قضايا وآراء

الطاعة والاذعان .. المعاني السيكولوجية؟ / اسعد الامارة

من المقربين والاهل والاصدقاء والشعوب ولدى بعض القادة ممن تقلدوا المناصب العسكرية الرفيعة ان يبطشوا بالناس العزل قبل واثناء وبعد المعارك .

تبرز شخصيات قاسية الملامح والسلوك في الازمات التي تمر بها الدولة ، فتنفذ الطاعة العمياء لاوامر السلطات بدقة متناهية بدون اية ملامح انسانية او تطبيقا للقانون بل عادة تكون مجردة من هذه السمة التي امتاز بها الانسان عن الكائنات الحية الاخرى وهي الحالة الانسانية ، لقد اهدر هؤلاء القادة او ممن تقلدوا القيادة  إنسانية الانسان ، فالفرد منهم أهدر هو نفسه عامدا متعمدا عندما اختار إلا ان يكون منفذا مطيعا لقيادة اتسمت بالدكتاتورية والخشونة والغاء وجود الانسان  واعتقد نحن معشر العرب لدينا هذه السمة من الشخصية في القادة الذين اداروا حكم هذه البلدان عقودا عديدة  ومارسوا ابشع انواع الظلم ضد رعاياهم ..

تؤكد الدراسات النفسية المتخصصة ان هؤلاء الحكام القساة او من ينفذ اوامرهم كانوا من المحرومين في تربيتهم وتلقوا الكثير من القسوة من الاب او بديلة او من الام  حتى تشكلت شخصياتهم بسمات السادية وكثيرا ما يكرر هؤلاء القساة ممن ينفذ اوامر السلطات على الناس بقسوة انهم ينفذون الاوامر بدقة وانهم ملزمين بإن يكونوا على درجة عالية من الطاعة في تنفيذ الاوامر ، هؤلاء القادة او ممن ينفذ اوامر القادة الكبار تمتلكهم سمة الخوف من الاب وان لم يكن غير موجود ولكن تركت الاثر القوي فيهم وخلقت رغبات امتلاك وحشية عديمة الاعتدال والثبات وهي صورة خالصة تظهر في سلوك بعض المنحرفين الساديين الذين تقلدوا المناصب واظهر سلوكهم المنقول من الاب الى الاخرين وبقسوة لا توصف فينكلوا بهم ابشع تنكيل بأسم الطاعة العمياء والامثلة كثيرة في عالمنا العربي .. مذابح حلبجة في كردستان العراق ..شواهد لن تنسى ضد الابرياء من الاطفال وكبار السن والنساء والآمنين من الناس في قراهم النائية .. نفذها اشخاص قساة تميزت شخصياتهم بالسادية واللاانسانية ضد البشر والبيئة ومثال آخر ما فعله قادة قساة في قمع انتفاضة الجياع ضد النظام الدكتاتوري في العراق في العام 1991 بالانتفاضة العراقية الكبرى حينما ثار الشعب العراقي ضد النظام البعثي الدكتاتوري  المقبور في العراق زمن الطاغية صدام او ما فعله الجيش العراقي من أهوال في القرى النائية او القصبات البعيدة من عمليات دهم وتفتيش واعتقال ضد الابرياء بكل قسوة وتنفيذ الاوامر الفردية بالاعدامات الجماعية ضدهم ومنهم الكرد الفيلية في العراق ..او القسوة المفرطة ضد البيئة في جنوب العراق واعدام الملايين من النخيل وقطعها او اتلاف البيئة المائية في اهوار جنوب العراق او في بلدان عربية اخرى التي يتميز قادتها  بقساوة ناجمة عن حالة وساوس ضد  الجميع لانها  شخصيات  يشك في وجود الاخرين ممن حوله شكاً عميقاً بالرغم كل ما ينسبه إليهم من واقع لانه مارس الفعل ضد الاشخاص المقدسين لديه والذين تعلق بهم .. وهو والده ولذا فإن خوفه من القصاص على اي أذى يلحقه بهم ينعكس على ذاته المريضه لانه مارس الفعل نفسه ضد والده ، ويخاف من ابنه الذي يعده هو الاخر مقدس وسوف يطاله منه كما فعل مع  والده ، يقول شيخ التحليل النفسي في العالم العربي "العلامة مصطفى زيور رحمه الله"  باعتبار العلاقة منقولة او على مبعدة يمكن ان تعد حيلة دفاعية أولية ،وسوف يتكرر السيناريو مرة اخرى من الابن تجاه والده او من المحيطين –المقربين للكرسي  .

ان الطاعة العمياء والاذعان التام هي في الحقيقة رد فعل لرغبة عنيفة في الايمان بالفعل الذي ينفذه صاحبه القاسي ، تتوجس النفس من عواقبها شرا من الاخرين  ومن القائد صاحب القرار وبالتالي تنفيذ أوامر"المافوق" كما يعبر عنه في الجيش او المؤسسات الامنية  والاستخباراتية "المادون"في التنفيذ القاسي والطاعة العمياء انما هو رد فعل لميول عنيفه نحو التمرد على سلطان الآمر او من يصدر الاوامر وبصفة عامة على السلطان أياً كان نوعه كما يقول مصطفى زيور.

ان شخصيات هؤلاء القساة وهؤلاء ممن ينفذ أوامرهم كانت شخصيات عاشت الصراع النفسي منذ فجر حياتهم الاولى حينما كانوا يتلقون التربية في الاسرة بشكل قاسي بالدقة وتطلب الاسرة من ابنائها التربية المثالية والالتزام بقواعد التهذيب الزائد او التربية الدينية الصارمة الى حد القسوة ، حدثني احدهم في احدى الجلسات ان والده كان يقسو عليه بشدة وهو طفل صغير لم يبلغ السادسة بعد من عمره وهو يذعن تماما حينما كان يصطحبه معه الى المجالس الحسينية ويتركه جالسا عند مكان وضع الاحذية في مدخل المسجد"الحسينية" اعتقادا من الاب انه عمل به آجر عند الله فضلا عن معاملته القاسية معه بالنهر والازدراء والتحقير ضد هذا الطفل الذي لم يعرف بعد ما هو الصحيح وما هو غير الصحيح لانه برئ تماما فلذلك يقول "د.محمد شعلان" فالعدوان على الطفل قد يبدأ بالفعل من الطفولة من الافراط بتعليمه الاوامر القاسية والنواهي والممنوعات والرعاية وكان هدف الاباء هو الافراط في الكمال فبأسم رعاية الطفل وتربيته وحمايته من الانحراف فإن الاسرة تمارس عليه درجات مختلفة من القهر والقمع والكبت فلا يسمح له بإية درجة من التعبير المباشر عن غرائزه فإذا ارتفع صوته او زادت حركته او مارس فضوله اوفوضويته فإنه يعنف وينهر حتى يصبح طفلا مطيعاً او خانعاً أو على احسن الاحوال طفلا"مثاليا" ولكنه كألالة خال من التلقائية وملئ بالخوف والعدوان المكبوت .. انها تعبير ظاهري عن نمط الاسرة المليئة بالعدوان والتي سوف يأخذ ابنائها نمط الاسرة المفرطة بالعقاب لتنتج للمجتمع شخصيات تنفذ اوامر بطاعة عمياء واذعان لرغبات مكبوتة وبالتالي نقل عقاب الاب الى عقاب الابرياء والتنكيل بهم بشكل جمعي في تنفيذ الاوامر فنرى الشخصيات المتلونة والمهزوزة التي تركب الموجة حاضرة في كل مكان وزمان ، ليس لديها مبادئ او او قيم سوى الطاعة العمياء  والاذعان الكامل لاوامر السلطات اياً كانت  ويترك لنا "مصطفى زيور "قوله أن الشفقة قد تكون رد فعل لما تنطوي عليه النفس من القسوة.

 

* استاذ جامعي وباحث نفسي

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2223 الأحد 23/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم