تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

شعرية الأنوثة وقصيدة الجسد .. معضلة أم حياة / بشرى البستاني

والمبدع جلال الجاف - مع الشاعرة المتألقة جوزيه حلو بلغتها الشفيفة والتماعاتها الجمالية الخلابة، وما دار في الحوار من رؤى عميقة وآراء موضوعية منصفة وخطرات فنية متنوعة بين الشعري والفقهي والمعرفي والسلطوي والثقافي، خطرت لي عجائب كثيرة في وطننا العربي وفي القائمين على الثقافة العربية المبتلاة بأغلال وقيود لا تملك اشتراطاتها، من هذه العجائب موضوعة الكتابة عن الجسد اليوم وما كان بالأمس، والأمس ليس قبل عقود أو قرن أو قرنين، بل قبل ما يزيد على ستة عشر قرنا من امرئ القيس وبعده عمر بن أبي ربيعة الذين صرحا بمغامراتهما التي ما ز لنا ندرسها وندرّسها لطلبتنا دون حرج، إلى شعر العصر العباسي وما فيه من تلاوين جسدية وإشارات جنسية وحتى مثلية وإن كان معظمها غير مرو ٍ روايات شاملة، إلى الشعر الأندلسي، ورحم الله ولادة بنت المستكفي:

وأمكنُ عاشقي من صحن خدي //   وأعطي قبلتي من يشتهيها

إلى القرن الحادي والعشرين حيث صار الجسد التابو المحرم، والموضوع الآثم، والخطيئة التي يجب التبرأ منها، وصارت أدلجة الدين وليس الدين الحق سيفا مصلتا على الأقلام والأفواه إلا ما يدور همسا، وصارت الأديبة التي تكتب عن الجسد فدائية نخشى عليها الهلاك، وعلى أسرتها ورجالها انحناء الرؤوس، ونسي القامعون أننا إذ نكتب عن الجسد إنما يعني أننا نكتب عن الحياة وعن الأسس البنيوية للانسان وعن كينونته التي بها يتشكل فضاء الحياة من حولنا، وإذ نكتب عن الجسد إنما نكتب عن الديمومة، والديمونة ليست تناسلا بل تواصلا، لأن التناسل غريزة مشتركة بين المخلوقات الحيوانية والنباتية جميعا، الديمومة وعي بالعلاقة التي تخصب الانسجام وترعى التواؤم والتوازن وتدرأ العنف والصدامات، العلاقة سمة إنسانية تميزها عن المسافة القائمة بين الأشياء، وإذ نكتب عن الجسد إنما نكتب عنه وهو يتوجه للأخر ليس عبثا بالحياة ولا لهوا بها، بل تبديدا للوحشة وخلاصا من العزلة وملاذا من الاغتراب وحاجة إنسانية راقية تهدف إلى إشاعة الجمال والألفة في الوجود، وإلى إضرام عبير النشوة والسمو إعلاء لشأن الروح، فمن جسدنا يبدأ العالم، وفيه ينتهي ولكن بداخله ومن خارجه تنهض الملاذات، بأجسادنا نسج الزمنُ كينونته وكُتبت التواريخ واشتعلت الحروب والأحداث، وبأجسادنا تواصلت البشرية وبها كان التواصل، وفيها تكمن النهاية حيث يترصد بنا الموت، بأجسادنا نلامس الأشياء ونبصر تفاصيل العالم ونشكل الفن والجمال، وبأجسادنا وإدراكنا تتشكل علاقاتنا الإنسانية وصداقاتنا الرَّاقية، ولذلك فان أي علاقة إنسانية لا يمكن لها أن تكتمل وتتفاعل وتصل حدَّ النّضج والاكتمال الإنساني إلا باللقاءات الحميمة والملامسة، بالنظرة السّيميائية والإشارات الموحية والتَّعاطف النَّبيل ولذلك كانت العلاقات الأسرية والصداقات الدائمة القائمة على لقاءات الود والمؤازرة والإيثار والمحبة. إن حيوية الحركة الجسدية ومشاعرها هي أكثر العلاقات حميمية ؛ فجسد الإنسان عموماً نبع وملاذ ؛ فالجسد وحده القادر على التعبيـر عن محمولاتنا النَّفسية والدَّلالية والجمالية والحضارية، من خلال سلوكنا وتعاملنا مع الآخر، من طرائق حواراتنا وأساليب حركتنا وأشكال الأدوات التي نُوظفها في قضاء احتياجاتنا وتأثيث حياتنا وبيوتنا وتحقيق أهدافنا وعلاقاتنا الإنسانية، ومن الوسائل التي نتوسل بها إلى غاياتنا، وذوو الرؤى وحدهم الذين يحرصون على انتقاء كل ذلك تحقيقاً لانطولوجيا الذَّات التي ترفض انسيابها في العدم، وتأبى الذَّوبان المجاني في ضوضاء الجموع.

إنَّ جسد المرأة حاضن الثّمر وحديقة البهاء، إنَّه الأرض الخصبة حلم الإنسان عبـر التَّاريخ في كل أرجاء العالم ومأمله إلى يوم الدّين، وسلة خبـزه وسلواه وأمنه، فكيف يكون الحديث عن هذا التَّشكيل الحي البَّارع محرماً:

وأنتَ......

ترسمُ لي خريطة الوجود وتعلمني إشاراتِه..

تفتح أنهارَهُ وأسرارَهُ

ومواجعَهُ وملاعبَهُ....

وتُدخلني معك في الرحمة..

حيث لا تبدأ بالأضلاع كأوَّل الخلقْ....

بل من بلاغة الأصابعْ...

اذ أكتشف كفّي فساعدي فصدري.

وتحتَ كل همسةٍ ينهضُ عضوٌ جديدٌ

حتى يتشكلَ الجسد...

بهياً، ومغتسلا بالنيـرانْ..

 

 

(الحب 2003، البستاني)

 

إذاً، لهذا النَّوع من التَّواصل أهدافٌ كونية، إنسانية، وجودية هي مقاومة الوحشة والاغتـراب، ودحض الانفصال وعذاباته سعياً للاندماج بالكل، وليس مجرد مُتعة زائلة بين مخلوقين، انه تواصل يفتح أبواب الكون للخصب ويلمُّ بعثـرة العالم من فوضاها وشتاتها، من اجل تماسكٍ يوقف الانهيارات المُمضة التي يكابد منها إنسان العصر الرَّاهن أبشع مكابدة وليشيع في الأرض السَّلام والأمن المفقودين، تواصلٌ يُحرر الإنسان من حزنه وأوجاعه وعذابات تشرده وعتمة روحه ليغسل بالبهجة والضوء اغترابه الأليم.

ولعل من الموضوعية القول ان معظم الثقافات الإنسانية قد تعاملت مع الجسد الأنثوي عبر العصور بارتياب سواء باسم الأديان او الأعراف، لكن لابد من التأكيد أن الجسد الحر المتحرر من القهر والقيد من شأنه أن يتعامل مع الوجود بلغة تمتاز عن اللغة الاعتيادية بتفردها وعنفوانها.

إن الكتابة عن الجسد وطبائعه وتوجهاته وان كانت محظورة اليوم أو شبه محرمة من قبل السلطة الثَّقافية والدينية والمجتمعية لأسباب استلابية شتى إلا أن الثَّقافة العربية الإسلامية قد عرفت عبر القرون السبعة من حضورها الحضاري ألوانا من الكتابة عن الجسد والجنس بأقلام كبار الفقهاء والعلماء والمفسرين والمتصوفة والنقاد أمثال السيوطي و الجاحظ والصميـري والنفراوي والتيفاشي وابن حزم الأندلسي وغيـرهم، كما عرفت في شعر الشِّعراء ولا سيما المتصوفة أجمل النّصوص وأرقاها، لكن هذه الكتابات لم تحظ بالاهتمام النَّقدي وبالدرس الَّذي تستحق لتؤكد أن اللغة العربية وأدبها قادران على استيعاب فعل الجسد واحتواء نبضه وهواجسه وخلجاته وشموليته في التماس مع العالم والأشياء. إن الجسد ولاسيما الأنثوي كان في ظل الانفتاح الحضاري الإسلامي يتمتع بحضوره انطلاقا من موقف متفهم لحقيقة الدين، ذلك أن الجسد ليس ملكا لأحد، ليس ملك الرَّجل ولا المرأة ولا ملك السُّلطة السِّياسية التي أعطت نفسها حق تعذيبه وممارسة العنف عليه بالعمل الشَّاق او التَّعذيب، أو بتغييبه وتصفيته، بل هو ملك الله الَّذي كرمه سبحانه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ.. الإسراء:70) (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.. التين: 4...)، ولذلك يتوجَّب على الناس والسَّاسة والفقهاء والمفكرين والمتنفذين بالأمر احترامه ورعايته وصونه وتأمين حقوقه بكل ما هو جليل، وليس احتكاره وسجنه أو ابتذاله واستغلاله والتهافت عليه، بينما يصيب الجسد الأنثوي اليوم قهرٌ سياسي واستغلال إعلامي وثقافي واقتصادي واجتماعي، ولا سيما في حقول الدعاية والإعلان والإعلام، أما في الأدب العربي الحديث فكثيـراً ما يضيع جسد المرأة في القصص والروايات بين التهشيم والتهميش، التهشيم حين يكون عرضة للانتهاكات والسجن والعنف والتسخيـر لأدلجة المؤدلجين أو مرمى للشهوات، فهي جسد بلا روح حينما لا يحسب لمشاعرها وقرارها اي حساب محكومة بالأعراف العشائرية وأعباء التَّخلف، ويصل العنف قمته إذ يمارس ضدها الوأد المعاصر بأشكال شتى، وحيث يسري عليها التهميش حينما تظل ضمن ممتلكات الذكور ووصايتهم. وقليل منهن هو النموذج المتماسك الَّذي يمتلك قراره ويدافع عن هذا القرار بوعي ومسؤولية وإرادة.

إن المبدعة العربية باعتقادي وحتى هذه اللحظة لم تستطع -عموماً- أن تبوح بما تحس مضطرة على الصمت غيـر مختارة، ولا هي عبـرت عن مكنونات هواجسها فيما يخص جسدها، ولا كتبت عن آلامها فيه، خوفا ممن وما حولها من سلطة الحجب، فضلاً عن أن معظم أعضائها مغيبة في شعرها إلا فيما ندر، بل على العكس قد تتحول أعضاء جسدها الجمالية إلى فضاء للتعبيـر عن الألم والحزن الناتجين عن الحرمان من الحياة بكل مجالاتها، وعن سوء الواقع، وحجر الكلمة وغياب الحرية المشروعة، وفقدان الفضاءات المتاحة للرجل، ولعل ذلك عائد - فضلاً عن الحجر الأسري - إلى القهر السّياسي الَّذي يسعى دوماً إلى الحفاظ على منظومات التَّخلف لإدامة الجهل والأمية الأبجدية والحضارية التي تؤمّن وجوده وتديم استمراريته، وإلى قسوة ردود الأفعال المجتمعية المحيطة بالمرأة العربية وهيمنة القيم القبلية والأعراف التي ما زالت تسيطر على الحياة بمجملها، فضلا عن تخلف القوانين المتعلقة بالمرأة وعملها الاقتصادي وفقدان المرونة في منحها حرية اختيار زمن عملها وفي إطلاق إجازاتها التي تتطلبها الأمومة، وضياع حقها في اعتبار العمل المنزلي مهنة تثاب عليها من قبل الدَّولة كما يحصل في الدُّول والقوانين التَّقدمية المنصفة في العالم المُتحضر، كل ذلك يمنعها من ممارسة حقها في التأمل والتفكير بحقوقها في الحياة وفي أهمية التعبير عن ذاتها ومشاعرها، يُضاف لذلك قضية خطرة هي العمل على أدلجة الدين في وطننا العربي والعالم، والانعطاف به عن رحابته وإنسانيته وانفتاحه نحو أصولية ضيقة شكلت سلطة حواجز معيقة أمام المرأة بالذَّات وعملت على تضييق فضاء حريتها وانحسار حقوقها الشَّخصية انطلاقا من كونها المسؤولة الأولى ليس عن شرفها وفعلها حسب، بل هي المسؤولة كليا عن شرف عائلتها وعشيـرتها ومن تبعهم إلى يوم الدين، متناسين أن قيمة الشرف تعني النبل، وأن الرجل مسؤول عن سلامة هذه القيمة مسؤولية المرأة تماما ؛ من هنا كثيـراً ما تغيب أحاسيس المرأة  وقضاياها الشَّخصية والنَّفسية ووجعها الأنثوي عن شعرها، فالمرأة تعاني الألم مثلا في الحمل تسعة أشهر وفي المخاض والولادة، تعانيه في دورتها الشهرية منذ طفولتها البريئة، قبل الدورة وخلالها وبعدها ولدى انقطاعها، إنها تعيش حالة من اللبس المشوب بالرعب والخوف، فمن أين يتسرب هذا الدم من جسدها، أهو جروح وطعنات داخلية مغيبة، أم هو مرض لا تدرك سرّه، أم اغتصاب خفيٌّ يحدث في الظلام وتداري هي مرغمة آثاره، أم هو اغتيال لجنين لم يتشكل، وهي مطالبة بكتمان كل ذلك الوجع وتلك المشاعر لانه ليس من التهذيب في مجتمعنا الإعلان عن أي شيء مما تحس في هذا الموضوع، ويتكرر الأمر ويتكرر الصمت، كما نجد الصمت حاضرا عبر معاناتها في علاقاتها الأسرية وإشكاليات أمومتها مما لا يزال يشكل في شعر المرأة العربية فراغا في هذا الجانب.

إن قضية الوعي بالجسد على أنه كيانٌ متواشج بكل أعضائه وأجزائه وجهازه الإدراكي، وأنه وعيٌ متعين، لهي قضية مهمة لإطلاق قدراته وتحريـر الطاقة التي يمتلكها لتخرج من القوة إلى الفعل، ومن الفردية إلى الانتماء، فالجسد إشارة حضورنا في العالم، وهذا الحضور إن لم يمتلك ديناميكيته الفاعلة فإن إنسانيته سيبقى جزء كبيـر منها معطلا، ولذلك لا يبقى معنى للجسد بعيدا عن القيم، فالجسد في ظل القيمة يُشكّل كونا مكثفا تربطه وشائج التواصل مع الكون الأكبر ليظل الإنسان مندمجا بالعالم، ومنتميا للإنسان.

إن التَّطرف الديني الَّذي تعيشه أوطاننا اليوم والذي ينظر إلى جسد الأنثى نظرة متداخلة بالخطيئة ليس هو من الدين القيّم في شئ، وان المهيمن في أوطاننا للأسف ليس هو الدين الحقّ بل العرف، ولا هو التسامح وسعة الرؤيا وروح العدل والعدالة بل التأزم والتوتر، مع أن من رحمة الله سبحانه أن الإباحة في الإسلام هي الأصل بينما المحرم مقيد ومحصور في امور محددة، ومن أكبـر مظاهر الرحمة على البشر أجمعين هو التوحيد الخالص لانه تشريف للأنسان بعلاقة مباشرة مع الله وحده، لا وسائط ولا حواجز ولا زلفى ولا قبور ولا مراقد، بل توجه خالص في الشدة وفي الذَّنب والمحن، وفي التَّوبة إلى الرَّحيم الَّذي ظل يدعو الإنسان اليه فاتحاً الأبواب مُحذراً من اليأس والقنوط (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا.... الزمر: 53) (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...غافر: 60) (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ.. النمل: 62) واضعا للبشرية قاعدة بالغة العظمة والجلال والوضوح، من خلال ميـزان فذّ في القانون الإلهي والمغفرة والعقاب، ميزانٍ غفل أو تغافل عنه المتطرفون بقصد أو بغياب الفهم الحقيقي: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.. القصص: 83) فالمقصود بالدار الآخرة –الجنة- حسب أكثـر المفسرين، وتجنب العلو والتكبر على الناس والفساد بينهم إنما يعني بإيجاز مدهش ريادة الإنسانية الرحبة والمسؤولية النبيلة عنها والعمل على إعمار الأرض وبناء الحياة، وتجنب القسر واحترام الآخر ورصانة الخُلق التي تحتّم تجنب الظلم والاستعلاء - والدعوةُ هنا صريحةٌ للحكام والمتنفذين ممثلا لهم بقارون في الآية الكريمة- فالله سبحانه غنيٌّ عن الدين، إنما أرسل الأديان جميعا لمصلحة البشرية وعلاج مشاكلها وإشاعة الخيـر والمحبة والانسجام بين الناس بما يوفر لهم الأمن الروحي ويحفظ حقوقهم ويحمي كرامتهم ومصالحهم جميعا ويوفر لهم السلام والملاذ لا ليملأ حياتهم بالرعب من العقوبات على كل صغيـرة أو غفلة. إن الإيمان بالله لم يكن لمجرد أداء ممارسات تحولت عند كثيـر من الناس إلى عادات نمطية أو حفظ وترديد سلسلة من ألوان الثواب والعقاب على أهمية وعي الحقوق والواجبات، بل هو أهم من ذلك وأعمق أثرا ودلالات، فحضور الله سبحانه في أرواحنا وفي حياتنا وسلوكنا ووجودنا هو الَّذي يضفي على الحياة معناها وعلى الكون دلالته، بدون هذا المعنى تتحول الحياة إلى عبث لا يستحق أن يُعاش، إن هذه المنطلقات الخيـرة بحاجة لثورة ثقافية شاملة تضع الفكر الديني موضع السُّؤال لتعمل على تحريـره من قيود المذهبية الضيقة والطائفية الشرسة والآثمة ومن التشكلات التَّاريخية العتيقة التي حولته إلى قوالب جاهزة ومتحجرة وتقليدية، لترقى به نحو مستواه الأسمى والأكثر انفتاحا في معالجة إشكاليات الإنسان والحياة، فضلا عن ضرورة وضع الدين والآيات المتشابهة موضع التأويل الدائم مادمنا نؤمن أن أحكام القرآن صالحة لكل العصور والأمكنة، وما دامت العصور والأمكنة هي الإنسان، والإنسان يتطور، فانه في تطوره يحتاج لتطويـر قوانين الحياة من حوله. إن التطرف الديني يشكل اليوم خطرا لا بد من معالجته لأن في هذه المعالجة يكمن حلُّ الاحتقانات النفسية الخطرة التي يعيشها إنساننا بتوتر مأزوم، والتي أدت وستؤدي إلى انفجارات تهدد مجتمعاتنا وأمتنا لان اي توتر حالما يزيد عن حده يبحث عن اي ثغرة لينفجر بعنف سواء اتصفت تلك الثغرة بالموضوعية أم لا، وسواء أكانت داخلية أم خارجية، وسوف لن يتفكك هذا التأزم ليزول العنف إلا بوضع المعالجات الكفيلة بفتح أبواب الفهم والانفتاح والسماحة والحب والتسامح والسمو على التحديدات الضيقة التي رسمت باسم الدين ظلما أو جهلا أو ذريعة ومصالح .

إن التعبير عن أنوثة المرأة شعرا وفنا ونقدا هو حق من حقوقها مادام الخالق هو الذي منحها هذه الأحاسيس وتلك المشاعر ، وما دام جسدها نابضا بالحياة كجسد الرجل تماما، لكن شراسة الأعراف وتطرف البؤر التي صنعتها قوى ذات أهداف مصلحية أبعد ما تكون عن الدين ومنظومات القيم الإنسانية هي التي تقف بالمرصاد لكل إشراقة حق، ولذلك تحتاج هذه القضية العادلة ككل قضايا الحرية إلى تضحيات نوعية ومؤازرة حقة من قبل النخب والثوار  والنبلاء وكل عشاق الحياة ؛ لا سيما وأن قصيدة الجسد العربية عموما لا تذهب للحواس قدر ذهابها للروح، ولا تطرق الغريزة قدر الفوح بعبير النشوة، شأنها في ذلك شأن الشعر الصوفي الذي يجعل من الحب وطلاقته وشجوه طريقا إلى الذات العلية حيث يتم الخلاص من سجن القيود والحدود وضيق المحدود .

 

للاطلاع

نص وحوار: مع الشاعرة القديرة جوزيه حلو ونصها "أتظن أنني كل النساء؟" / ميادة ابو شنب

9 - 9 -2012

في المثقف اليوم