قضايا وآراء

المجتمع العدواني .. والذهان / قاسم حسين صالح

ويعني (العصاب) مجموعة الاضطرابات النفسية، واكثرها شيوعا هو الاكتئاب. والفرق الرئيس بينهما هو أن الذهاني يفقد اتصاله بالواقع ويكون سلوكه غريبا وشاذا، وتفكيره مضطربا، فيما يبقى العصابي على اتصال بالواقع بالرغم من شعوره بالضعف وسوء التوافق مع نفسه ومع الآخرين.

والحالة التي تثير الانتباه ان الاحصاءات العالمية تشير الى ان نسبة الاكتئاب في المجتمعات المتحضره وبضمنها الصناعية اعلى منها في المجتمعات المتأخرة حضارة، فيما نسبة الذهان والبارانويا في المجتمعات المتأخره اعلى منها في المجتمعات المتقدمه.

والنقطة الجوهرية هنا هي ان نسبة الشفاء والخلاص من الاكتئاب، تكون اعلى من نسبته في حالات الذهان..ما يعني ان فرصة خلاص الفرد من العدوان الموجه الى الذات في المجتمعات المتحضرة تكون اكبر من فرصة انحسار العدوان الذي يرتبط وجوده بوجود حالات الذهان في الفرد الذي يعيش في المجتمعات المتأخره.وأن المجتمعات المتحضرة تنمو فيها ثقافة تشجع على سلوك التسامح والتعاون والايثار،فيما تنمو في المجتمعات النامية ثقافة تشجع على العدوان،ولك ان تلحظ هذا في المجتمعات العربية وفي المجتمع العراقي تحديدا.

وطبقا لتدني المستوى الحضاري للمجتمع وشيوع المعتقدات المتخلفة، فأن اسقاطات العدوان لدى الفرد في المجتمع المتخلف تأخذ وسائل عديدة في ظهورها، كاتهام الفرد الذهاني غيره بمحاولات تسميمه او عمل السحر ضده. ولقد وجدنا في مستشفى الرشاد (الشماعية) اكثر من حالة بينها رجل بعمر الثلاثين قتل امه! متهما اياها بأنها تحاول تسميمه..فضلا عن ازدهار ثقافة العرافين والعرافات..ليس شعبيا فقط،بل وفضائيا ايضا!.

وهنالك فرق بين العدوان الاكتئابي والعدوان الذهاني. فعلّة المكتئب انه يعاني من حاجة وعوز الى حب الآخرين له، وأنه يعتبر نفسه مسؤولا عن هذا الفقدان، فيقوم بتوجيه العدوان نحو ذاته ليعاقبها، فيما اخفاق الذهاني في اقامة علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين، يدفعه الى توجيه العدوان نحوهم، معتبرا انهم هم السبب وليس هو في هذا الاخفاق. ولا يكون العدوان هنا جسديا بالضرورة، بل سلوكيا وفكريا، من قبيل اللامبالاة والغرور والكبرياء والتوجس وتسفيه الآخرين.

غير ان اخطر ما يتصف به الذهاني هو حساسيته المفرطة للنقد، لأنه يعتبر اي نقد يوجه له..من قبيل الاذلال والاهانة..بل انه قد يهول تصرفا بسيطا من آخر يختلف معه في الرأي، ويعطيه حجما من الخطورة يجعل الرد عليه بعنف امرا واجبا.

اليس هذا ما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية..العدوانية؟!.

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2233 الاربعاء 03 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم