قضايا وآراء

الذكرى الثانية لوفاة الشاعر العراقي سركون بولص

الراحل سركون بولس من مواليد سنة 1944، شب وعاش في كركوك ثم ارتحل الى سان فرانسيسكو . اختار المنفى حباً وطواعية وأمضى حياته مشرداً ومغترباً ومنهمراً على السفر، الذي أنهكه، فجاب مدن وعواصم كثيرة الى أن مات غريباً في برلين بالمرض الخبيث القاتل.

 

 سركون بولص شاعر مشاكس ومجدد من طراز رفيع، حمل صليب الكلمة وتمرّد على الفصاحة والبلاغة . كتب القصيدة النثرية المعاصرة منذ نعومة اظفاره، ونشر تجاربه ونصوصه النثرية على صفحات مجلتي( شعر) و(مواقف) اللبنانيتين، وانتمى الى (جماعة كركوك) التي ضمت بين صفوفها تجارب شعرية وأوساط أدبية وثقافية طليعية، أمثال : فاضل العزاوي وصلاح فائق ومؤيد الراوي وعبد الرحمن طهمازي، وكثيرين غيرهم.

 

صدر لسركون بولص عدد من الأعمال والدواوين الشعرية، وهي : الوصول الى مدينة أين، الحياة قرب الأكروبول، الأول والتالي، حامل الفانوس في ليل الذئاب، اذا كنت نائماً في مركب نوح .

 

وفي السيرة الذاتية له كتاب بعنوان(شهادة على الضفاف)، وفي القصة فله (غرفة مهجورة).

 

 قصائد ونصوص سركون بولص رمزية وذات أبعاد رؤيوية ومضامين جمالية وانسانية تنسل خيوط المخزون الثقافي التاريخي وتسكبها في نوال الحاضر، وتضمها بجناحيها لتنسج منها رؤية كونية من خلال الانسان.

 

سركون بولص جوّاب افاق، بعيد مطارح الخيال، دقيق الرمز لا يتعبّد له، سكنته الغربة وتفرد برسوليته في هيكل الكلمة وسماء الانسانية، واستطاع أن يفجّر في الصورة الشعرية ألواناً جديدة ومعان تجعل لها ظلالها، وتميز بشاعرية تتفجر من أعماق الذات وتمتد على أقصى المدى . كتب عن المرافئ والفنارات والمراكب والأرصفة الباردة، والليل والغربة والسفر والقلق الوجودي، وتتصف لغته بالكثافة والاكتناز والوميض والتماسك والألفاظ الجمالية الخاصة .

 

قال عنه كاظم جهاد: " سركون رجل الحرفة والعمل الدؤوب، العامل المنحني أبداً على سندان الكلام والممسك بمطرقته، هذا الذي يشتغل على القصيدة، حتى في سيره ونومه وأحلامه" .

 

وقال صبحي حديدي: "امتياز نموذج سركون بولص كان الاشتغال الدؤوب، والشاق تماماً، على استسقاء تلك الهندسة الغائبة، أو المتعثرة في أفضل المقترحات والالحاح على انبثاقها من وسيط النثر في ذاته واعتمادها على ديناميات النثر وليس شعرنته، وتجربته اشتملت على العديد من الأختراقات التعبيرية والفنية والجمالية فضلاً عن تلك التي تخص موضوعات قصائده".

 

سركون بولص صوت شعري ذكي وغني بالموهبة والالهام، كان يعتني بالقصيدة والصورة، يكتب فيتجدد ويجدد. له بصماته الواضحة في حقل الابداع المتميز الرفيع والقصيدة النثرية الحديثة، وقد ترك وراءه سيرة وتاريخاً حافلاً بدهشة المعرفة وألم الغربة والتشرد ووجع الرحيل والفقدان .

 

فذكراك باقية يا سركون، ايها المبدع المغاير والمجدد الذي كان يتنفس من الرئة الشعرية النقية وملأ صدورنا بالهواء النقي.  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1205 الخميس 22/10/2009)

 

في المثقف اليوم