قضايا وآراء

التحرك التركي والصراعات الخفية في منطقة الشرق الأوسط (2)

وكانت سياستنا تقوم على مبدأ انتظرثم انظرwait and seeing فاذا ما أتيح لك أن تتعرف على المشرق العربي فانك لن تندهش لشيء !. وأمااذا أتيحت لك فرصة الانقضاض، فانقض. . . . !! قالها مستركيرك داهية السياسة الخارجية البريطانية في بدايات الأربعينات، ولاتزال مقولته قابلة للتطبيق ونحن في أواخر عام 2009

 

توضيح:

ان المؤرخين الأوروبيين (منهم بالتحديد يول ديورانت و أرنولد توينبي على سبيل المثال) - يكادون يحصرون الصراع في منطقة الشرق الأوسط، كونه حلقة من حلقات الصراع بين الشرق والغرب، منذ أن بدأ بالصراع التقليدي التاريخي الطويل القديم، بين الفرس واليونانيين، ثم بين الفرس والرومان، وكان صراعا حضاريا بين حضارتين مختلفتين وعقليتين متبانيتين ومتباعدتين : عقلية فوقية هي أثينا وروما. أو (العقلية المدينية من داخل السور)، وعقلية دونية (هي العقلية التحتية من خارج السور، أوعقلية الآخر الهمجي) ثم دخل العرب طرفا في الصراع بمجيء الاسلام بتصوره الكوسمولوجي الكوني الجديد، المنافي للتصورات اليونانية والرومانية والكنيسة البيزانطية، فأصبح العرب هم الطرف الآخر، والشريرالجديد، والهمجي المهدد (للحضارة الرومانية - الاغريقية)، بعد أن أقصى العرب الفرس من ساحة الصراع، ثم ألحاقه الهزائم بالروم، وورث العثمانيون لاحقا هذا الصراع بعد تفكك الدولة العربية العباسية القوية (التي خبا وميضها عمليا بموت المقتدر بالله عام 320للهجرة ) بعد الصراع بين السلاجقة والمماليك قبل مجيء العثمانيين، الذين جاؤوا بعد انحطاطا العرب بقرون، - كما سنرى لا حقا -

 

ويرىأصحاب هذا الرأي، أن الصراع بين الشرق والغرب، ظل كالبركان بين الهدوء والثوران، حتى اشتد غليانه في القرن الحادي عشر، فوجد حينها متنفسا في شكل الحروب الصليبية، التي ولدت ومهدت لباقي الحروب على المنطقة الى اليوم، وما باقي العوامل مثل الموقع والنفط الا ذيولا للمعضلة، وليست هي الأصل، فالشرق سيبقى هو وجهة الغرب (orient و ( orientaion مهما تبدلت الأخيلة والأسلحة والطقوس والمسوح والأنبياء والأساليب والرسالة والمرتزقة،

 

فالبعد التاريخي، اذن، ضروري لفهم ما يخطط للمنطقة منذ ردح قريب من الزمن، لا لأمر يتعلق بسيرورة تتحقق عبرامتداد الزمن، بل لأن هذه السيرورة تمتد جذورها في ثقافات المنطقة، مع تلك الثقافة المتصارعة معها الآتية من الخارج بكل أسمائها ومسمياتها، فالصراع هو صراع ثقافات قبل كل شئ:

 

 - ثقافة عربية : فقدت روحها فأصبحت معتلة مثل الشاة الناطحة العاثرة، لاتدري أي القطعان تتبع (أشرقا أم غربا)،

 - وثقافة فارسية :لها الرصيد الأكبر في تاريخ العلاقات والصراعات (شرق/غرب) يحركها اليوم تشيع اغتنى بالتاريخ الدموي، وبالمواقف السياسية لأهل البيت الذين أغنوا تراث التشيع بالتضحية، وآثارالقهرالسياسي الذي مورس عليهم وعلى أتباعهم لعقود طويلة من الزمن، منذ بني أمية الى نهاية الدولة العباسية، هذا التشيع المشدد على النضالي والاجتماعي المعارض للسلط القاهرة للشيعة، والأحكام الفقهية لعلماء السلاطين

 

 - وثقافة عثمانية :لم يعرف لها أي رصيد ثقافي كبيرتاريخي، الا أنها تبنت الاسلام وحضارة العرب واغتنت - تاريخيا - باسلام سني مرن متفتح اعتمد على مذهب أبي حنيفة (فقه الرأي)، الذي هو أكثرالمذاهب تفتحا وتسامحا وأقل صرامة (وابو حنيفة هوالامام الغيرالعربى من بين الأئمة الأربعة)

 

كما اغتنى تاريخ تركيا الحضاري - الثقافي أيضا بالطرق الصوفية التي جذبت اليها كل الأجناس المختلفة في الأناضول، وكل منطقة آسيا الصغرى حتى داخل افغانستان، (وهذه الطرق كلها عربية المنشأ سواء عبر النقشبندية المنسوبة الى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه أو القادرية (العراقية - البغدادية المنسوبة عبد القادر الجبلاني (او الكيلاني الفقيه الحنبلي والشريف الحسيني) أوعبرمعظم الطرق المتفرعة عن الشاذلية المغاربية، ذلك الاسلام الصوفي الذي كون له شبه دولة منذ الناصر صلاح الدين، حيث كان يمثل السلطة الزمنية للخلفاء والحكام حتى وصول العثمانيين الذين أكرموهم وبجلوهم وعظموهم بل وقدسوهم أحيانا،

 

ولقد ظل هذا القاسم الحضاري العربي الاسلامي (من حنفية وشافعية وتصوف وتشيع) هو القاسم المشترك بين عرب وعجم المنطقة - وسيظل كذلك - أوعلى الأقل، هكذا ينظرالغرب اليها في مراكز بحوثه، شاء من شاء وأبى من أبى، بالرغم من بهلوانية الغرب الاستشراقية، عندما يضخم فرسية الفرس وعجميته وصفويته، وتركية الأتراك وتتاريته ومغوليته وهمجيته، أو كردية الأكراد، وكونهم دخلاء على شعوب المنطقة، أومسيحية البعض وتنافرها مع عروبية الاسلام، أواسلامية العجم المشبوهة، وذاك عبرالاثنولوجيات والأنثروبولوجيات المبتكرة، في مراكزبحوثه عند الحاجة، تلبية لأحلام يقظة الرومانسية الغربية الأسيانية التي انطلت على الكثيرمن المتدكترين العرب والمتغربين في علوم الاسلاميات islamologie والاستشراق.

 

 ومقابل هذهالثقافة المشتركة للمنطقة - رغم التباين في التفريعات والصراعات المفتعلة - هناك ثقافة غربية ثابتة وواضحة ذات مصدرين رئيسين: (هيلينية – يهودية) منذ نشأة الغرب (ولن تتغير ثوابثها، ولا أصولها أو مرجعياتها) بل هي تجدد دماءها دوما، ولها قدرات هائلة على تلفيق مسوغات هيمنة ثقافتها باستمرار، تلبية لنداء العالم الفسيح الذي لا ينقطع عبرالسباق المحموم مع الزمن على الانقضاض على الأراضي غيرالواقعة–بعد - تحت السيطرة والتي هي دائما :هذا الشرق ذ و الجاذبية السحرية للمخيال المرضي للغرب (ادرس حفريات الاستشراق منذ الاسكندرالأكبر) تحت مفهوم واحد لم ولن يتغير الا وهو مفهمة السيادة imperium بمفهومها (الاغريقى - الرومانى - التوراتى) مما يعطى للغرب وثوقا بالتفوق - اللامشروط - لحضارته، واعتقاده الجازم بأنه مكلف بحمل رسالة مقدسة الى أشرار الشرق سواء باسم السماء أوالأرض، أو بكليهما (والخطاب لم يتغير اليوم مع أكذوبة التغيير الأوبامي المقنع وراءمهزلة جائزة نوبل للسلام، دفعا لمحاربة الشرق الذي اختزل كله، للغرابة، الى طالبان والقاعدة - اللذان هما مخلوقان أمريكيان - استمرارا لمقولة عبءالرجل الأبيض الكولونيالية للقرن التاسع عشرللتنويري الفرنسي جول فيري التي هي رسالة الغرب الكونية التي يحملها بحبورمعتوه، يشوبه العنف الدموي، والارهاب الشنيع، الذي يتحول الى الجشع و التنافس الدموي كلما تماست مصالحه مع هذا الشرق،

 

ولقد ظلت الثقافة العربية منذ انحطاطها المبكر، مكتفية باجترارالماضى، بالتنقيب عن الشماعات التي ظل العرب يعلقون عليها أعباءهم وعجزهم، وانتكاساتهم، منذ أن تطايرت شظايا حضارتهم، بتفكك الدولة العراقية العربية في القرن السادس الهجري، وما نجاحات تخطيطات و (ليست مؤامرات) الامبرياليات الأوربية، الا نتيجة لجرثومة القابلية لدى العرب للوهن الروحي منذ انحطاطهم (لقرون قبل مجيء العثمانيين)، تلك القابلية –كما شخصها جيدا المفكر الجزائري مالك بن نبي - التي تعطى ذلك الزخم القوي للحركة الراهنة للأمركة والصهينة - المنتصرتين في المنطقة - وهذه تهتدي بتلك - و المتجليتين في موجاة تنامي و تناسل المتأمركين وحشود الديماغوجيين مما يطلق عليهم –تجاوزا - بالنخب التي ما برحت تجتهد في عصر الفلسفات الغربية الغروبية المتآكلة برغم فقاعاتها - من هنا وهناك - باسماء تلفيقية مثل العقلانية و الواقعية والمصلحة الفورية' تسويغا للارتماء في أحضان الفاتحين الجدد لكنس البيت العربي من داخله بمسح الأعداءالداخليين للأمة الذين هم كل أشكال المقاومات وتخليصهم من الأعداء التاريخيين المجاورين من فرس وأتراك، والدعوة الى التحاورمع اسرائيل والغرب برمته، بالترويج لمصطلحات عائمة وحمالة أوجه مثل تنمية روح التسامح و قبول الآخر والحوارمع البعيد، وكأن الحوارات الداخلية مع الأقربين من المحرمات الكبرى، مقابل الحفاظ على مصالح المخلفين من الأعراب ومن يحركهم، وذلك بقراءة التاريخ من نهايته - ويا لهول القدر - وكأن التاريخ يعيد نفسه شئنا أم أبينا

 

تحرك البعبع التركي:

فتحرك الأتراك في المنطقة، اذن، بجنرالاتهم الماكيافيليين، وعلمانييهم الحداثيين، واسلامييهم البراغماتيين، لهو تحصيل حاصل لما يجرى فيها - كما أسلفت - من فوضى عارمة، ووعي الأتراك باجماع تياراتهم السياسية، بأن الانضمام الى أوربا لن يتم الا بدخولها من الباب الرحب الأكثر سعة، ألا وهوباب المساواة النفسية مع الغرب، للدخول فى السباق الرهيب معه، بعد أن طرده هذا الأخير من معلمة التاريخ شر طردة، في بداية القرن الماضي، لأسباب وعوامل لا يتسع المجال لذكرها هنا، أهما المؤامرة الصهيونية - التي سآتي غي بعض تفاصيلها أسفله

 

 وان ماضى تركيا العثماني، لم يدرس في عالمنا العربي في مناهجنا الدراسية بموضوعية بعيدة عن البرامج المدرسية لمؤرخي الملوك والسلاطين، والكتابات التشنجية لبعض القوميين المشبوهين الذين سقطوا في القراءات الانتقائية التخفيضية والتشويشية التبريرية والنظرة التاريخانية الغربية، لعدم شرعية الدراسات الأكاديمية عندنا، ولعدم استقلاليتها، وغياب النزاهة لارتباطها بنرجسيات السلطات العابرة، وأهدافهاالمغرضة

 

 للبحث صلة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1204 الاربعاء 21/10/2009)

 

في المثقف اليوم