قضايا وآراء

ميكانيكا الكم / مسلم السرداح

 

ما هو الكم: هو عبارة عن قيمة رقمية محددة بثابت، تشبه الى حد بعيد العملة الوطنية الاساسية لكل دولة.

ميكانيكا الكم: هي نظريّة فيزيائية أساسية، تنظر للاجسام باعتبارها ذات طبيعة مزدوجة مادية موجية. وان كل جسم مادي متحرك يصدر موجات خاصة يعتمد مقدارها على سرعة ذلك الجسم . وللتبسيط نقول لو ان شخصا من الاشخاص كان يمشي فان موجة معينة سوف تصدر عنه، وعندما يقوم ذلك الشخص بالركض فان موجة اقصر من الاولى ستصدر عن جسمه .

وجاءت نظرية الكم، كتصحيح لنظريات نيوتن الميكانيكية  الكلاسيكية التي كانت تاخذ بعين الاعتبار الطبيعة المادية المنفردة للاجسام .ونظرية نيوتن بنظامها الرياضي المبسط والقديم نسبيا كنظام حسابي بسيط . وحين يتم تطبيقها على الجسيمات الصغيرة الذرية وما تحت الذرية نراها تبدو خاطئة ولكنها حين تطبق على الاجسام الكبيرة الكتلة كالانسان والسيارة نراها صحيحة ومقبولة ولاجدال فيها . ويعود السبب الى ان الاجسام الكبيرة تمتلك سرعات صغيرة واعتيادية نسبة الى كتلها الكبيرة .اما الاجسام الذرية وما تحت الذرية فانها تمتلك سرعات هائلة قياسا الى كتلها الصغيرة جدا .

ولقد جاءت نظرية الكم كحصيلة عامة لتصحيح معظم اخطاء النماذج  المختلفة للذرة .التي جعلت العالم يبدو متحيرا امام ما كان يبدو من هشاشة النظام الكوني للذرة .ودمجها بالحركة الموجية وخاصة على المستوى الذري ودون الذري.

ما معنى كم ؟

وهو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمّية  (لايمكن تجزئتها) يمكن تقسيم الإشياء إليها، كالفلس في العملة العراقية مثلا، اذ لايمكن الحصول على قيمة سالبة للطاقة ولاقيمة عملية مساوية للصفر مثلا او لاجزاءه العشرية .  ويستخدم الثابت في الكم  للإشارة إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع، وليس بشكل مستمر. كثيرا ما يستخدم مصطلحي فيزياء الكم والنظرية الكمية كمرادفات لميكانيكا الكم. وبعض الكتّاب يستخدمون مصطلح ميكانيكا الكموم للإشارة إلى ميكانيكا الكم .

لماذا جاءت  نظرية الكم؟

جاءت  النظرية الكمية "quantum theory"في بدايات القرن العشرين مثلها مثل   النظرية النسبية لحل اشكاليات مطروحة لم تستطع  النظرية الكلاسيكية حلها وبقيت معلقة، ومن تلك الاشكاليات :

1-   كان يتم اعتبار ان شكل الذرة يشبه شكل مجموعتنا الشمسية بتمركز النواة في الوسط ودوران الإلكترونات حولها في مدارات محددة . ولكن الاشكالية تكمن هنا : فيما  لو ان الالكترونات اخذت شحنة زائدة لقفزت بعيدا عن مسارها او لو انها امتلكت طاقة مقدارها صفر لاصطدمت بالنواة ما يؤدي الى انهيار الذرة . وهذا خطا ممكن نظريا وغير ممكن عمليا .

2-    تقول النظرية الكلاسيكية أيضا أن ألوان الطيف الذري يجب أن تغطي جميع الترددات بنفس الشدة، لكن الواقع ينقض ذلك بشدة حيث تبدي الذرات المختلفة أطيافا خاصة تتضمن اصدار امواج ضوئية على ترددات خاصة ومحددة جدا. اي ان النظرية القديمة لاتفسر اختلاف الاطياف الضوئية الصادرة من عنصر دون الاخر .

3-   عندما نتأمل مشكلة " الجسم الأسود ": (وهو جسم افتراضي يمتص كامل الاشعاع الساقط عليه ليعيد اصداره كاملا ايضا) . حيث فشلت كل المحاولات المستندة إلى الفيزياء  الكلاسيكية، في تفسير اشعاع الجسم الأسود خصوصا في الترددات العالية حيث تبدي القوانين المتوقعة انذاك انحرافا كبيرا عن الواقع .

4-    تأتي اشكاليات أخرى  في طبيعة الضوء ففي حين يؤكد نيوتن ان طبيعة الضوء جسيمية (فهو مؤلف من جسيمات صغيرة، وتؤيده في ذلك العديد من التجارب )، نجد أن يونغ يؤكد أن الضوء ذو طبيعة موجية وتؤكد تجارب يونغ حول التداخل الضوئي والحيود  هذه الطبيعة الموجية.

خطوات للحل :

1- ماكس بلانك في عام 1900    اقترح فكرة كبيرة  هدفها التنبؤ بتناقص الأنماط العالية التردد من اشعاع الجسم الأسود بافتراض ان الاهتزازات الكهرومغناطسية تصدر بشكل كمي  أي على شكل كميات محددة وبطريقة متقطعة، حيث يعتبر الكم أصغر مقدار معين من الطاقة يمكن تبادله بين الأجسام وفق تردد معين، وترتبط طاقة الكم بتردد الاشعاع المرافق له :

الطاقة (طاقة الكم) = ثابت  مضروبا في تردد الاشعاع

ثابت أصبح يدعى بثابت بلانك.

2- في عام 1923 اقترح لويس دو بروي أن ينظر إلى جسيمات المادة وذراتها أيضا على انها جسيمات تسلك سلوكا موجيا أحيانا مقترحا معادلة تشابه معادلة بلانك .

3- وضع نيلز بور نظريته الذرية التي لاتسمح للدفع  الزاوي بأخذ قيم سوى المضاعفات الصحيحة  (3,2,1,...) فيها الصورة الجسيمية والصورة الموجية للعناصر الدقيقة بحيث يصعب التمييز بينهما .

4- في عام 1925 قام العالم الألماني هايزنبرغ بتقديم مبدأه في اللاتحديد الذي ينص على عدم قدرتنا على تحديد موضع وسرعة  الجسيمات الكمية بآن واحد وبدقة متناهية.

5- قام هايزنبرغ  بصياغة جبر المصفوفات فيما عرف بعد ذلك بميكانيكا المصفوفات (matrix mechanics) سنة 1926 . اي انه اخترع جهازا (نظاما ) رياضيا جديدا .

6- ظهر شرودنغر بصياغة معادلته الموجية الشهيرة التي تبين علاقة  دالة موجة الجسيم الكمي مع الزمن وعرفت تلك الصياغة بالميكانيك الموجي (wave mechanics )  .

و هكذا ظهرت مستويات للطاقة المستقرة يمكن وضع الالكترونات الدائرة فيها مفسرة ثبات التركيب والخطوط الطيفية للذرات، لكن هذا لم يكن سوى البداية. كانت هذه بداية سلسلة من الضربات التي تلقتها النظرة  الكلاسيكية لتفسير العالم (والتي تحطمت معها كل الصورة الميكانيكية الآلية التي سادت قبل ذلك) اثناء انتصارات فيزياء نيوتن المدوية في الفترة السابقة.

لكن رغم الاختلاف الظاهري العميق بين الصياغتين فان نتائجهما كانت متشابهة اومتطابقة .

7- قام العالم (بول ديراك) بعد ذلك لتوحيدهما في اطار شامل عرف بنظرية التحويل ( transformation theory).

8- أظهرت تجارب " رذرفورد " أن الذرة تتكون من نواة موجبة وإلكترونات سالبة الشحنة، تتحرك حولها.

9- بينت أعمال علماء الذرة حول أطياف الامتصاص والانبعاث أن هذه الأطياف متقطعة وليست مستمرة. هذه الخاصية وجدت تفسيرها الأول فيما يعرف بنموذج بور للذرة.

ماهو نموذج بور ؟

افترض بور: أن الإلكترونات لا يمكنها سوى الحركة في مدارات دائرية (تشبه مدرجات السلّم) يكون فيها الإلكترون مستقرا (أي لا يشع طاقة) وإلا فإنه بعد مرور فترة من الزمن سوف يفقد كل طاقته ويسقط على النواة. وفي حالة سقوطه على النواة فانه سيؤدي الى انهيار كامل النظام الذري بما يشبه سقوط الارض على الشمس او سقوط القمر على الارض .

هذا يعني أن الإلكترون لا يمكنه أن يحتل إلا مستويات طاقة معينة أي أن طاقته هي " طاقة كم ". في حالة أستثارة الذرة فإن الإلكترون سوف ينتقل إلى مستوى طاقة أعلى ثم يعود إلى حالته الأولى مع انبعاث فوتون ذو طاقة مساوية تماما للفرق بين طاقتي المستويين.

الخاصية  الموجية في الميكانيك الكمي

لا تقوم نظرية الميكانيك الكمي بتقديم قياسات دقيقة للخواص الفيزياوية للجسيمات المقاسة بل تعطي احتمالات لجميع القيم التي يمكن أن تأخذها خاصية فيزياوية معينة للجسيم، فالحالة الكمية للجسيم تتضمن احتمالات لخواصه القابلة للقياس : مثل العزم، الموضع، الطاقة، الخ  . فمثلا، لا يعطيك ميكانيك الكم العزم الدقيق لجسيم انما يعطيك  تصورا  لمقدار عزمه باحتمالية  اكبر  من غيرها، وكذا الحال بالنسبة لموضعه  لكنه لا يلغي إمكانية وجوده في أي نقطة من الفراغ المحتمل ويمكنك قول نفس الكلام بخصوص جميع الخواص الأخرى. (اي مثل شخص يقول انه في محافظة البصرة، دون ان يحدد ما اذا كان في العشار ام في شط العرب) .لكن تبقى هناك حالات معينة تتضمن تحديد قيم دقيقة لبعض الخواص، تدعى هذه الحالات بالحالات الخاصة .لنفترض وجود جسيم غير مقيد حر الحركة، مما يعني إمكانية تمثيل حالته الكمية بموجة ذات شكل افتراضي غير معين وتمتد على كامل المكان ندعوها دالّة الموجة. قياسات الجسم في هذه الحالة تتضمن موضعه وعزمه. فلو اننا حصلنا على رقم يشير الى ان موضع الشخص في العشار اكبر احتمالية ممكنة وموضعه في كل الاماكن الاخرى من محافظة البصرة يساوي صفراً . فهذا يعتبر حالة خاصة للموضع (العشار)، يتحدد بها موقع الجسيم بدقة. في الوقت ذاته يجب ألا ننسى أن هذا يتضمن عدم القدرة إطلاقا على تحديد قيمة الخواص الفيزيائية الاخرى، حسب مبدأ " اللاتحديد" لهايزنبرغ . لكن في الحقيقة لا توجد مثل هذه الحالات الخاصة للخواص المقيسة .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2238 الأثنين 08 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم