قضايا وآراء

الثابت والمتغير في العمل الحضاري / قاسم خضير عباس

مع ربط الموضوع بالروح والأخلاق، لأن النظرة الروحية في جوهرها هي عبارة عن إدراك صلة الحياة والكون بالله وانبثاقها عن قدرته. وبهذا المعنى يمكن أن نعتبر الكون بصورة عامة روحياً لأن تلك الصلة بالمبدع الخلاّق صلة الخلق والإبداع تشمل المادة كما تشمل الروح وتنفذ إلى سياستها جميع محتويات الكون وحقائقه .

ومن المفيد ذكره أن الثابت والمتغير في الإسلام يخضعان لقوانين ومبادئ، لأن ثوابت الشريعة وأصولها لا يمكن أن تتطور لأنها الجوهر، أما المتغيرات فتدخل ضمن مناطق الفراغ التشريعي، حيث تتبدل وتتطور وفقاً للظروف الخاصة بها، لاستيعاب تطور العصر وتقدمه، دون أن تتناقض مع المبادئ الأصولية العامة والثابتة. بمعنى أن المبادئ تكون ثابتة، لأنها الجوهر والأصل، اللذان لا يمكن التفريط بهما.

ومن الملاحظ أن الجوهر يحافظ على مقومات بقائه وثباته في قضايا عديدة مادية وحسية. فالذوق الإنساني ثابت بحد ذاته وإن اختلف من شخص إلى آخر. وكذلك الجوع عند الإنسان يكون ثابتاً رغم تبدل الزمان والمكان، لأن الإنسان الأول كان يشبع جوعه من طعامه دون طحن، وبعد تطور الحياة ظلت غريزة الجوع كما هي، فيما تبدلت أساليب الإشباع، لأنها متغيرة تخضع للظروف المحيطة بها. الخوف كظاهرة إنسانية تكون ثابتة، ولكن أسلوبها متغير من شخص إلى آخر، حسب الثقافة العامة للأفراد، وطبيعة سلوكهم ونظرتهم إلى الإقدام والشجاعة.

والمعروف أنّ الثابت والمتغير ارتبطا إلى حد ما بالقانون والسياسة، حيث توجد (المبادئ العامة) الثابتة، التي يستند إليها الدستور، ناهيك عن وجود (الإيديولوجية)، التي لها تأثير على مجريات الأمور والأحداث والأساليب المتغيرة، لكي لا يحصل تناقض بينها وبين (المنهج العام) المطبق. وهذا ما عبر عنه (علماء السياسة): بالتوافق بين (العام والخاص).

وقد أشار المنظرون الاشتراكيون، ومنهم لينين، إلى الموضوع نفسه، مؤكدين على أهمية ثبات (الاستراتيجية) وتغير (التكتيك) أو ( التاكتيكات )، للوصول إلى تحقيق (الأهداف المركزية العامة)، وذلك لتلافي نتائج الخطأ الفكري، الذي وقع فيه ماركس، وأنجلز عندما وضعا (قانون الحتمية التاريخية) كحقيقة مطلقة لابد من تطبيقها في كل المجتمعات!!

وهكذا فإن الثابت والمتغير ـ كما قلنا ـ من المواضيع الحيوية والهامة التي لا يمكن تجاهلها، لأن فكرة (التطور المطلق) للحياة فيها مغالطات عديدة، وجهل بالحقائق ووقائع الأمور. بلحاظ أن أنصار (مبدأ التغيير المطلق) من السطحيين قد هاجموا الإسلام، واتهموه بأنه: لا يمكن أن يقود الحياة في هذا العصر المتطور!! وهو قول ساذج مصدره (الجهل المركب) بمناطق الفراغ التشريعي، التي يتحرك فيها الاجتهاد لاستيعاب تطور العصر وتقدمه. ومن هنا اتخذت فكرة (التغيير المطلق) ـ من قبل جماعات حاقدة على الإسلام ـ لمهاجمة التراث والأخلاق، وتثبيت دعائم (المنهج الغربي) في المجتمع المسلم، وتغريب العمل العربي بالكامل، مما أدى إلى تخلفنا وعدم مواكبتنا للتقدم والمدنية، واستسلامنا (للمعادلات الدولية) الظالمة، التي أرادت ضياع حقوق العرب والمسلمين في (النظام الدولي الجديد).

قاسم خضير عباس

كاتب وخبير قانوني

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2219 الاثنين 03/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم