قضايا وآراء

اشكاليات في الدين والسلطة (4-4): الدين والتعصب والاسلام السياسي / قاسم حسين صالح

فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر؟

ولكي نكون جميعا" داخل حدود الموضوع، لنضع تعريفا" للتعصب اولا".

هو الحكم المسبق،Prejudice ان المعنى الحرفي لكلمة التعصب في اللغة الانجليزية

فيما ينظر علماء النفس الاجتماعي للتعصب على أنه اتجاه سلبي غير مبرر نحو الفرد، قائم على أساس انتمائه الى جماعة معينة لها دين أو طائفة أو عرق مختلف، أو اتجاه عدائي نحو جماعة معينة قائم على أساس الانتماء اليها . ويعني أيضا" النظرة المتدنية لجماعة أو خفض قيمتها أو قدراتها أو سلوكها أو صفاتها ليس لها أساس منطقي . كما يعني أيضا" اصدار حكم غير موضوعي بشأن جماعة معينة. بهذه المعاني فان التعصب اتجاه مؤذ لصاحبه والآخرين قائم على تعميمات غير دقيقة بخصوص جماعة على أساس لونها أو عرقها أو دينها أو جنسها .

وعلى وفق نظرية التصنيف الاجتماعي فان الناس ينزعزن الى تصنيف عالمهم الاجتماعي الى صنفين "نحن" (أو الجماعة الخاصة بالفرد) و"هم " (أو الجماعة الاخرى). وانهم يتحيزون لجماعتهم ويبالغون ويعظّمون ايجابياتها ويغمضون اعينهم عن سلبياتها، فيما يعمدون الى تضخيم سلبيات الجماعة الاخرى وغض الطرف عن ايجابياتها .( للمزيد :أنظر ما سبق بخصوص التعصّب).

وثمة معلومة مهمة، هي ان العداء بين الجماعات يمكن ان يظهر حتى في غياب تضارب المصالح، فمجرد الانتماء الى جماعة معينة يمكن ان يكون سببا" كافيا" لظهور التعصب ضد جماعة أخرى .

ولسنا معنيين بما يخص علماء الدين وفقهاء الشريعة، انما الذي يهمنا بوصفنا سيكولوجيين معرفة علاقة الفرد بالدين .. أو مقاصده منه، والاسباب التي تساعدنا على فهم العلاقة بين الدين والتعصب . وما يشغل تفكيرنا هو : هل هناك سبب واحد، أم اسباب مختلفة يدفع/ تدفع الناس الى أن يكونوا متدينين؟

تشير الدراسات المعنية بهذه " الاشكالية " الى ان الناس يكونون متدينيين لأسباب متعددة وليس لسبب واحد.. ويمكن تصنيفهم على النحو الآتي:

1. التدين "الغرضي". ويعني التوجه نحو الدين بوصفه وسيلة للحصول على اشياء اخرى ذات قيمة . فالذهاب الى اماكن العبادة يوفر فرصة لتكوين صداقات، يمكن ان تفيد في أوقات الازمات، أو حين يكون الشخص بحاجة الى مساعدة أو اسناد اجتماعي.كما ان هذا النوع من التدين قد يحقق لصاحبة مكانة اجتماعية أو اعتبارية أو وظيفية. وبهذا يكون الدافع هنا تحقيق منفعة تهدف الى خدمة المحافظة على احترام الذات، ويكون الوجدان الديني فيه غير ناضج.

2. التدين الباحث عن الحقيقة . ويعني التوجه نحو الدين بوصفه سفر دائم من أجل فهم القضايا الاخلاقية والروحية المعقدة، والمصحوب عادة بمعتقد ان الاجابات السريعة والبسيطة، خاطئة تماما".

3.التدين الحقيقي. ويعني التوجه نحو الدين الذي يحاول الناس عن طريقه أن يعيشوا دينهم ويستدخلوا تعاليمه . ومن هذا المنظور فأن الدين ليس وسائل لتحقيق بعض الاهداف، وليس رحلة من أجل البحث عن حقيقة، انما هو غاية بحد ذاته، يكون فيه الوجدان الديني ناضجا"، ويكون الانسان فيه قد سلّم له نفسا" طوعا"لذاته وليس من أجل استعماله.

وقد تسأل الآن : من من هذه التوجهات الثلاثة في الدين، هو المتعصب أو الأكثر تعصبا"؟ .

لنبدأ بالتوجه الثالث منها " التدين الحقيقي " الذي يؤمن اصحابه بأن الدين ليس وسيلة لتحقيق غاية، ولا هو البحث عن حقيقة الروح والاخلاق والحقيقة، أنما هو الغاية النهائية للأنسان .

ان معظم الاديان تدعو الى التسامح، والافراد في هذا النوع من التدين-الحقيقي-يسعون ويتمنون ان يحققوا نوعا" من التكامل بين معتقداتهم الدينية وهوياتهم وسلوكهم.وعليه، فأننا نتوقع من هذا الصنف ان يكونوا الأقل تعصبا" بين المتدينين . وتشير الدراسات الى ان هذا الصنف من المتدينين ليسوا أكثر تعصبا"حتى من اولئك الذين يصفون انفسهم بأنهم غير متدينين . وما يميزهم أن الوجدان الديني عندهم يكون ناضجا، يثير لديهم الشعور بالمتعة ويحول مشاكل الحياة من سياقها الروتيني الى منظور اكثر شمولية واعمق معنى .. فيكون ثقلها أخف عليهم موازنة (مقارنة) حتي بغير المتدينين.

والصنف الثاني من المتدينين،أي الذين ينظرون الى الدين بوصفه رحلة بحث وتقصي دائم لفهم قضايا روحية واخلاقية معقده، فأنهم يكونون من النوع المنفتح عقليا" على مسائل أخرى أيضا" فكرية أو علمية أو ثقافية . وهذا الصنف من المتدينين هم الأقل ميلا" نحو التعصب.

اما الصنف الأول من المتدينين، الذين يتخذون من الدين وسائل للحصول على أشياء اخرى من قبيل الصداقة والمكانة والاسناد في الاوقات الصعبة، فأن هؤلاء يميلون الى ان يكونوا الاكثر تعصبا"، والأقل نضجا في الوجدان الديني .

ان هذه الأصناف الثلاثة من المتدينين موجودة في معظم الأديان .ولكن فيما يخص الدين الاسلامي،فان هنالك صنفان آخران، الأول ما اصطلح على تسميته ب (الاسلام السياسي)والثاني جماعة (القاعدة).

ومع أن هذين الصنفين يمكن أن ينضويا تحت صنف (التدين الغرضي) لأنهما يستخدمان الدين وسيلة لتحقيق غايات أخرى،الا أن " الغايات " لدى هذه الأطراف داخل هذا الصنف تحكمها فروق نوعية .فالغايات هنا سياسية وليست اجتماعية من قبيل تكوين صداقات،بل السعي الى تحقيق زعامات تشبع الحاجة الى السلطة والسيطرة،ومصالح اقتصادية ترفع صاحبها درجات في سلّم المكانات في الهرم الاقتصادي للمجتمع .

وعلى وفق هذا المنظور يكون المتدينون السياسيون أو (السياسيون المتدينون) هم الأكثر تعصبا بين الناس، ليس فقط لأنهم يستخدمون الدين وسيلة لتحقيق أهداف أخرى، بل ولأن التنافس السياسي وصراع المصالح يضطرهم الى أن يكونوا متعصبين .

ولكن هل يصح هذا التعميم على الأحزاب الاسلامية؟ أعني القول بأن كل الأفراد المنتمين الى أحزاب اسلامية هم تعصبيون، أو هم الأكثر تعصبا بين الناس؟.

ان الموضوعية العلمية لا تميل الى التعميم في مثل هذه الأمور، فقد يكون بين الأحزاب الاسلامية أفراد أقل تعصبا من أفراد ينتمون الى أحزاب علمانية مثلا .الا أننا نرى أن العامل الحاسم في الحكم على تعصب هذا الحزب او ذاك هو انفراده بالسلطة،مصحوبا بعامل نفسي هو توليد الشعور بالاحباط لدى الأطراف او الجماعات الأخرى التي أعاقها أو حرمها أو حال دون تحقيقها لأهداف وحاجات مشروعة .

ان الأحزب السياسية كانت قبل زلزال انهيار الاتحاد السوفياتي تسعى جميعها الى تحقيق هدف واحد هو (الحصول على السلطة)، وأن تعصبها لهذا الهدف بالذات هو الذي أسقط تلك التي وصلت الى السلطة،وهو نفسه " التعصب " الذي لن يمكّن تلك التي تسعى للحصول عليها، مثل (القاعدة) التي تهدف الى اقامة (دولة اسلامية ) وتدعي بأنها تحكم بأمر الله وتنفذ ارادته،أو الأحزاب اليسارية المتطرفة التي ما تزال تريد اقامة دولة البرولتاريا . فلا فرق في التعصب بين حزب "ماركسي "وحزب ديني اذا كان كلاهما يسعى الى الحصول على السلطة والانفراد بها .

وثمة معلومة سيكولوجية مفادها : ان الذين لديهم ميول تعصبية ينخرطون عادة في أحزاب أو حركات متطرفة، سواء كانت دينية أم علمانية، أويمينية أم يسارية بالمصطلح السياسي.غير أن احداث الألفية الثالثة أثبتت أن الدين اذا توحّد بالتعصب ودخل شاهرا سيفه في الساحة السياسية فانه يضطر الاخرين الى أن يشهروا سيوفهم او يتمترسون في خنادقهم .. وغالبا ما تكون الواقعة!

ويبقى الدين حاجة نفسية،فلقد نشأ في الاتحاد السوفياتي السابق ثلاثة اجيال تربوا على فلسفة مادية ضد الدين،ولما انهار النظام وتخلى عن فلسفته عادت الكنائس تبنى في موسكو وقريبا من الساحة الحمراء!.

بهذا نكون قد انهينا الاشكاليات الخاصة بالدين،تليها سلسلة جديدة من الاشكاليات الخاصة بالسلطة..نرجو ان نكون قد مارسنا فيها تدريب العقل على فن الحوار ومرونة التفكير..تحياتنا مع خالص محبتنا للجميع.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2221 الاربعاء 19/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم