قضايا وآراء

في سيكولوجيا الازمة / قاسم حسين صالح

وهنالك اكثر من قضية داخلية في الازمة السياسية العراقية:الشراكة الحكومية،النفط والغاز، المادة 140 من الدستور،اتفاقية اربيل،الفساد المالي والاداري،مثلث العلاقة بين حكومات العراق وتركيا والاقليم،والمناصب الحكومية الشاغرة.

وهنالك عوامل خارجية صانعة للازمة أو تذكيها تتمثل بالمحاور الاقليمية. فلدى العراق ثلاثة ملفات خطيرة مع ايران:الحقول النفطية المشتركة "مجنون،ابو غرب،الفكه،بزركان،نفط خانه" ،وترسيم الحدود،وشحّة المياه بتحويل معظم روافد دجلة الى اراضيها.

ويكفي العراق مشكلتان مع تركيا:المياه وكركوك.وكلا الدولتين تتعاملان معه كما لو انه تابع لهما او انه بلا سيادة، او في طريق تقسيمه الى دويلات.

وما يجعل الازمة مستعصيه،عدم وجود آليات لحلّها.فمجلس الوزراء يفتقر الى نظام داخلي واضح يحدد أداء السلطة التنفيذية، ويضبط عمل الحكومة.والتقاطعات والتضاربات في الصلاحيات داخل الحكومة ذاتها، وبينها والبرلمان، تعدّ احد اهم اسباب عدم التوافقات. ووجود مواد في الدستور يصفها قانونيون بأنها (حمّالة اوجه)، بينها منح رئيس الوزراء صلاحيات في غياب قوانين تضبط تلك الصلاحيات واخرى كبيرة تمكّنه من الانفراد بالسلطة، فضلا عن وجود اتجاه يدعو الى تركيز السلطة في الحكومة الاتحادية، وآخر يدعو الى منح المحافظات والاقاليم استقلالية تعطي صلاحيات واسعة لحكومات المحافظات.

ان هذا الكّم المعقد من القضايا الشائكه والمتشابكه يفضي الى ثلاث حقائق سيكولوجية:خلق تشوش فكري لدى متخذ القرار يضطره الى التركيز فقط على القضايا التي فيها خطر عليه، تعميق روح الشك بالآخر بين الفرقاء في برانويا سياسية، وتقوية الانتماءات والولاءات للأحزاب والعشائر ودول خارجية "جوازات سفر اجنبية لدى سياسيين" على حساب الانتماء للمواطنة والولاء للوطن.

هذه الحقائق السيكولوجية لا ينفرد بها السياسيون العراقيون،بل تنطبق على الطبيعة البشرية. بمعنى ان أي سياسي في واقع فوضى فكرية وسياسية كهذه سيعيش الخبرة ذاتها، والاختلاف يكون في طريقة التعامل معها.

وللأسف فأن سيكولوجيا الازمة تحكّمت بالسياسيين العراقيين اكثر من قدرتهم على التحكّم بها،ولك ان ترى كيف فعل دافع الانفعال بهم الى اطلاق التصريحات المتناقضة عبر وسائل الاعلام، وتركيزهم على مسائل الخلاف، واستخدامهم آلية (الاسقاط) بتنزيه النفس والتمتع بالنوايا الصادقة،وتحميل الطرف الآخر كلّ الخطايا،مع انهم جميعا شركاء في صنع ما حصل للناس من فواجع وما حصل للوطن من خراب.وهذا يفضي، بحتمية سيكولوجية اخرى،الى ان التفكير يعتاد على استحضار الخلافات بما يزيد المسافة التفاهمية بعدا،وبرمجة العقل على آلية (العناد العصابي) بالاصرار على البقاء بالمواقف، فيما يتطلب حلّ الازمة مرونة التحرّك التي لم تحصل مع انها أخذت اكثر من وقتها،لأن السياسي من هذا النوع لا يتزحزح عن مواقفه الا حين يتهدده خطر يطيحه،فيما السياسيون العراقيون أمنوه..فالشعب جرّب حظه بمظاهرات شباط واستكان،والظهر مسنود بأكبر قوة في العالم.

وثمة حالة خطيرة هي ظهور (اللاعب الوحيد) في فرقاء العملية السياسية.ومشكلة اللاعب الوحيد أنه يجمع كلّ خيوط " اللعبة" بيده،ويركّز وفريقه على مسائل الاختلاف مع الفرقاء،ويغلّب مصلحة فريقه على مصالح الوطن..فضلا عن أن سيكولوجية السلطة في العراق علّمت المحيطين باللاعب الوحيد أن يقولوا له ما يحب أن يسمعه!.

ان السياسيين ليسوا بغافلين عن أن حلّ الأزمة يحتاج الى لغة تفاهم واتفاق على تحقيق مطالب اصلاحية..وما الى ذلك مما يدعو له مفكرون مستقلون،لكن المأزوم غير قادر على الخروج من شرنقة ازمته،وما نحتاجه الآن هو التهدئة لحين انتخابات 2014،عسى أن تأتي بعقول غير مأزومة، والا فان العراق سيشهد حريقا هائلا تحمل اعواد ثقابه دول شقيقة وصديقة!!

 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2223 الأحد 23/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم