قضايا وآراء

الجنس في التراث العربي (2) / سردار محمد سعيد

أحدهما مادي والآخر روحي، وبسبب التداخل بينهما لم تخرج عن نطاق التأمل الفكري وظلت أسيرة التفسير الغيبي بينما التفسيرالمادي استند على الملاحظة الدقيقة والدراسة والتجريب .

وجود الغدد التي تفرز بعد ايعاز من المخ إثر تأثره بعامل خارجي مادي أو محفز للمخيلة تسبب شعوراً بالنقص لحاجة ما فتسد وتغطى لوقت ثم تثار من جديد في وقت آخر، ويحق هنا التساؤل : إذا كانت هي المسؤولة عن ذلك وهي متماثلة لسائرالبشر وإفرازاتها بالكيميائية نفسها فلماذا تكون الإثارة ناتجة عن تأثير معين لا غيره ؟ أي لمَ تختلف المثيرات شكلا ً وصفة ولونا ًبينما الفعل الجسماني نفسه ؟

مثلا ً لماذا تكون هناك رغبة بالسمراوات وحتى السوداوات دون البيضاوات؟،

فروي أن أحدهم كانت محبوبته سوداء فأحب كل شيء أسود لإجلها، وقد عنف

على حبه لها فقال :

يكون الخال في وجه قبيح     فيكسوه الملاحة والجمالا

فكيف يلام معشوق عل من   يراها كلها في العين خالا .

وذهب أخر عكس ما يرى الأول فقال :

تعشقت سوداءعلى خبثها            فحل علي لها رداء

وعشقي سوداء عكس اسمها        أوله "سو " وباقيه داء .17

 

وقال أبوحفص الشطرنجي في وصف جارية سوداء :

أشبهك المسك وأشبهته          قائمة في لونه قاعدة

لاشك إذ لونكما واحد           أنكما من طينة واحدة .

وقال ابن الرومي :

غصن من الآبنوس ركب في      مؤتزر معجب ومنتطق

سوداء لم تنتسب إلى برص الشقــــــرولا لمعة ، ولا بهق

أكسبها الحب أنها صبغت      صبغة حب القلوب والحدق

فانصرفت نحوها الضمائر وال     أبصار يعبقن أيما عبق . 18

وقال آخر في مدحهن

وعائب للأدم من جهله         مفضل للبيض في محك

يا سفلة العشاق ما تستحي   أن تجعل الكافور كالمسك .

وقال الفرزدق :

يا رب خود من بنات الزنج تمشي بتنور شديد الوهج .19

ويذكر أن بني مروان (فكلهم مجبولون على تفضيل الشقرة، لا يختلف منهم

مختلف ) وقيل ( فما منهم إلا أشقر نزاعا ً إلى أمهاتهم ) / راجع طوق الحمامة
/ ابن حزم الأندلسي

ويروى أن خالد بن صفوان دخل على أبي العباس ونصحه أن لا يقتصرعلى امرأة واحدة ويترك غيرها ( البيضاء المشتهاة لبياضها )المحاسن والمساوىء / إبراهيم البيهقي .

وفي عقلاء المجانين لأبن حبيب أن أحدهم سأل آخر : أي شيء أعجب معنى ؟ فأجاب بسرعة، قال : لو قلت من أي النساء لقلت بيضاء شقراء مجدولة شهلاء .

ويقال أن فتيان جاءا إلى المتلمس أحدهما ذو لمة شقراء والآخر ذو لمة سوداء يتحاكمان عنده أيهما أجمل ؟ فقال :

وشادنين ألما بي على مقة     تنازعا الحسن في غايات مستبق

كأن لمة ذا من نرجس خلقت   على بهار وذا مسك على ورق

وحكّما الصب في التفضيل بينهم  ولم يخافا عليه رشوة الحدق

قضيت للمة الشقرء حيث حكت  لوني كذا حبها يقضي على رمقي

فقام ذو اللمة السوداء ترشقني   سهام أجفانه من شدة الحنق .

المطرب من أشعار أهل المغرب / ابن دحية الكلبي .

عودة لشهوة الطعام

يرى محي الدين بن عربي من منطلق صوفي أن هناك سر رباني لكي

يحصل النمو والتفرع ،فيقول :

في شهوة البطن سر ليس يعلمه    إلا الذي شاهد الرزاق رزاقا

لولا الغذاء ولولا سر حكمته     ما لاح فرع ولا عاينت أعراقا

وفي هذه الشهوة كتب ابن العميد قصيدة بعد أن أهداه أحدهم كتابا ً في

الأطعمة إثر علة ألمت به :

فهمت كتابك في الأطعمة       وما كان نولي أن أفهمه

فكم هاج من قرم ساكن         وأوضح من شهوة مبهمة

وأرث في كبدي غلة            من الجوع نيرنها مضرمة

تتيح له شرها موجعا ً           وتغري به نهمة مؤلمة . 20

وروي في العقد الفريد /ابن عبد ربه /عن الطفيليين وشهوتهم المفرطة

للطعام،فقد مر طفيلي بقوم يأكلون،فشاركهم، فقالوا له هل عرفت أحد

منا ؟ قال نعم، وأشار إلى الطعام .

ولا تكون الشهوة في المطعم فقط بل تكون في المشرب أيضا ً ولا سيما

الخمر :

إذا أن بلغت الذي كنت أشتهي       وأضعافه ألفا ً فكلني إلى الخمر.  21

وقيل أن العقل غريزة موجود عند الإنسان غيرموجودة عند الحيوان مثل

غريزتي الجنس والطعام والقصد أن الحيوان غير مدرك للعلوم النظرية

قال الحارث المحاسبي في حد العقل :

إنه غريزة يتهيأ بها درك العلوم النظرية . ولغريزة العقل قوة قادرة على

قهر وقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة، حتى قيل أن العلوم مضمنة في غريزة العقل بالفطرة ومكنونة فيه، وتخرج إذا جرى سبب يخرجها للوجود ولا ترد من الخارج،وهذه فلسفة لي بها ظنون . 22

فيما سلف أوضحت أن مثيرا ً خارجيا ً يستدعي الشهوات فغريزة الطعام تثار بنوع الطعام أو رائحته أو لونه وغريزة الجنس تثار بشكل الجسم ولونه وكذلك رائحته، لذلك تستعمل الغواني العطور، ولا يفوتني أن أذكر أن المنطق الحلو والثناء له دور فاعل في إثارة الشهوة وربما أن الإشارات تستدعي الشهوة

(فالإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون له ونعم الترجمان هي له، وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وتغني عن الخط)23 والإشارات بالطرف والحاجب  معلومة وتيسرفهم (خاص الخاص) كما يقول الجاحظ .

قال الشاعر :

أشارت بطرف العين خيفة أهلها            إشارة مذعورولم تتكلم

فأيقنت أن الطرف قال مرحبا ً      وأهلا ً وسهلا ً بالحبيب المتيم .24

وغنت جارية :

أليس عجيباً أن بيتا ًيضمني                  وإياك لانخلو ولا نتكلم

سوى أعين تبدي سرائر أنفس     وتقطيع أنفاس على النار تضرم

إشارة أفواه وغمز حواجب               وتكسير أجفان وكف يسلم

وغنت أيضا ً

أشرت إليها هل عرفت مودتي فردت بطرف العين إني على العهد

فحدت عن الإظهار عمدا ً لسرها وحادت عن الإظهار سراً على عمد .

في نهاية الحديث عن الشهوة أتطرق إلى الفلسفة الهندية وهي دون الفلسفة اليونانية والفارسية التي تأثر بها الفلاسفة المسلمين والعرب، فأشيرإلى أن (نظرة الهند إلى الحياة نظرة تشاؤم : واقع الإنسان ألم يجدده التناسخ والبقاء

الدنيوي، وكل المشكلة إذا ًفي الخلاص من هذا الواقع، بالزهد في كل محسوس، في كل شهوة وأذى، لايقاف مجرى التناسخ، والعودة إلى الله – عودة القطرة إلى اليم – أو استئصال شهوة الحياة وبلوغ ( النروانة) . 25 والنروانة تعني استئصال الشهوة وانطفائها .

إن فكرة النروانة فكرة بوذية تعني ببلوغها القضاء على الشهوات التي ترافقها لذات الحواس، ويتم ذلك بالإنقطاع إلى الله، ويظهر هنا تأثر الصوفيين المسلمين بهذا الفكر .

 

...............

المصادر والمراجع

  17 الحلل في شرح أبيات الجمل للبطليوسي .

18 تحسين القبيح وتقبيح الحسن للثعالبي .

البيت لأبي الفتح ذي الكفايتين / المصدر السابق .

19 التشبيهات لإبن أبي عون .

20 يتيمة الدهر للثعالبي .

21 خاص الخاص / الثعالبي .

22 التذكرة الحمدونية / ابن حمدون .

23البيان والتبيين / الجاحظ .

24المصدر السابق .

25  أصول الفلسفة العربية / يوحنا قمير .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2224 الأثنين 24/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم