تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

شاكر خصباك و تشيخوف / ضياء نافع

فهو قاص وروائي وكاتب مسرحي ومترجم وكاتب مذكرات ومقالات اضافة الى انه اكاديمي كبير ومعروف في علم الجغرافيا، وقد حصل على درجة الاستاذية (بروفيسور) عام 1974. اصدر د.خصباك اكثر من ثلاثين كتابا بين تأليف وترجمة في كل تلك الاجناس الادبية وفي مجال اختصاصه (الجغرافيا) بالطبع. تتناول مقالتنا هذه كتابا واحدا من اصداراته تلك وهو بعنوان / تشيخوف/ والذي يندرج ضمن موضوعة الادب الروسي في العراق.

صدر هذا الكتاب عام 1954 في بغداد ضمن منشورات مجلة /الثقافة الجديدة/ المعروفة، والتي لا زالت تصدر في العراق لحد الان، وهي مجلة مهمة جدا في تاريخ العراق الفكري بشكل عام والسياسي بشكل خاص،وتعكس اراء الحزب الشيوعي العراقي وتعبر عن نظرته الفلسفية وسياسته.

اشار د. خصباك في رسالة له الى أ.د. عبد العزيز المقالح (رئيس جامعة صنعاء ومستشار الرئيس اليمني في شؤون الثقافة آنذاك) الى هذا الكتاب وسبب اصداره قائلا- ( طلب مجلس السلم العالمي من محبي الكاتب الروسي انطون تشيخوف الاحتفال بمرور خمسين عاما على وفاته، فأقترحت عليهم ان اتولى اخراج كتاب عن  تشيخوف، عوضا عن المجلة (يقصد مجلة الثقافة الجديدة التي أوقفت الحكومة آنذاك اصدارها) فرحبوا بذلك، فانهمكت ليلا ونهارا في عملي، واستطعت انجاز الكتاب في موعده. وقد اشتمل على مختارات من قصصه ومسرحياته القصيرة مع دراسة عن ادبه وملخص عن اهم المحطات والاحداث عن حياته، وصدر الكتاب في مطلع الشهر، اي في موعد صدور المجلة تحت عنوان (منشورات الثقافة الجديدة) وكان اول منشور تصدره مجلة الثقافة الجديدة عام 1954....... وبهذه المناسبة،ان كتاب انطون تشيخوف كان يومذاك من اوائل الكتب التي تصدر باللغة العربية عن تشيخوف...) ، / من رسالة د.خصباك الى د.المقالح عنوانها- علاقتي بالادب والمجلات الادبية/ موقع الحوار المتمدن. وكما هو واضح في الرسالة، فان اصدار هذا الكتاب لم يكن بمبادرة  من هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة وانما بطلب من مجلس السلم العالمي، والمجلس هذا- منظمة سياسية ،اي ان هدف اصدار الكتاب كان سياسيا، ويتلائم هذا الهدف مع طبيعة المرحلة آنذاك عندما امتزجت السياسة بالادب كليا لدرجة يتعذر الفصل بينهما،وقد كان كل كلام عن الادب الروسي حينها يعني موقفا يساريا بالضرورة. ويشير د. خصباك في رسالته تلك ايضا ،الى ان الكتاب كان  (من اوائل الكتب ..عن تشيخوف) اي انه ليس اول كتاب عن تشيخوف بالعربية كما صرح د. خصباك نفسه في كلمته باتحاد الادباء في صنعاء بجلسةمكرسة لتكريمه عام 2001،والتي حضرتها عندما كنت استاذا زائرا في جامعة صنعاء ، واذكر اني همست في اذن صديقي أ.د. علي يحيى منصور رئيس قسم اللغة الالمانية في كلية اللغات بجامعة صنعاء آنذاك والذي كان يجلس جنبي، ان جملة د. خصباك ليست دقيقة، اذ ان اول كتاب عربي عن تشيخوف كتبه نجاتي صدقي وصدر عام 1947،وان كتاب د. خصباك هو اول كتاب في العراق وثاني كتاب باللغة العربية عن تشيخوف. ولم أشأ (وكذلك صديقي د . علي منصور) ان نشير الى ذلك في تلك الجلسة التكريمية الجميلة للاديب والعالم العراقي ا لجليل     في صنعاء. بعد انتهاء الجلسة اقتربتا مني فتاتان منقبتان وقالت لي احداهما، انهما سمعا ما همست به  وسألتني لماذا لم تتحدث بذلك علنا؟ فوجئت بهذا السؤال واكتفيت بالابتسامة متملصا من هذا الموقف المحرج. هذا وقد التقيت به في بيت أ. د. عبد العزيز المقالح، رئيس جامعة صنعاء آنذاك،والذي ذهبت اليه بصحبة أ.د.حاتم الصكر وأ.د.عبد الرضا علي وأ.د. علي يحيى منصور، وكانت جلسة مفتوحة رائعة حضرها كثير من اساتذة جامعة صنعاء ومثقفي اليمن، وقد كان د.خصباك في صدارة الحاضرين، وقد اقتربت منه بعد انتهاء الجلسة وقلت له ،باني تشرفت بالكتابة له عندما كنت طالب دكتوراه في جامعة باريس عام 1967 ،عندما كان يعمل في جامعة الرياض، وطلبت منه نسخة من كتابه عن تشيخوف،فرد د. خصباك رأسا بانه يعتذر لأنه لم يكتب لي ردا على رسالتي تلك، فقلت له باني استلمت جوابا جميلا منه ، وانه يعتذر عن ذلك لعدم وجود الكتاب لديه في الرياض، وانني لا ازال احتفظ برسالته وطلبت منه السماح لي بنشرها، فابتسم د. خصباك عندها ووافق بكل سرور على طلبي. وقد تشرفت فيما بعد ان ازوره في شقته مع قريبه د.عائد خصباك ،التدريسي في احدى الجامعات اليمنية، وتحدثنا كثيرا عن ترجمات الادب الروسي الى العربية ودور غائب طعمة فرمان المتميز في ذلك، ولا تسمح لي طبيعة هذه المقالة الاسترسال اكثر،ولكن يجب علي حتما ان اشير الى ان الانطباع عن د.خصباك  كان رائعا، واني لمست فيه تواضع العلماء وسعة الثقافة وعمق المعرفة. واعود الى صلب الموضوع ،اي الى كتاب د.خصباك عن تشيخوف.لقد كان عمر د.خصباك عند اصداره لهذا الكتاب 24 سنة ليس الا، وعلى الرغم من ان خصباك بدأ بالنشر منذ كان عمره 15 سنة عندما كان تلميذا في المدرسة، وانه اصدر كتابه الاول عندما كان عمره 18 سنة (وكان بعنوان صراع وهو مجموعة قصص قصيرة) عندما كان طالبا في جامعة القاهرة، واصدر كتابه الثاني  عام 1951 في القاهرة ايضا (كان بعنوان عهد جديد وهو مجموعة قصص قصيرة ايضا) وكان عمره 21 سنة، وهذه ظاهرة فريدة في تاريخ الادب العراقي الحديث،ومن الممكن ان يكتب الشخص الموهوب (وكان خصباك نموذجا فذا لتلك الظاهرة) نتاجا ادبيا سواء كان شعرا او نثرا، الا ان كتابة دراسة عن اديب اجنبي لم يكن معروفا تقريبا وبما فيه الكفاية باللغة العربية آنذاك هو أمر يثير الاستغراب فعلا. انني اعتقد جازما ، ان اصدار خصباك لكتاب عن تشيخوف وهو بهذا العمر يعد مأثرة فكرية من هذا الشاب العراقي اليافع، وهي خطوة لا يستطيع ان يقوم بها سوى شاب متحمس جدا، اذ كيف يمكن ان نؤلف كتابا عن اديب اجنبي لم نقرأ له شيئا تقريبا، ولا نعرف اللغة التي كتب بها وفي بلد مثل العراق في خمسينيات القرن الماضي،حيث كانت السياسة تمتزج بالادب بشكل لا يمكن الفصل بينهما؟  والحق يقال،ان الشاب الشجاع شاكر خصباك قد خاض هذه التجربة العلمية الفذة وخرج منها سالما تقريبا. لقد كان خصباك بحكم دراسته في العراق ومصر يعرف اللغة الانكليزية، واستطاع ان يجد عدة مصادر بالانكليزية عن تشيخوف ، وقد اختار مسرحيتين ذات فصل واحد وعدة قصص له وترجمها الى العربية( وهذا بحد ذاته عمل ابداعي رائع ) وكتب مقدمة حول ادب تشيخوف معتمدا على ما اطلع عليه في تلك المصادر الانكليزية ،واضاف الى ذلك جدولا تفصيليا لمسيرة تشيخوف الحياتية والابداعية ترجمها عن الانكليزية من تلك المصادر ايضا. ونرى انه من الضروري جدا هنا التوقف قليلا عند المقدمة تلك ،اذ انها تحمل كل صفات المرحلة الفكرية ،التي كانت تسييس الادب والفن عموما وتؤدلجه وتجعل الخطاب السياسي المباشر سائدا وحاكما. لقد ركٌزت المقدمة تلك على مواقف تشيخوف السياسية وليس الابداعية ،ونستشهد ببعض الامثلة الآتية –

( ..من الغريب ان ينجو تشيخوف من عقاب الحكومة القيصرية التي لقي على يديها اغلب الكتاب الروس الوان العذاب وصنوف التشرد والسجن والانتقام بل والموت) ، (لم يألو تشيخوف جهدا في مساعدة الفقراء) ،  ( يرفض تشيخوف الاجور التي يقدمها له الفلاحون الفقراء ) ، (كشف تشيخوف في كتاباته عن وحشية الحكومة القيصرية في معاملة الشعب الروسي ) ، (لم يكن تشيخوف يكتب للشعب الروسي فقط بل للانسانية جمعاء، وقد آمن بضرورة الرحلات ليطلع على حياة مختلف الشعوب ... وسافر فعلا الى الشرق الاقصى والاوسط وجاب بلدان اوربا وكان يود السفر الى استراليا وامريكا لولا صحته المعتلة  ..) ولم يخطر ببال كاتبي هذه السطور ولا ببال مترجمها  الشاب العراقي اليافع خصباك كيف يستطيع تشيخوف ان يسافر هكذا في ظل حكومة وحشية لقي الادباء على يدها الوان العذاب . ولا اريد التوقف عند  النظرة السائدة حول الادب الروسي في العراق في تلك الفترة اذ لم يكن المثقف العراقي آنذاك عميق النظرة الى الاداب العالمية عموما والادب الروسي خصوصا ولا ما كان يجري من صراعات فكرية عميقة في مضمارها.

يختتم د. خصباك مقدمته ( التي اسماها دراسة في رسالته ) بالاشارة الى كتابات  (نقاد) ، وهم في الواقع باحثون كتبوا عن تشيخوف من وجهة النظر الرسمية التي كانت سائدة آنذاك ليس الا،ثم يتوقف عند مكسيم غوركي ويستشهد بما كتبه عن تشيخوف وهي كلمات حماسية جميلة تشير الى جانب من عبقرية تشيخوف الابداعية ولا تؤكد تلك الصفات التي اغدقها خصباك على تشيخوف في بداية مقدمته والتي جعلت تشيخوف مناضلا اجتماعيا ...

ان كتاب (تشيخوف) للاستاذ الدكتور شاكر خصباك – مؤلف رائد تماما في تاريخ الادب الروسي في العراق والعالم العربي عموما، اذ انه اول كتاب عن تشيخوف في العراق وثاني كتاب عنه في العالم العربي باللغة العربية،وتكمن اهميته طبعا في انه اعطى للقارئ العراقي  والعربي عموما عدة نصوص لمسرح تشيخوف وقصصه،لم يسبق ان ترجمها احد، اضافة الى تعريفه لمسيرة حياة تشيخوف وابداعه.

من كتاب-

من بوشكين الى سولجينيتسن

صفحات من دفاتر الادب الروسي

طبعة ثانية منقحة ومزيدة

معدة للطبع

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2225 الثلاثاء 25/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم