قضايا وآراء

أثر اللون والعلامات الفلسفية في المجموعة الشعرية: ساعة يلمع الماس – وما يتعطل من الاسئلة – ويختفي في القرى / ابراهيم داود الجنابي

ما هو مكنون ومضمر في الذاكرة الحافظة وفي كلا الحالتين يرافق تلك الولادة ويؤازرها مجموعة كبيرة من المعطيات التي تتوافق وتتماثل مع ذلك الانجاز الذي نطلق عليه شعرا أو قصا أو رواية .... الخ من الأساليب الكتابية الأخرى وتلك المعطيات تتمثل بالمعطى البيئي والسيكولوجي والتلاقح والتأثر بما هو خارجي وقريب، لكن  البيئة تبدو هي العامل الاكثر حضورا و تأثرا وتأثيرا بوصفها الحيز الاكثر تشعبا والتصاقا وتقاربا مع كل الادوات التي تمثل الواقع الذي يمكن اعتباره الذخيرة التي لا تنضب كونها حبلى بكل الاشكال الحياتية التي يستمد منها الكاتب ابداعه،  فالبيئة بألوانها وتأثيراتها النفسية وخصوصيتها وخصوبة العوامل الاخرى التي تدور بفلكها كالعامل الاجتماعي الذي يمكن وصفه الاكثر عمقا وإيغالا والدافع المهم للكتابة، وإذا ما استعرضنا تشكلات البيئة فسنحتاج الى مساحات اوسع لا يفاء ما ذهبنا اليه وتأثيراتها على المنتج الابداعي  وهذا ما يلمس في اغلب ما نقرأ من منجزات ابداعية على كل الاصعدة التي ذكرنا، ولان الكتابة جزء من الثقافة،  لذلك يعرف (لاورس) الفرنسي الثقافة على انها (مجموع النظم الاجتماعية والمظاهر الفنية والدينية والفكرية التي تتميز بها وتحدد بها مجموعة أو مجتمع بالنسبة للآخر) من هنا نرى ان البيئة وألوانها  رسمت لنا نياسم الوصول الى عتبات المجموعة الشعرية الصادرة عن دار رند للطباعة والنشر والتوزيع /دمشق 2011.للشاعر  عمار المسعودي ومن العتبة الاولى التي  تباينت بين العنونة واللون في غلاف المجموعة ما يجعلنا ازاء معطيات متعددة،  المعطى الاول: هو العناوين الثلاثة التي تصدرت الغلاف والتي تحيلك الى  ثلاث مجاميع شعرية عناوينها (ساعة يلمع الماس – وما يتعطل من الاسئلة –ويختفي في القرى) وهذا ما اكده الهامش الذي ذيل اخر نص في المجموعة الاولى  ص 66 والذي يقول ان قصائد هذه المجموعة كتبت بين عامي 1995 وعام 1996 وبألوان توحي دلالاتها الى هرمونية ترسم افاقا و فضاءات  المتن والمعطى الثاني تمثل في العلامات الفلسفية التي اكدتها اسئلة النص اما المعطى الثالث الذي انحسر في ميدان البيئة الحبلى بكل الافرازات القيمية  والإرهاصات اللونية التي بدت في خريطة النصوص ذا تأثير واضح في ايقاعاتها وبصماتها على مساحات واسعة من تلك الخريطة الشعرية

 

المعطى الاول

الالوان تكاد تكون العامل المشترك الاكثر خصوبة في حيثيات النصوص التي حفلت بها المجموعة موضوع الدراسة فالعناوين الثلاثة التي تصدرت الغلاف  جاءت بثلاث الوان توالدية كل منها يدعو الى  الفضاء الذي تبنى  بدلالاته الحاضرة رمزيته واشاراته الخاصة وهي كالآتي البنفسجي، والأخضر المزرق،  والأزرق... فالبنفسجي الذي يعرف انه اللون الدافئ الذي يبارك فضاء الفرح والبهجة وهذا ما يتلمس في العنوان الاول (ساعة يلمع الماس)الذي يشي للمتلقي انها نقطة الانطلاق فالفعل المضارع (يلمع) الذي يحمل حركية متقدة تؤكد ان المشوار  الدافئ يحمل خاصية الفرح والانطلاق نحو فضاء بعيد عن اليات الحزن في حين نجد النص   بالعنونة ذاتها  والذي جاء في الترتيب اخر نصوص المجموعة ص 61 يوحي لنا بان?الصورة اللونية قد تخضع في بعض الأحيان لامتزاج أكثر من  قيمة لونية واحدة،  على سبيل التوافق والانسجام او على سبيل التضاد ?لذلك نقرأ في مستهل النص تضادية واضحة بين عتبة العنونة وثيمة المتن

