قضايا وآراء

المقاهي الشعبية ومقاهي الأنترنت..سيكولوجيا! / قاسم حسين صالح

فالمهموم كان يجد فيها من يشكو له همومه: شلّة اصدقاء يهونون عليه الامر، او صاحب خبره يروي له حكاية فيها حكمة اجتماعية او روحية تنوّر له بصيرته،  وتبدد عنه الشعور باليأس.
وكان المقهى البغدادي في زمانه بديلا للمسرح والاذاعة والتلفزيون، فيها يحكي (الراوي، القصاخون، الحكاواتي) قصصا من التاريخ (ابو زيد الهلالي، عنتر وعبلة، قيس وليلى..) لجمهور متجانس..متآلف..في عفوية اللقاء..وصدق المشاعر،  وحميمية التعاطف.
باختصار، كان المقهى الشعبي (حّماما نفسيا) تغتسل فيه الروح من الضجر والضيق والهم والتشاؤم..وكان اشبه بعيادة طبيب نفسي،  يقصده من ضاقت به الدنيا،  او من يبحث عن حلّ لمشكلته..بل حتى من يبحث عن شريكة لحياته!.
وبتطور الزمن نشأت مقاهي الانترنت. ومع ان دوافعها النفسية هي ذاتها في المقاهي الشعبية: التواصل الاجتماعي،  والشعور بالوحدة، والحاجة الى التنفيس عن الهموم..الا انها تفتقر الى الحميمية وصدقية التعاطف الوجداني.فالحوار فيها (الدردشه) يكون فرديا..فيما الحوارات في المقاهي الشعبية يكون فيها تفاعل حقيقي يظهر على تعابير الوجه، او في لغة العيون حين تتعطل لغة الكلام!.
فضلا عن ان مقاهي الانترنت تكون احيانا مصدرا لـ (المفسده) لفئة ينطبق عليها قول الممثل سعيد صالح لعادل امام:(انا عندي استعداد للانحراف..بس عاوز اللي يوجهني!)..ومقاهي الانترنت خبره عالمية! في التوجيه لمراهقين وشباب مأزومين نفسيا.
والجميل في المقاهي الشعبية ان لكل واحدة منها لونا خاصا،  فمقهى نجيب محفوظ في حي الحسين الشعبي كان منتدى ثقافيا و "مصنع" انتاج النكته المصرية. وقل الشيء نفسه عن مقهى "هافانا" في دمشق، والزهاوي والبرازيلية في بغداد..فيما كانت لمقهى البرلمان وحسن عجمي وداخل حسن الوان اجتماعية وفنية مختلفة.
وتكاد تنفرد بغداد بوجود مقاهي شعبية كانت تؤدي ثلاث وظائف اساسية:ثقافية واجتماعية وترويحية.وتعد مقهى الشابندر لصاحبها الحاج محمد الخشالي التي تأسست عام 1917 منتدى ثقافيا واجتماعيا يلتقي فيه اسماء لامعة من اعلام الأدب والعلم وشخصيات اجتماعية، يتبادلون آخر اخبار الثقافة في العراق والعالم العربي، ويتبادلون فيه الدعابة والمرح بالأريحية البغدادية والطيبة العراقية.فيما تعد مقهى (ابراهيم عرب).أشهر مقاهي بغداد في الترويح عن النفس.وكان هذا الرجل يمتاز بخيالات فنتازيه ومبالغات طريفة في خلق اكاذيب تجعل جمهور المقهى يستلقي على ظهره من الضحك..نروي لكم ثلاثا منها:
اليوم،  والكلام لابراهيم عرب زمن النظام الملكي،  اتعشيت ويا الملك فيصل،  وخطية جان عنده مشكلة..تناقشنا بيها وحليناها!.
دعوني لسباق سباحة عالمي بالاسكندرية بمصر،  ومن جيتنا بالبحر كلهم طلعوا بس آني..وظلوا يدورون عليّ خطية..ميدرون بيّ طلعت بالاعظمية!.
البارحة انتو كمتوا من وكت، وراكم جا المندوب البريطاني كعد يمي بالكهوه وشرب جاي جان عنده قضية معصمصه..والله سهّل حليناها..خوش ولد هذا هنري دوبس!.
رحم الله ابراهيم عرب..ترى لو كان الآن حيا،  فبأي خيال فنتازي يحلّ المشكلة العراقية!.

الوساوس الدينية

أ.د.قاسم حسين صالح


وردت في القرآن الكريم سورة خاصة بالوساوس هي (سورة الناس) يتعوذ فيها الانسان بربّه من الوساوس التي توسوس في صدور الناس. والوساوس على انواع منها الوسواس القسري الذي يعني افكارا او تصورات او خيالات،  تقتحم رأس صاحبها وتفرض نفسها عليه ولا يستطيع التخلص منها رغم ادراكه ان افكاره هذه لا معنى لها،  ومع ذلك تبقى تشغله وتزعجه وتلح عليه،  وتسبب له التوتر والاكتئاب حين يحاول مقاومتها. وهنالك وسواس (توهم المرض) وفيه يقوم المصاب به بتفسير التغيرات الجسمية الطفيفة او الخفيفة بأنها دليل على مرض خطير سيصاب به. وهذا الاضطراب الجسمي المظهر هو غير (الوسواس القسري) والفرق ان المصابين بتوهم المرض ينشغلون بفحص بدنهم (عضو او اكثر..القلب مثلا) فيما يكون انشغال المصاب بالوسواس القسري بأفكار تقتحم ذهنه (وساوس) او الحاحات متكرره للقيام بأعمال (قسريه) مثل التأكد من غلق الباب لعشر مرات او اكثر في الليلة الواحدة.
ومن اكثر الوساوس الدينية شيوعا،  هي ان المصلّي يشك في عدد الركعات فيعيد الصلاة من جديد،  او يشك في وضوئه ويعيده ثانية. وهنالك الوساوس المتعلقة بالطهاره،  اذ تروى احدى الفتيات ان جدتها (الحجيه) اذا توضأت ثم مسكت اي شيء فأنها تعيد الوضوء،  وانها تقول عن (ريمونت التلفزيون) بأنه قذر ولا تمسكه الا بعد تغليفه (بنايلون) تجدده بين يوم وأخر.فيما نقل عن احدهم بأنه يمنع منعا باتا ان يمسك سجادة صلاته احد غيره،  ويمنع زوجته من ترتيب فراشه ومسك اغراضه في ايام دورتها الشهرية،  ويكون لوحده على مائدة الافطار.

ان مثل هذه الوساوس مزعجة لصاحبها ولعائلته ايضا،  ولها تأثيرات سلبية على الاطفال،  لأنها قد تخلق منهم شخصيات وسواسية في المستقبل.والاكثر ازعاجا ان تتحول الوساوس الى افعال قسريه،  كأن يرى مشهدا قبيحا كلما قام يصلّي،  او تلّح عليه فكرة الكفر وهو يصلّي.

ان السبب الرئيس لهذه الوساوس هو القلق،  فيما هنالك عدد من الافراد يقعون ضمن صنف (الشخصية القسرية) وهو احد اضطرابات الشخصية التي تكون خاصيتها المميزة.. الانشغال المفرط بتفاصيل تافهه،  والاهتمام الزائد عن الحد بالتنظيم والتعليمات،  والحرص المبالغ فيه على ان لا يكون في عملهم اي خطأ. ومن حسن الحظ انها تكثر بين الرجال،  ولو أنها شاعت بين النساء..لجعلت بيوت ازواجهن جحيما!.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2217 السبت 01/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم