قضايا وآراء

قراءة وتأويل للمجموعة الشعرية حدائق ساخنة لرعد زامل .. الكتابة بالعين

هذا الدال اللساني \ساخنة\ يغيب المكان من اجل غلق المنافذ الموصلة الى الحدائق من اجل ان تبقى رؤية المحلل ورؤاه قاصرة عن كشف فعالية \الحدئق\ . هذا المسك التشكيلي الرائع ينفتح على جهتين احداهما تحاول تثبيت الواجهة الخارجية للمكان \حدائق\ والاخرى تنتج توترا ضمنيا لصورة الحدائق المتعارف عليها.ان الصورة التي ابدعها الشاعر لبنية الحدائق تسعى في تركيبها الدلالي الى خلق بؤرة تخليلية تسهم في عرض صورة مكانية تحمل لغة تصويرية تعتمد على الفائض من الرؤية.بداية سنقرأ قصيدة\ حدائق ساخنة\ بنحو معكوس،اي سنأمن نهاية القصيدة صعودا الى بدايتها .تنهي القصيدة بالدال اللساني المقترن بالاشارة  الى المستقبل بوساطة سي الاستقبال\ساموت\، غير ان مايلاحظ على نهاية القصيدة .......

سأموت على الارض

وادفنـ

عظامي

في المريخ

 

هذه التفاصيل بذات السارد،بيد ان هذه الذات خرجت على النواة المركزية المتمركزة في بؤرة مكانية محددة ،بمعنى ان السارد يحاول تتفكيك هذا المكان ويسعى لانتشال ما تبقى، اذ يتخذ من \الهروب\ وسيلة للفرار مم هو لحظوي\اني\ من اجل بناء فرصة خيالية \الدفن في المريخ\.هذه المفارقة المكانية الممتدة بين الموت على الارض والدفن في المريخ مفارقة زمنية في الوقت نفسه، وهذا مايدفع في المتلقي الى التريث في تأويل المقاصد الشعرية ،وهذه محاولة ذكية من الشاعر لتفتيت بنية الزمن ودفعه باتجاه الصيغة البندولية غير المستقرة عند نقطة زمنية محددة.في الخط الممتد بين نهاية القصيدة وبدايتها ثمة حركة لولبية تخترق جسد القصيدة للتتمفصل في ثنائيات   \المكان –الزمان \ المتخيل- الواقعي \الماضي – الحاضر \ هذه الثنائيات منتج اساس لبنية التفتيت الزمني الممتدة بين تحقيق النوازع \ وجدي مولع بالحدائق \ وبين المتحقق على ارض الواقع......

 

زرع مساحات شاسعة

من البطيخ

لما كبرنا

وجدنا تحتها جماجم

 

 

ان حركة السارد تندس في بنية الزمن ذهابا ومجيئا من دون ان تتوقف من اجل ان تغذي فينا حس التوتر الذي تثيره الجما الوصفية النطلقة من رؤية ذات نسق وجداني شفيف .

في قصيدة\الوصية\ يعتمد الشاعر على الصور الحسية ذات الطابع الملموس المكتنز بالتوتر.....

 

بالسكين ذاتها

السكين التي سال لعابها

على جسد التفاح

 

يتوزع المقطع انفا بين بنيتين سياقييتين(السياق النصي والسياق المفهومي). يتركز السياق النصي في الوصف العام لالة القطع \ السكين\ ، اما السياق المفهومي فيدخل في التفاصيل اللاحقة\سيل اللعاب\ \جسد التفاح\ يحصل تغير في مسار السرد اذ يتحول فعل السكين من فعل متردد \سال لعابها على  جسد التفاح\ الى قطع من نوع اخر مؤثر في مفردة لاحسية \ خيبة\ ،هذا القطع يحمل فناءه لانه متصل بغير المتحقق مما تتوق له النفس .ولم يقف السارد عند هذا الحد بل يردف ذلك بانحراف اخر لفعل السيرورة السردية ليزيد من مساحة وثقل القطع وزمنه

 

اقف طويلا على المنابر

مفلسا كعادتي

 

نلاحظ هنا انا الافلاس مقترن بشخصية السارد وليس بما يفعل على الرغم من ان الوقوف على المنابر يؤدي الى عكس ماالات اليه امور السارد.ويستجمع النص ادواته في صيحة اخيرة لاتنم على الموت ،بمعنى ان \ الوصية\ هنا ليست سبيلا للوصول الى الموت بل العكس ان الوصية اداة لادامة زخم الحياة بسبب من انها رافضة ومتخلية عن جثة التخلي عن كل ماهو غير انساني ، كما وانها اخذه بالنكماش الزمني الى الوراء ومندفعة في الوقت نفسه الا امام . هذا التجوال الزمني يجوس في ارض ميتافيزيقيا تكرسها انوية اللحظة التي يتجمع الزمن فيها ليستحيل زمنا صفريا ذاهيكل  تعويضي وبديل عما يقع بين اليدين ،اي عالم تعويضي تؤطره الرؤى عن بديل يكاد ان يكون مطلقا . ان وصية السارد هي الخلاص الروحي المستند على الختيار الواعي .....

 

وكي لااموت

الا وانا موص بينكم هذا

قمصاني لعبد الامير جرص

شرط ان يصل

الى عروة ابن الورد

وقميصي لعبد الرزاق عبد الوهاب

شرط ان

لايقطف الورد من القميص.

 

في قصيدة \فصل في المرايا\ والتي اعداها اهم قصائد المجموعة والنتكونة من ستة مقاطع .يقوم المقطع الاول في التعامل مع المرأة العاكسة، اذ يأتي اختيار الدال اللساني\ احدق\ اختيارا موفقا وذكيا بسبب من موخالفة النتج المتحصل في المراة . ولو اختار الشاعر غير هذا الدال اللساني لضعف بنيان عتبة النص .اردف الشاعربعد الدال اللساني\احدق\ الذي ينم عن دهشة واستغراب ونية في اكتشاف المستوربدال لساني اخر يدل على اللين والالستقرار\اضحك\.ان الضحك-هنا منفصل في معطياته عن فعل التحديق بسبب من اكتشاف الشخصية المتحدثة لما لايستحق الضحك ، بمعنى ان فعل الاندهاش لم يحصل بسبب انعكاس الدموع لكن بسبب اكتشاف ماهو مضحك وهنا يكمن ابلداع الشاعر في وضع النتيجة قبل المفروض لهزهزة عقلنة المتلقي بما هو متحصل بين يديه .في المقطع الثاني يتحدث السارد عما يحصل خلف المرأة مماهو غير ثابت وغير متحصل عيانيا، اي انه يرسم (زوال المجسات) التي تحقق فعل الرؤية .ان ماذهبنا اليه صحيح بدليل القرينة وهي هبوط الشاعر من بطن امه .فالربط الحاصل بين مايمكن رؤيته بوساطة المرأة ومايمكن رؤيته فيم بعدها هو حبل السرة الذي يقطعه كيلن غير موجود في حقيقية الامر بيد انه في الوقت نفسه متحصل في الرؤيا لكنه محجوب في الرؤية التي تعكسها المراة. في المقطع الثالث تنحسر مديات الرؤيا ويضيق الزمن بسبب من هيمنة النسغ النازل لما هو مادي ملموس \قعر المرأة\ .في المقطع الرابع يشتغل النص بطريقة قلب الهرم ......

 

ينبعث من عمق المرايا

دخان كثيف

بينما الرماد على السطح

والرأس في الرماد

يشعل شيبا

 

نلاحض-هنا- مرة ثانية عملية استباق للمعطيات اذ يشتغل النص على تداخل فعل  التوليد بحيث يصعب فرزه او عزله ففضاء الرايا مفتوح على افاق سوداويه متلابعة على خراب الازمنة اذ ان الخراب الروحي هو هاجس النص على مستويي الدلالة واليحاء .يحمل المقطع الخامس احالة النكوص النفسي والانهيار، اذ يواجه الجسد بجزيائته القوى التي تحول سحقه في حين يبدو المقطع السادس ترنيمة هادئة لنفس تبحث عن قطرة ماء في صحراء الربع الخالي .فعملية سحب الزمن الى نقطة الصفر عملية ذكية تحاول اسباغ (فائض قيمة الاذى،والالسى والعذاب والقهر الاجتماعي على الذات المستلبة التي يثير شجنها مجموعة من اسئلة الوجود المهمة.......

 

لماذا مع الصمت نمضي

قبل الاوان؟

لماذا نخون الحقيقة

ونعوي بجوف الظلام

 

ان هذا النص عبارة عن اعادة ترتيب المعاناة بنحو خلاق . لقد امتعتني هذه المجموعة اذ ان الشاعر (رعد زامل) يمارس الشعر بعينيه ويكتبه بريشة الرسام المبدع. ان نصوصه تحاول نازلة الزمن والذات في ساعة من ساعات توحدهما وهذا هو امتياز الشاعر وتميزه.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1205 الخميس 22/10/2009)

 

في المثقف اليوم