قضايا وآراء

غربة الشعر/ سعود الأسدي

حتى ارتبطت الفنون بإلهات تسع موحيات كما هي عند اليونان، وارتبط الشعر عند العرب بالشيطان .

والحقيقة أن الشعر غير مرتبط لا بإلهات ولا بشياطين، إنما هو صنعة إنسانية كالنجارة كما يقول أرسطو، وما الموهبة إلا جماع مهارات أساسية وضرورية لها اجتماعها لدى صاحبها وهي معرفة لا تتم الا باوّلياتها الضرورية من لغة وأوزان وتقاليد وتراكمات بناها الأوائل لبنة فوق أخرى، وتتطّور أو تتجدّد مع الزمن، ومعرفة الشعر كما أشرت هي صنعة لها لوازمها ومن هنا رأى العرب في الشعر والنثر في أوج حضارتهم صناعتين.

لقد زعم الجاحظ أن العرب امتازوا بالشعر متناسياً ما كان للفرس أو اليونان أو الرومان من باع طولى في شتى مضاميره من غنائي وملحمي ومسرحي.

صحيح أن العرب اعتدّوا بالشعر، وكان له قيمة كبيرة عند خاصّتهم، ولما أصبح العرب أمة متحضرة اهتموا بغناء الشعر في العصرين الأموي والعباسي والأندلسي وكان لهم تأثير في أوروبا، كم أثّرت في موسيقاهم وطرائق غنائهم الشعوب التي خالطوها، وما كتاب الأغاني إلا أكبر موسوعة تاريخية أدبية شعرية غنائية .. كان وسيبقى .

لقد ارتبط الشعر بالغناء وكلاهما يعتمدان على الموسيقى وما تفاعيل أوزان الشعر إلا وحدات وزنية كالوحدات الوزنية في الغناء سواء بسواء. وكذلك الرقص وهو عزف موسيقي على آلة الجسد، وهناك بقية الفنون من رسم ونحت وتمثيل .

أين العرب اليوم من هذه الفنون؟

في كتاب يحكي عن سيرة الرسّام بيكاسو جملة لفتت نظري تقول: لو سألنا جمهور الشارع في باريس: من هو بيكاسو لقال عديدون هو رسّام. وإذا أردفنا ما أهم لوحاته ؟ لتلجلج المجيب، وربما لم يعطنا مثلا " لوحة غرنيكا"

وعليه قِس اليوم واسال طلاب الجامعات على السريع من هو المتنبي ؟ أو أبو تمّام ؟ صحيح سيكون الجواب عند الكثيرين هما شاعران وإن سألت عن عصرهما أو عن قصيدة بعينها لهما ربما تلجلج المجيب ولم يسعفك بإجابة .

ونحن نزعم اليوم أ ننا امة شعر وهو زعم بمعنى الكذب فنحن لسنا أمة شعر ولا نثر، ولو كنا كذلك لكان ما يطبعه الشاعر من شعره أو الكاتب من روايته مليون نسخة في الطبعة الواحدة لمائة مليون عربي مثلاً ؟ ولكنه يطبع ألفي نسخة على أحسن حال لمائة وخمسين مليون عربي أو أكثر أو أقل، ربما يُقْرِأ منها مائة نسخة في القطر الواحد.

لقد ساهم التلفزيون والإذاعة في شهرة بعض أسماء الشعراء فقط ليس غير، وكذلك بعض أشعارهم المغنّاة، ولولا الغناء ما سمع العربيّ وما قال: ورجعتُ ما أحلى الرجوعَ إليه .. إليه .. إليه !

الشعر عند العرب هو لقلّة من المبدعين ولقلة من القرّاء، هكذا كان منذ أقدم العصور من الخاصّة وللخاصّة، لقد كان الشعر غريبا، وعاش غريباً، وسيموت غريباً، وأميّة العرب فاقت الحدود بالمقارنة مع الأمم الأخرى .

وهي هكذا الغربة مع سائر الفنون فغناؤنا ليس غناء ورقصنا كذلك ومن شاء فليستمع إلى نُواحٍ كثير من المغنين والمغنيات، ولينظر في قاعات أعراسنا إلى أذرع عارية تلوح كعصي المناكيش وهي المعاول، وسيقان تتحرك كأعود الحراث البدائية عند قدماء فلاّحينا في حركة رتيبة واحدة مملة سمجة تستمر ساعات والعياذ بالله ! وأما رسمنا ونحتنا ومسرحنا فحدّث ولا حرج فهي أشياء عند ملايين العرب في قراهم وبواديهم وأحياء مدنهم الفقيرة في عداد العدم ولا وجود لها في أذهانهم وتصوّراتهم !

نحن نتعامل مع القشور كمن يتعامل مع قشور البصل وحتى نصل الى اللباب أمامنا شوط طويل سبقتنا فيه الأمم أربعة قرون على اقل تقدير.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي  تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2229  السبت 29/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم