصائدهم، وسمي الإشباع بذلك لأنه ليس قبل الرَّوِِيّ حرف مسمى إلا وهو ساكن، يعني التَّأْسِيْس والرِّدْف، فلما جاء الدَّخِيْل متحركا مخالفا للتأسيس والرِّدْف صارت الحركة فيه كالإشباع له، وذلك لزيادة المتحرك على الساكن لاعتماده بالحركة وتمكنه بها،، أما التنوخي فيرى أنها جاءت من أشبعت الثوب إذا أحكمته وقويته، ولا يمنع أن يكون مأخوذا من أن هذه الحركة لا يمكن فيها من الحذف ما يمكن في حركة الروي وهاء الوصل اللتين بعدها في القافية المطلقة، لأنهما قد تحذفان تارة وتثبتان تارة أخرى، ولا يمكن في الدخيل حذف حركته، بل يأتي أبداً مشبعاًً بالحركة (155) ويلخص ابن رشيق في (عمدته) المؤسس من الشعر: ما كانت فيه ألف بينها وبين حرف الروي حرف يجوز تغييره، فذلك الحرف يسمى الدخيل، وحركته تسمى الإشباع، ويجوز تغييرها عند الخليل، ولا يجوز عند أبي الحسن الأخفش، مثال ذلك ما أنشده أبو زكريا الفراء:

نهوى الخليط وإن أقمنا بعدهم *** إن المقيم مكلف بالسائِر
إن المطي بنا يخدن ضحى غدٍ *** واليوم يوم لبانة وتزاو ِر
وهو جائز غير معيب، وأما القاضي أبو الفضل فرأيه أن حركة الدخيل ما دامت إشباعاً جاز فيها التغيير بالنصب والخفض والرفع، فإذا قيد الشعر وصار موضع الإشباع التوجيه لم يجز الفتح مع واحد منهما، واعتل في ذلك بحال المطلق غير المؤسس أن ما قبل رويه جائز تغييره، فإذا قيد لم يجز الفتح فيه إلا وحده، فهو سناد، ويشارك الضم والكسر، وهذا قول واضح البيان، ظاهر البرهان (156)، ونحن أيضاً ذكرنا ما أنشده (الفراء) لغرض التمثيل، ونمثل لحركة الإشباع في القافية المقيدة، قول أبي الفراس، وهو يخاطب سيف دولته بمجزوء كامله:

يأيّها المــــــلكُ الذي *** أضحى لذيل المجدِ سَاحِبْ

نسجَ الربيعُ محاسناً *** ألقحنهُ غررُ السّـــــحَائِبْ

راعَ العيونَ بحسنها *** تحكي لنـــا خــدَّ الحبَائِـبْ

حضرالشراب فلمْ يطبْ *** شـُربُ الشرابِ وأنتَ غَـَائِبْ (157)

كما ترى القافية مؤسسة بألف التأسيس، وكل الحروف التي تسبق الألف حركتها الفتحة، وهذا لازم، وتسمى حركة الفتحة بـ (الرس)، سنأتي عليها، والحرف بعد ألف التأسيس يسمى بـ (الدخيل(، وحركته في كل الأبيات الكسرة، وهي (الإشباع)، وسبق أنْ ذكرنا أنّ معظم حركة (الإشباع) لحروف الدخيل هو الكسرة، والروي الباء الساكنة، فالقافية مقيدة، وقصيدة المتنبي في مدح عضد الدولة البويهي:

أزائرٌ يا خيالُ أمْ عَائِدْ *** أمْ عندَ مولاكَ أنـّني رَاقِدْ

تتكون من ستة وأربعين بيتاً (158) قافيتها مقيدة مؤسسة، الحروف قبل ألف التأسيس حركاتها الفتح (الرس) لزوماً، وحروف (الدخيل) المختلفة بعد ألف تأسيسها جميع حركاتها (الإشباع) الكسر غير ملزمة به، والروي حرف الدال الساكن. والإشباع ملزم بحركة (الرس)، فما هي ؟

4-الرس: هو حركة ما قبل ألف التَّأْسِيْس فلا يكون إلا فتحة، والرس الثبات وسميت بذلك لأنها ثابتة على حال واحدة، ويقول أبو يعلى: " الرس: القلة والخفاء، ومنه رسيس الهوى أي بقيته، فكأن حركة ما قبل الألف حس خفي، ومنه قول علقمة ابن عبدة:

ومن كرسِّ أخي الحمى إذا غبرتْ *** يوماً تأوبّهُ منها عقابلُ

وكان أبو عمر الجرمي لا يعتد هذه الحركة في اللوازم، لأن ما قبل الألف لابدّ أن يكون مفتوحاً ..." (159)، والتبريزي يسهب بالتوضيح قائلاً " (الرس) الفتحة قبل ألف التأسيس ألبتة... وبعضهم يقول إن ذكر الرس لم يحتج إليه لأن الألف يكون ما قبلها مفتوحاً أبداسواء أكان تأسيس أم غير تأسيس، وأخذ من رس الحمى أي أولها، وسميت هذه الفتحة رسّاً لأنه اجتمع فيها الخفاء والتقدم . أمّا التقدم لتراخيها عن حرف الروي وبعدها عنه، وأما الخفاء فلأنها بعض حرفٍ خفيٍّ وهي الألف " (160) والحقيقة (الرس) يلزم لكي نفرق بين ألف التأسيس وبين الألف عندما ثكون (ردفا)، فالفتحة تلازم أيضاً الحرف الذي يسبقه، ولكن ليست بـ (الرس) وإنما (الحذو)، ثم إذا لم نذكر (الرس ) يجب أن نفرد لكل حركة من الإشباع اسماً .

إليك أمثلة لـ (الحذو) الذي يسبق ألف (الردف ) في القافية المقيدة:

لا يغرنَّ أمراًعيشهُ *** كلُّ عيش ٍصائر ٍللزوَالْ

يا لبكر ٍانشروا لي كليباً *** يا لبكر ٍ أين أين الفرَارْ (161)

الألف الذي يسبق الروي الساكن مباشرة هوأحد حروف (الردف) الثلاثة، والفتحة الملازمة للحرف الذي يسبق الألف هو (الحذو) .

أما (الرس) هو حركة الفتحة التي تلازم الحرف الذي يسبق حرف ألف التأسيس، وألف التأسيس بينه وبين الروي حرف آخر هو (الدخيل)، وحركته الإشباع)، وإليك قول شوقي:

غرضوا الأمان على الخوَاطِرْ *** واستعرضوا السمرَ الخوَاطِرْ

فــوقــفتُ في حـــــــذر ٍ، ويأ *** بى القلــــبُ إلاّ أنْ يخـَــــاطِرْ

يا قلـــــبُ شــــأنكَ والهوى *** هذي الغصــون وأنت طـَائِـــرْ (162)

ترى في هذة الأبيات الشوقية، قد دخل حرف (الدخيل) بين ألف التأسيس وحرف الروي، وحركة الدخيل الكسر وهو المألوف بكثرة كما أسلفنا، ويسبق حرف التأسيس حركة الفتح (الرس)، والرس بحرفه بداية القافية .

خلاصة حركات القافية المقيدة:

1 - حركة (التوجيه) على حرف صحيح يسبق ــــــــ> حرف الروي الساكن.

2 - حركة (الحذو) تسبق ــــــــ> حرف الردف - حرف علـّة ساكن - يسبق ــــــــــ> حرف الروي الساكن -اللفظ متراف لأنه ينتهي بساكنين / ه ه - .

3 - حركة (الإشباع) على حرف الدخيل في القاقية المؤسسة يسبق ـــــــــــــ> حرف الروي الساكن .

4 - - (الرس) - الفتحة دائماً - يسبق ــــــــــ> ألف التأسيس الذي يسبق ــــــــــــ> حرف (الدخيل) وحركته (الإشباع) ثم ياتي ـــــــــــــ> حرف (الروي) الساكن.

فعاية اسماء الحروف والحركات التي يمكن اجتماعها في (القافية المقيدة) خمسة، وتجتمع في المؤسسة منها وهي: الرس وألف التأسيس وحرف الدخيل وحركته الإشباع وأخيراًحرف الروي، وتجمعها كلمة ( قـَادِمْ)، ولا يمكن اجتماع القافية المؤسسة مع القافية المردفة، وغاية اسماء حروف وحركات القافية المردفة المقيدة ثلاثة وهي: حركة الحذو وحرفا الردف والروي، وتجمعها كلمة (عِيْدْ)، أمّا القافية المقيدة غير المؤسسة ولا المردفة لها اسمان فقط حركة التوجيه وحرف الروي مثل ( أَبْ)

ثانياً - حركات حروف القافية المطلقة:

الروي في القافية المطلقة يكون محركا ً وحركته تسمى 5 - (المجرى )، والروي قد يتصل بـحرف وصل محرك وهذه الحركة تسمى: 6 - (النفاذ) وهي آخر حركة يمكن تواجدها في القافية:

1 - (النفاذ): يقول صاحبا (النغم الشعري عند العرب)، يأتي بالذال والدال، وهو حركة هاء الوصل المتحرك (163)، أما هاء الوصل الساكنة لا (نفاذ) لها كقول ابن الرومي في رسالته لصالح بن مخلد متوسلا إليه ليقرأ قصيدته الدالية المطولة:

ياسيداً لمْ يلتبسْ عرضهُ *** بذمِّ رائيه ولا خـَــــــابـِر ِهْ

ظاهرهُ أحسن من غيبهِ *** وغيبهُ أحسنُ من ظـَاهِر ِهْ

أول ما أسالُ من حاجةٍ *** أن تقرأ الشــعرَ إلى أخـِر ِهْ (164)

مسكين ابن الرومي، وابن الرومي يتقيد كثيرا بالحركات بالرغم من شعره الطويل، القافية مطلقة مؤسسة، قبل (ألف التأسيس) حركة (الرس) وهي الفتحة، وبعد ألف التأسيس يأتي (الدخيل) وحركته (الإشباع) الكسرة، ثم يطلّ علينا (الروي) وهو حرف الراء، وحركته (المجرى) الكسرة أيضاً،والهاء الساكنة (الوصل)، وإذا حركت الهاء، فحركته (النفاذ)، وإذا شبعت الحركة تؤدي إلى (الخروج)، وسنمثل لجميع الحالات، وهذا ما ذكره الخليل، ولكن الأخفش الأوسط يقول " وفيها غير هذا لم يذكره، وهو أن العرب إذا أنشدت الشعر الذي في آخره الهاء الساكنة التي للمضمر المذكر، والبيت لا يحتاج إلى حركتها حركوها بالضم، وزادوا بعدها واواً، نحو قوله:

أخطل والدهر كثيرٌ خطلـُهٌو

ونحو:

ولمّا رأيتُ الدهر جماً خبلهُو

كلهم يحرك الهاء ويزيد الواو، ويكسرها ويزيد الياء، إذا كانت في موضع تكون في كلامهم مكسورة، وكثير من العرب يحرك الرّوي المقيد و يزيد عليه نوناً في الوصلسمعت ذلك ممن لا أحصيه من العرب " (165)

نعود للهاء المحركة بحركة (النفاذ)، ونشرع بالفتحة وما فتح الله، مثال ذلك قول أبي العتاهية:

ما أحســـنً الدنيـــــا وإقبــــالها *** إذا أطــاعَ اللهَ من نـَالـَهَا

مَنْ لمْ يؤاس ِ الناسَ من فضلها *** عرّض للإدبار ِ إقبَــالـَهَا

كأنـّنا لـــــمْ نــــرَ أيّـــــــــــامها *** تلعبُ بالناس وأحوَالـَهَا(166)

لاحظ معي حركات الفتحة على النون والباء والواو هذه حركات (الحذو)، وهي لازمة لأنها تسبق ألف (الردف)، ثم ياتي بعده حرف اللام وهو(الروي)، والروي حركتة الفتحة وهي (المجرى)، والهاء بعد اللام هي (الوصل)، وهاء الوصل تؤدي إلى الألف الأخيرة وهو (الخروج)، وحركة الفتحة على الهاء هي حركة (النفاذ)، وبعد النفاذ تنفذ حركات القافية تماماً. ولمحمود سامي البارودي قصيدة بعنوان (أودُّ من الأيّام ِ ما لا تودُّهُ)، يقول في مطلعها:

رضيتُ من الدّنيا بمــــا لا أودُّهُ *** وأيُّ امرئٍ يقوى على الدّهرزندُهُ

أحاولُ وصلاً والصدودُ خصيمهُ *** وأبغي وفاءً والطبيعــــة ُ ضــــدُّهُ

وما الحبُّ إلاّ حاكمٌ غيرُ عـادل ٍ *** إذا رام أمــــــراً لم يجدْ من يصدُّهُ (167)

(الروي) الدال، حركة (المجرى) عليه الضمة، الهاء (الوصل) حركته الضمة وهي (النفاذ)، وإذا أ ُشبعت الضمة يتولد حرف (الخروج) الساكن، وقد تكون حركة (النفاذ) الكسرة، كما في قول أبي نؤاس:

يا نظرة ً ساقتْ إلى ناظر ٍ *** أسبابَ ما تدعو إلــى حتفِهِ

من حبِّ ظبي ٍحسن ٍ دلـّهُ *** يقصّرُ الواصفُ عن وصفِهِ

في البدر ِمن صفحتهِلمحة ٌ *** ولمحة ٌ في الظبيمن طرفِهِ(168)

( الروي) الفاء، وحركة (المجرى) لها الكسرة، و(الوصل) الهاء، وحركة (النفاذ) له الكسرة، وتشبع إلى (الخروج)، ولكن ليس كل هاء بهاء وصل، إذا سبقت بساكن تعتبر روي، وأليك من كاتب هذه السطور من ديوانه الأول هذه الأبيات:

ولدي مهجـــــة قلبـي *** وردُ عبق ٍ وجنتـَاهْ

فهو في غربتـي أنسٌ *** لمْ تعـدْ وا غربتـَاهْ

كلُّ أهلي اجتمعوا فيـْ *** ـهِ فما أحلى شـذَاهْ (169)

هنا الهاء (روي) والقافية مقيدة، والألف (ردف)، والفتحة التي تسبق الألف فهي (الحذو) .

وللجواهري الهاء (الروي) لأن يسبقها الألف والألف ساكن لا يمكن أن يأتي بعدها وصل، وإن جعل جامعو ديوانه الهاء وصلاً، وهو خطأ في قصيدته (حافظ ابراهيم ):

دعوا إلى الشعر حرا كان يرعاهُ *** ومن يشق ُّ على الأحرار منعـَاهُ

أخنى الزمان على نادٍ(زها زمناً *** بحافظٍ واكتسى بالــحزن مغنـَاهُ (170)

فتحة العين والنون (حذو)، الألف في البيتين (ردف)، الهاء في البيتين (روي ) وليس بوصل، لأنه من المحال أن يأتي بعد الساكن (وصل)، والألف ساكنة، أما ضمة الهاء تشبع إلى (وصل).

وللسيد حيدر الحلي قصيدة قافيتها مطلقة، والهاء رويها:

دارٌ بذي الأثل ِعهدنَـَــاهَا *** ما أطيبَ العيش بمغنـَاهَا

يا دهرُ ما أطيبـها ليلـــة ً *** عن غفلةٍ منكَ سرقنـَاهِا

فيها عقدنا مجلساً للهنا *** لا لكـؤوس ٍنتعطـَــــاهَا (171)

(الروي) الهاء وليس بوصل، لأن ما قبلها ألف (الردف) الساكنة، وحركة الهاء الفتحة وهي (المجرى)، والألف الأخيرة حرف (الخروج)، وحركة الطاء والنونين الفتحة، وهي (الحذو) .

2 المجرى: الحركة المركزية للقافية المطلقة، فهي حركة (الروي)، ولا قافية بدون روي، وحركة الرؤي بعد إشباعها تصبح (وصلاً )، وقد يكون (الوصل) في القافية المطلقة هاءً وحركتها (النفاذ)، و(النفاذ) بعد إشباعه يتحول إلى حرف (الخروج)،" وسميت بالمجرى لأنه أول جريان الصوت بالوصل " (172)، ويذكر

ابن سيده: قال الأخفش والمجرى في الشعر حركة حرف الروي فتحته وضمته وكسرته، وليس في الروي المقيد مجرى لأنه لا حركة فيه فتسمى مجرى، وإنما سمي ذلك مجرى لأنه موضع جري حركات الإعراب والبناء. والمجاري: أواخر الكلم، وذلك لأن حركات الإعراب والبناء إنما تكون هنالك، قال ابن جني: سمي بذلك لأن الصوت يبتدئ بالجريان في حروف الوصل منه، ألا ترى أنك إذا قلت:قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا، فالفتحة في العين هي ابتداء جريان الصوت في الألف، وكذلك قولك: يا دار مية بالعلياء فالسند، تجد كسرة الدال هي ابتداء جريان الصوت في الياء، وكذا قوله:هريرة ودعها وإن لام لائمُ، تجد ضمة الميم منها ابتداء جريان الصوت في الواو، قال: فأما قول سيبويه هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية، وهي تجري على ثمانية مجار، فلم يقصر المجاري هنا على الحركات فقط كما قصر العروضيون المجرى في القافية على حركة حرف الروي دون سكونه، لكن غرض صاحب الكتاب في قوله مجاري أواخر الكلم أي أحوال أواخر الكلم وأحكامها والصور التي تتشكل لها، فإذا كانت أحوالا وأحكاما فسكون الساكن حال له، كما أن حركة المتحرك حال له أيضا، فمن هنا سقط تعقب من تتبعه في هذا الموضع فقال: كيف ذكر الوقف والسكون في المجاري، وإنما المجاري فيما ظنه الحركات . " (173) .

إذا أردت (المجرى) على (الروي) حركة الفتحة، وتشبع هذه و (الروي) الراءإلى (الوصل)، فإليك قول أبي نؤاس وهو يخاطب خليفتة (الأمين) مجبراًعلى ذكر الأطلال بعد أن عكف عنها لخمرياته:

أعرْ شعرك الأطلالً والمنزلً القفرا *** فقد طالما أزرى بهِ نعتـُكَ الخمرَا

دعاني إلى وصف الطلول ِ مسلط ٌ *** يضيق ذراعي أنْ أردَ لــــهُ أمرَا

فسمعاً أميرَ المــؤمنين وطاعــةً ً *** وإنْ كنتِ قد جشمتني مركباً وعرَا (174).

ومن حركة (المجرى ) المكسور، قول مسلم بن الوليد (صريع الغواني )، وقد اجتمع مع أبي نؤاس معاصره وجماعة من الشعراء، ربما كان أبوالعتاهيلة معهما، و كذلك دعبل فهو تلميذ (الصريع ) المسلم، فأنشد الأخير:

أجررتُحبلَ خليع ٍ في الصبــا غزل ِ *** وشمّرتْ همم العذال في العذل ِ

موفٍ على مهج ٍ واليوم ذو رهج ٍ *** كأنـّه أجلٌ يســــــــعى إلى أمل ِ

قال أبو نؤاس: ما أراه يجيء بعد هذا الكلام بما يفي بوزنه (175)، (الروي) اللام، (المجرى) الكسرة، وإذا أشبعت الكسرة تولد (الوصل)، وإذا رغبت (المجرى) الضمة،إليك قول (الشنفرى) من لاميته العربية:

وفي الأرضِ منأ ًى للكريم عــــــن الأذى ** وفيها لمنْ خــــافَ القِلى مُتعزّلُ

لعمركَ ما في الأرضِ ضيقٌ على أمرىءٍ ** سرى راغباً أو راهباً وهو يعِقلُ

ولي دونكمْ أهلونَ ســـــــــــــــيدٌ عملـّسٌ ** وأرقط ُ ذهلولٌ وعرفــــاءُ جيألُ (176)

(الروي ) اللام، و(المجرى) الضمة، وإذا شبعت فتكون (الوص).

3 -( التوجيه ): بعضهم يحصر (التوجيه) بالقافية المقيدة، وآخرون يطلقه غلى القافيتين المقيدة والمطلقة غير المؤسستين ولا المردفتين، ومن هؤلاء الآخرين أبي يعلي التنوخي، إذ يقول " والتوجيه له موضعان:المقيد والمطلق، وهو حركة ما قبل الروي . " (177)، ولكن الدكتور عبد الرضا علي، يطلق التوجيه فقط على القافية المقيدة، ويذكر في الهامش أنّ التوخي يخالف العروضيين (178)،بينما صاحب ( المفصل ) يذكر سبب حصرها في القافية المقيدة بقوله " .. أن الحركة قبل الساكن كالحركة عليه فكأن الروي موجه بها أي مصيرٌ ذا وجهين ساكن ٍ ومحرّك ٍ"(179)، وأنا لست مع (التوجيه) في القافية المطلقة، لأن القافية المطلقة موجهة بحركة (مجراها) التي تشبع إلى حرف (وصل ) من حروف (اللين)، ولكن نستأنس برأي أبي يعلى، إذ يقول " والتوجيه في المطلق كحركة اللام في قول الشاعر، وهو زهير:

بأنّ الخليط ولم يأوُوا لمن تركوا *** وزودوكَ اشتياقاَ آية ً سلََـَكوا

ففتحة اللام في سلكوا توجيه، وقدتجيء معها الضمة والكسرة .

قال زهير في هذه القصيدة:

مقورة ٌ تتبارى لا شوار لها *** إلاّ القطوع على الأكوار ِوالوَرُكُ

وقال فيها أيضا:

يا حار أرْمينْ منكمْ بداهية *** لم يلقها سوقـــــة منها ولا ملِكُ

ولا يتأتى التوجيه في المترادف " (180 )، كما ترى لم يلتزم زهير بحركة واحدة في (التوجيه) كما زعم أبو يعلى التنوخي، ولا أدري هل سمع التنوخي هذا من شيخه أبي العلاء المعري، أم اجتهاده الشخصي، وأنا لا أرى هذا (توجيهاً)، لأن القافية المطلقة (رويها) موجه بـ ( مجراها)، ولا يفوتك (سلكوا) لامها مفتوحة، و(الوركُ) راءها مضمومة، و(الملك ) لامها مكسورة، والخليل لا يجيز هذا في التوجيه،كما يقول الأخفش الأوسط (181)، وسنأتي على قوله في (الإشباع).

4 - الحذو: الحذو أيضاً هو الحركة التي تسبق حرف الردف السكن (الألف والياء والواو) في القافية المطلقة، التي تسبق حرف الروي، ولكن الفرق بين القافية المقيدة يكون لفظ القافية (مترادف / ه ه)، والحركة (/) هو الحذو، والساكنان (ه ه ) هما لحرفي (الردف والروي )، أما في القافية المطلقة فلفظ القافية فيها (متواتر /ه/ه)، الحركة الأولى (/) هو( الحذو)، والسكون الأولى(ه) هي سكون حرف (الردف )، والحركة الثانية (/) هي حركة (المجرى ) لـ (الروي) المطلق، والسكون الأخير (ه) هوو إشباع حركة المجرى فولدت (الوصل) الساكن، وحركتا الضمة والكسرة كـ (حذو) يمكن اجتماعهما في القصيدة الواحدة، لأنّ العروضيين أجازوا اجتماع الواو والياء كـ ( ردف)في القصيدة الواحدة لكونهما توأمين، وإليك أمثلة على (الحذو) في القافية المطلقة:

قال الأخطل يفاخر جريرا:

ردّتء تميمٌٌٌٌبالكلاب لو أنـّها ** * باعتْ هناك زمانها بزمَان ِ

والخيل ُ تردي بالكماة كأنها ** * يومَ الكلاب كوايرُ العقبَان ِ

برجال تغلبَ كالأسود و معشرٍ***قتلوا طريفاً في بني شيبَان(182) ِ

الألف في القافية (الردف)، والنون (الروي ) واكسرتها (المجرى)، تشبع إلى الياء الساكنة هي (الوصل)، والفتحة لازمة قبل ألف (الردف) هي حركة (الحذو) من جنس الردف طبعاً، واللفظ (متواتر /ه / ه)، الحركة الأولى (الحذو)، السكون الأول لحرف الألف (الردف)، والحركة الثانية (المجرى) لـ (الروي)، والسكون الأخيرة لـ (الوصل) المشبع من خركة كسرة المجرى.

ولكاتب هذه السطور من قصيدة يناجي بها بغداد:

فقامتْ ترفدُ الدّنيا عطاءً *** وتجمعُ لـــذة َالدنيا بدِين ِ

وكمْ أنـّتْ وما ألفتْ سباتاً***فشق َّربيعُها رحمَ المنـُون ِ(183)

القافية مردفة بالياء والواو، وهذا جائز بدون أي عيب،حرف (الروي) حركته الكسرة، وهي (المجرى)، تشبع إلى الياء الساكنة لتصبح (الوصل) الساكن، لفظ القافية (متواتر / ه / ه)، الحركة الأولى (/) هي (الحذو)، بالنسبة للبيت الأول هي حلاكة كيرة الدال، وبالنسبة للبيت الثاني هي حركة الواو للنون، والسكون الأول (ه) تمثل الياء الشامنة في البيت الأول، والواو الساكنة في البيت الثاني، وهما (الردف )، والحركة الثانية (/) تمثل حركة لـ (المجرى) لـ (الروي) النون في البيتين، أما السكون الأخيرة (ه) فهي تمثل (الوصل ) الناتج من إشباع الكسرة في البيتين .

وربما يسبق الواو (الردف) حركة من غير جنسها أي ليست بالضمة، وإنـّما (الحذو ) الفتحة كقوله:

يا أيّها الراكبُ المزجى مطيّتهُ *** أسألْ بني أسدٍ ما هذه الصَوْتُ (184)

(الحذو) حركة الصاد الفتحة وليست الضمة، الواو الساكنة (الردف)، التاء (الروي)، وحركتها الضمة (المجرى )، تشبع الضمة إلى الواو الساكنة فتصبح ( الوصل)، وإليك الياء (الردف)، وتسبقها الفتحة (الحذو )،وهي من عير جنسها، مثال:

ذكرتُ أهلَ دُجيل ٍ *** وأينَ منـّي دُجَيْلُ (185)

كما ترى أنّ حركة الجيم وهو الحرف الذي يسبق (الردف) الياء الساكنة هي الفتحة (الحذو)،ليس الكسرة التي من جنسها، واللام (الروي)، وضمة اللام تشبع إلى واو ساكنة فتغدو (الوصل) .

5 - الإشباع: وشرحنا ه عند مرورنا بالقافية المقيدة، فحركة (الإشباع) هي حركة الدخيل ما بين حرف التأسيس وحرف الروي المطلق بحركته، وغالباً ما تكون الكسرة، ويقول الأخفش الأوسط،" ولا يحسن أن يجتمع فتح مع كسر، ولا مع كسر ٍضمٍّ لأن ذلك لم يُقل إلا قليلاً، وقد كان الخليل يجيز هذا، لا يجيز التوجيه "(186)، ولا يمكن حذف حركة الدخيل مطلقاً، كما هو الحال في (الروي ) أو (هاء الوصل)، إذ يمكن تسكينهما إذا اقتضت القافية والوزن،حرف الدخيل لا يسكن، وحركة الدخيل الكسرة قول أبي العلاء المعري:

وقد سار ذكري في البلادِفمن لهمْ *** بإخفاءشمس ٍضوؤها متكـَامِلُ ؟

وإنـّي وإنْ كنتُ الأخيرَ زمــــــانهُ *** لآتٍ بمــــا لم تستطعهُ الأوَائِلُ (187)

كما ترى حركة الكاف في البيت الأول والواو في البيت الثاني هي الفتحة (الرس) لزوما ً، والألف بعدهما ألف التأسيس، وحركة حرفي الدخيل في البيت الأول الميم، الهمزة في البيت الثاني الكسرة، واللام في البيتين (الروي)، والضمة على اللامين تشبع لتكونا (الوصل ) الساكن .

وللجواهريقصيدة من روائع قصائده مؤسسة تحت عنوان (أجب أيها القلب)، يقول في مطلعها:

أعيذ ُ القوافي زاهياتِ المطالِع ِ *** مزاميرَ عزافٍ أغاريدَ ســــَاجِع ِ

تكادُ تجسُّ القلب بين سطورها *** وتمسحُ بالأردان مجرى المدَامِع ِ (188) ِ

القافية مؤسسة بألف التأسيس، ما يسبقه طبعاَ فتحة (الرس)، وما بعدها حرف (الدخيل)، وحركته (الإشباع ) الكسرة، والعين حرف (الروي) وحركة (المجرى له الكسرة، وتشبع (الكسرة ) إلى الياء، والياء الساكنة هي (الوصل)، وحروف الدخيل كل ما مر علينا مكسور، وهذه الحالة العامة، ولكن توجد حركة الدخيل ضمة كقول النابغة الذبياني:

سجوداً لهُ غسان يرجون فضلهُ *** وتركٌ ورهطُ الأعجمينَ وكـَابُلُ (189)

القافية (مؤسسة) بألف التأسيس،وما قبله الفتحة لزوما (الرس)، أما الباء حرف (الدخيل) فحركت إشباعه الضمة، واللام حرف (الروي ) حركة (مجراه) الضمة،تشبع إلى الواو الساكنة، وهي حرف (الوصل)، وإذا أردت الفتخة عركة الدخيل إليك قول الشاعر:

إذا كنت ذا ثروة من غنى *** فأنت المسوّدُ قي العَالـَم ِ

الشيء نفسه في البيت السابق (الحذو) حركة الفتحة على العين، ثم ألف التأسيس، فحركة الفتحة على اللام (الدخيل)، فحرف (الروي) الميم المكسور الذي تتحول كسرته شبعت للياء الساكنة (الوص)،

6 - (الحذو ): لا أعتقد بقى شيئاً نقوله عن (الحذو) وهو حركة الفتحة قبل (ألف التأسيس)، ومرّ علينا في القافية، ومثلنا له عند كلامنا عن الفافية المؤسسة، وحركة (الأإشباع) .

خلاصة حركات وحروف الفافية المطلقة:

1 - المؤسسة تمثلها كلمة (نـَائِلـُهَا،نـَائِلـُهُ، نـَائِلِهِ)، من الخارج إلى الداخل، (الألف الخارجية) تمثل حروف (الخروج)،الهاء حرف (الوصل )، وحركتها الفتحة (النفاذ)، واللام حرف (الروي) وحركته الضمة (المجرى)،وحرف الهمزة (الدخيل) وحركتها الكسرة (الإشباع)، ثم ألف التأسيس، وأخيراً حركة الفتحة التي تسبق ألف التأسيس لزوماً (الحذو) وهي بداية القافية، ومثلها الضمة والكسرة على الهاء في (نائلهُ ونائلهِ) حركتا (نفاذ) تشبعان إلى حرفي (خروج) الواو والياء بعد الإشباع، حروف (الخروج ) وحركات (النفاذ)على الهاء ليست ملزمة، قد تكون الهاء ساكنة(نائلهْ) فتكون الهاء وصلاً، وتتحول حركات (المجرى) على الروي اللام (نائلَ، نائلُ، نائل ِ) إلى ( نائلا، نائلو، نائلي ) بعد الإشباع إلى حروف (الوصل) .

2 - المردوفة: وتمثلها (حـَالـُهَا، عِيْدُهَا، سُوٍْدُهَا، حـَالـُهُ، عِيْدُهُ، سُُُوْدُهُ - حـَالِـهِ، عِيْدِهِ، سُوْدِهِ)،، من الخارج إلى الداخل (ألف الخروج، ضمة الهاء وكسرتها (النفاذ) في الكلمات أيضأً بعدإشباعهما يتحولان إلى حرفي خروج)، أو أن تكون الهاء ساكنة(حالهْ، عيده، سودهْ ) الهاء تعتبر وصلا، وكذلك حركات (المجرى) لـ (الروي) تتحول الى حروف (الوصل) بعد الإشباع وبعد حروف (الروي)وهي اللام والدال والدال، تأتي حروف (الردف)، وهي الألف والياء والواو، وبعد حروف الردف للداخل يأتي (الحذو) وهي حركات من جنس حروف (الردف)، وربما في حالتي (الردف) الواو والياء قد يأتي (الحذو) الفتحة، أما (الردف) الألف تأتي الفتحة (حذواً) لزوماً، ولا تأتي حركة أخرى .

3 - القافية غير المؤسسة ولا المردوفة: مثل ( وَرْدُهَا، وَرْدُهُ، وَرْدِهِ )، (الألف) خروج، ضمة الهاء وكسرتها (النفاذ) بعد إشباعهما يتحولان إلى (الخروج) أيضاً، الهاء (وصل)، وحركتها (النفاذ)، والدال (الروي) وحركتها (المجرى)، و(المجرى) بعد الإشباع تتحول إلى (الوصل) حسب نوع الحركة، والحركة قبل الروي يسميها بعض العروضيين بـ (التوجيه )، ولكن في مثالنا الراء ساكنة ليس لها اسم، وبهذا نكتفي عن علمي العروض والقوافي والتجديد حتى طبع الجزء الثاني من الكتاب مع الأعتذار عن مواصلة المشوار، والعلوم أوسع من البحار بمشيئة الجبار ! 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2209 الجمعة 24/ 08 / 2012)


في المثقف اليوم