?2يدفع النافذة  / يسحب فراغ المتعة / يتمتم :الغرفة غريق ظالم /تتهاوى كل هذه النبوءات /لم تعطشت خلف ماء الورد /لم لمت انوثة الشرق /هذه السلالة طير رماد اسود ?

لكن هذه التضادية تحيلك الى مبدأ الاختلاف والتشاكل، فالإحالة الاولى تجعلنا وتحيلنا الى حيث المتعة التي يشي لنا بها مستهل النص لكنه يفاجئ المتلقي بـ (الغرفة غريق ظالم) وعطش خلف ماء الورد   ليتضح لنا سلوك المعادلة الشعرية التي تنبيء عن هواجس تصادمية  تحاول الجمع بين الشيء وضده لا بين الشيء وشكله وهذا الامر مدعاة احالة اخرى الى منطقة (المشاكلة والاختلاف) الذي ينطلق من اتون الواقع لكنه (اي النص) لن يكون ابداعيا ما لم يتخلى عن فكرة التطابق والمشاكلة *3وفي مقابل هذا نجد مفهوما  اخرا يزاحم مفهوم الاختلاف ويسابقه في التصور وفي الانشاء وهو مفهوم المشاكلة الذي ساد لدى عديدا من الدارسين وهو يهدف الى جعل الابداع نظاما انضباطيا يتشاكل مع النص بوصفة لغة ومع الاشياء بوصفها واقعا مقررا  سلفا،  ولو شاكل  النص الواقع لتحول الى وثيقة تاريخية ووصفية الى حد ما وتخلى عن شكله ومقامه الابداعي  وهنا نجد الشاعر ينفلت من مصائد الواقع بمفردة وجملة تنطلق من فوهة الواقع وتذهب الى حيث التجانس مع مردودات اخرى تصل الى حد الطرد المركزي عن نواة القصدية وترتبط باواصر غير تراتيبة مع مؤشر غير مستقر حيث نقرأللشاعر  في ص 82 من نص (تنفر من الظلمة)*4

دمعي سوادي /وانا اول الدمعة /ولي زمن لا اسميه فيها /تبدا بارتعاشي .. ولا تنكس /الا مالحة في فمي

العالم دمعة وهذه الافلاك فيها /من يحسب ان لي جهة /وأتكاثر في حوصلة /حقولي يسورها امل ولا احمل المفاتيح لفضّه/امراتي تنفر من ظلمتي الى نورها 

 

المعطى الثاني

الافق البصري الذي كان حاضرا يرسم لنا ادوات التشكل من خلال ثنائيات اللون /الاسئلة،،  البيئة / الاسئلة،، المرأة /الاسئلة، الحرب /الاسئلة،، كل هذه الثنائيات التي ذكرنا ولم نذكر كانت فعلا بناءا لفلسفة اللون وفلسفة كونية تبحث عن اجابات عن كل التساؤلات  الملغّمة في اتون النصوص التي حفل بها الكتاب ولا نقول المجموعة لاننا في فضاء ثلاث مجاميع شعرية كما اسلفنا في المقدمة ليعكس للمتلقي المراوغة اللغوية والمعرفية والتساؤلية في الخوض بغمار تلك التجربة الابداعية التي عبّرت عن عمق التماسات والتجانسات بين الكلمة واللون وحوارها الفلسفي بحثا عن اجابات وكيانات عن اسئلة باتت مضمرة تارة وظاهرة للعيان تارة اخرى لتؤسس لمحة ورؤيا لأوسع فضاء تناولته النصوص لالتقاط نواة الانشطارات السايكلوجية التي كانت الشاغل لهواجس الشاعر في البحث والتقصي واستحضار واقتناص الاجابات وصولا الى منظومة الوعي الحقيقي والمتكامل  من اجل ترسيخ مقاصد معرفية .. ففي نص خارج الاثر ص14 نقرأ

*5(....... اذن وكيف بلا حفاوات /نشرت كفوفا ...

لا تحفل بالنجوم /كيف وبلا شمس ../قلت لي صيفا مهما / كيف وبلا نظر .. ارخت في الليل سوادك

حسبتك في اخر الرتل /تجمع نجوما .. تسقط سهوا )

من بين ايادي الجنود/تزيل اصابع القرية /اهمال طفل .. وخز بالسر بطن فراشة حالمة

وتكون الاجابات حاضرة ولو بجزئية من جبل الاسئلة الذي اثقل كاهل الشاعر وجعله في خضم البحث ليقول لنا كما يذكر المذهب الفلسفي التفكيكي إلى القول( باستحالة الوصول إلى فهم متكامل أو على الأقل متماسك للنص أيا كان),

(اذن وجهك وجهي /اذن في اخر الرتل /ولا تعني شيئا للريح) 

 

المعطى الثالث

البيئة بحضورها الشره في كل مواقيت المسافات والشجر والماء والقرى وووووو.الخ كان لها ضربا على كل الاوتار اللونية والفلسفية التي تقافزت على جسد النصوص بتلقائية غير متكلفة ابرزت الفعاليات الشعرية للشاعر عبر ايغال في مصافي ودائع مكتنزة برؤى غير تقليدية اتاحت للمفردة وللجملة الشعرية ان تكون فاعلة بفعل التواجد الروحي غير المتصنع لا بل اكدت حضورا فاعلا ومنتجا ورسما لكل الخطوط البيانية للبيئة المؤثرة التي دونت شعريا بطريقة تشي لنا عن اجادة فاعلة في هذا المنوال فرسمت لنا الخطوات بكل توصيفاتها  المنفعلة التي تجانست مع المنجز من خلال تدمير البنى الخارجية للبيئة وصولا الى واقعية جديدة  تحمل بعض جينات سابقتها بأطر اخرى لتؤكد لنا اننا ازاء شاعرية وملكة شعرية تمكنت من رسم خطوط الطول والعرض لكل ايقونات الحياة بتمرس وإجادة  ففي نص (ما يلذّ من السلوى ) ص138 نقرأ

*6خذ من الغروب انحناءه /وامض الى الليل بقامتك

اطلق صوب الاشجار علاماتك /كي تنام العصافير خارج مناقيرها

كي يأتيك الليل دون احلامه/تأتيك العرائس غارقة بالسواد / من اراملك

........... خذ البئر واترك مياه وغيومه/ حتى ترقبك القرى الدائرات حولك / اخا صائما اخر يشقى)

خلاصة القول  ان الشاعر عمار المسعودي استطاع من خلال الرؤى الشعرية التي تبناها احالتنا الى حيث الاشارات المؤجلة لأنه ابتعد عن المعاني الحرفية في سلوك سيميائي تشخيصي ليجعلنا ازاء تذوق لطعم التأجيل في كل هذه التساؤلات وهذا ما يحيلنا الى *7بلاغة تؤجل المنطق وتفتح احتمالات عديدة جدا لانحراف الاشارة . ومن هذا المنطلق نؤشر ونقول هنا تنزاح الكتابة صوب اجنحة متعددة،،  جناح  فلسفة النص وفلسفة اللون وأسئلة النص، وعلاماته وهذا ما يحيلنا الى العنونة التي باتت مرتكزا فاعلا تدخل كثيرا في كل المعطيات انفة الذكر بسلوكها اللوني والتكويني وأدواتها الفاعلة التي نشطها الشاعر باتجاه قصديات متعددة وهذا ما يحسب للشاعر لأنه تمكن من التوصل الى الخلاصات اللونية التي اشرت حضورها في نصوصه ومن خلال كل الفعاليات  التي استطاعت سلب لب المتلقي لا بل جره الى الساحة التي يرغب وتلك هي الممهدات الفلسفية التي تحاول وتحاور وتجيب على كل التوقعات

 

..............

المصادر

*1المتخيل الشعري .. محمد صابر عبيد

*2ألمجموعة الشعرية موضوع الدراسة للشاعر عمار المسعودي

*3 المشاكلة والاختلاف .. عبد الله  الغذامي

*4 المجموعة الشعرية .. عمار المسعودي

*5 نفس المصدر

*6 نفس المصدر

*7المعنى الادبي / رولان بارت هدم التاريخ تأجيل الذات  ص191

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2237 الأحد 07 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم