قضايا وآراء

صك لبراءة الرصافي / محمد تقي جون

إلا أني لم اعره اهتماماً وأغلقتُ الموضوع على كذبه؛ فأدنى وعي ومعرفة بالرصافي تحسم بالبهتان والافتراء عليه. وكان الرصافي معروفاً بوطنيته الخالصة، وحبه للعراق، وغيرته على أمته الإسلامية، وبكائه على مآسي شعبه، ومقارعته الهيمنة الأجنبية ممثلة بالانكليز الذين جلبوا الضيم المبكر على العراقيين، وباقي المحتلين من فرنسيين وطليان وغيرهم، ومقارعته الحكومات العميلة الساندة لهم. وقد فوجئت بكتاب ضخم من يؤكد نسبة الكتاب إلى الرصافي ويأتي بالأدلة والبراهين لأستاذ جليل في جامعتنا هو الدكتور عكاب وزميل له. فقاما ينبشان على (المسخ) ليظهر الرصافي المسلم وهو كافر زنيم، ينكر الإسلام ونبوة الرسول (ص) ويسخر من أهل بيته (ع) ويسفه أصحابه (رض)، فعجبت وتعجبت؛ عجبت كيف فات الأستاذين أنهما يجهزان على رمز كبير من رموز العراق الثقافية والفكرية والشعرية، وتعجبت من قدرة أعداء الإسلام وعظيم مكرهم على تسخير أبنائه لهدمه، فهم بعد أن يئسوا من تأثير كلام المستشرقين المفضوح في المسلمين وكرههم الواضح للإسلام والرسول التجؤوا إلى الحيلة فطعنوا ظهر الإسلام ووضعوا السكين بيد مسلم لاسمه سطوة وبكلامه ثقة، متعلقين بخيوط واهية باتهامات تطعن في دينه وأحاديث مبالغ بها عن شذوذه ليكون ذلك سانداً لتوجيه هذا الافتراء إليه.

وهل مهمة البحث غير كشف الحقيقة وان طمرتها جبال من التضليل والتلفيق؟ وأن يُقرأ الكلام الخاطئ بحنكة تقلبه إلى إيضاح وتبيين؟ وإذا كان البحث النقل من المصادر ليس إلا وتصديق أي قضية بلا تمييز فهو حتماً ليس المرجو ولا عليه المعول. وأود أن أبين حقائق هي هي الفصل في الموضوع. فالرصافي عدو تقليدي للانكليز وأعوانهم (ملوك العراق العملاء) ففي الانكليز يقول الرصافي:

أيها الانكليز لن نتناسى       بغيكم في مساكن الفلوجه

ذاك بغيٌ لن يشفي الله إلا       بالمواضي جريحه وشجيجه

وقال في الملكية وحكوماتها الوهمية:

عَلَم ودستور ومجلس أمة       كل عن المعنى الصحيح محرف

وأما كره الملك فيصل له فلا يجهله الا القلة والكثرة تعرفه وتعرف سببه. وسببه لمن فاته أن يعرفه هو إن الرصافي هجا جده (الشريف حسين) صاحب الثورة العربية الكبرى وصاحب مراسلات حسن - مكماهون ومعاهدة سايكس – بيكو، وقد حملها فيصل للرصافي عندما نصبه الانكليز ملكاً على العراق فحرمه من كل شيء حتى اضطر الى ترك بغداد والعيش في الفلوجة، ثم عاد الى بغداد ليبيع السكائر، والقصيدة طويلة نقتطع منها ما يقطع بغيرته على الإسلام وبغضه للمحتلين ومن يؤازرهم:

قد كنت أحسَب أن اللؤم أجمعه       على الحسينَيْن في مصر قد انقسما

حتى بدت مُخزيات اللؤم مشركةً       من الحِجاز (حسيناً) ثالثاً بهما

لكنما ذاك قد أربَت جريمته       عليهما فهو أخزى جارم جرما

فذان قد أخجل الأهرامَ بَغيُهما       وبغي هذاك أبكى البيت والحرما

مَن مُبلغُنّ بني الإسلام مألُكةً       تبكي لها عين خير المرسلين دما

وكان الرصافي قد ذكر الإسلام في (22) قصيدة تبجيلا وتذكيراً وتمسكاً به وبتعاليمه الإنسانية العظيمة. ومن اقواله في الإسلام:

وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله       فماذا على الإسلام من جهل مسلم

ألست تراهم بين مصر وتونس       أباحُوا حِمى الإسلام بالقتل والنهب

فلا تُغضبوا الإسلام إن سيوفه       مواضٍ كما قد كُنّ في سالف الحُقب

ما هكذا يا قوم ما هكذا       يأمرنا الإسلام في المسلمه

فاعتصمنا منها بحبلٍ وثيقٍ       هو حبل الإخاء والأيمان

ليس معنى توحيدِنا اللهَ في الملّة إلا اتحادَنا في الكيان

ومجد الرسول الكريم ودافع عن حضارية الرسالة المحمدية كما في قوله:

أيكون ما شرع النبي محمد       شيئاً يخالف شرعة التمدين

وهذا يدحض تهجمه على الإسلام والرسول بشكل قاطع. وحسبك ثقة بغيرته على الإسلام وتفانيه في حبه وكرهه للانكليز ومحاربته له بكاؤه (أدرنه) بدموع عربية إسلامية حين سقطت بيد الحلفاء، اقرأ منها:

أدرنة مهلاً فإن الظُبى       سترعى لك العهد والمَوْثقا

وَداعاً لمَغناك زاهى الرُبا       وداعاً ولكن إلى المُلتقى

عزاءً لمسجدك الجامع       أفارق محرابه المنبرا

وهل في مُصلاّه من راكع       يُجيب المؤذّنَ إن كبّرا

فيا لَسقوطك من فاجع       به فجع الدهر (أم القرى)

وقبر النبوة في يثربا       ومثوى ضجيعَيْه منوى التُقى

ومَن في البقيع ومن في قُبا       ومن شهِدوا الفتح والخندقا

نعم بكل بساطة متناهية إن الغرب وإسرائيل يحاولون بشتى الطرق مسح الإسلام من الوجود والنفوس وبوسائل شتى، ودائماً يكون الرسول (ص) محور الاعتداء؛ فمرة عبر رسوم كاريكاتورية ساخرة، ومرة بكتابات شاذة ومؤلفات مغالطة، وكان آخرها الفيلم السافر الذي أساء للرسول والإسلام وكل مسلمين بشكل علني بعدما ظنوا أنهم تمكنوا من ذلك الإعلان.. وكان كتاب الرصافي من هذا الصنف.. ويزيد في تأكيد ذلك موسوعيته الكومبيوترية واتساع مساحة الاستشهاد فيه بما لا يقدر عليه أديب وان كان متمكناً كالرصافي بل ممكن مع وجود الكومبيوتر والنت. كما أن ما نسب إلى الرصافي من تهاون في الدين وبما كتبه من شعر وروي عن شذوذه المبالغ فيه سوَّغ وضع هذا الكتاب على لسانه فصدقه غير المحقق والتبس عليه، وقد أشار الرصافي الى الحقيقة في بيتين تمنيت لو اطلع عليهما الأستاذان قبل إخراج الكتاب، وهما:

وأشنع الكذب عندي ما يُمازجه       شيء من الصدق تمويها على الفِكَر

فإن أبطال هذا في النهى عَسِرٌ       وليس أبطال محض الكذب بالعسر

وبعد أن قرأنا شعره وعرفنا حربه للمحتلين، هل ثمة من يثق بأن الرصافي تجرأ على الإسلام وشخص الرسول؟ وهل ينسى هذا الطود الشامخ الذي يقف ممتداً في السماء شاعراً ومجاهداً ومعلماً، انه في مكانه لا تزعزعه الأباطيل ولا تزيده المعتمات ورياح السموم الحادة إلا تجسيداً ووضوحاً.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2221 الاربعاء 19/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم