قضايا وآراء

انتقال السلطة .. المعلومات والثروة والعنف على مشارف القرن الواحد والعشرين / قاسم خضير عباس

ويذكر (الفن توفلر) في كتابه القيم (انتقال السلطة... المعلومات والثروة والعنف على مشارف القرن الواحد والعشرين) بأن: القوة تستمد ديمومتها حالياً من مصادر ثلاث هي (العنف والثروة والمعلومات)، وإنها (قوة محايدة) لكن الشيء المؤثر فيها سلباً وإيجاباً هو طريقة استعمالها، حيث تمتد طريقة الاستعمال هذه إلى أنماط الحياة المختلفة الاجتماعية والسياسية، ويتعدى ذلك أيضاً إلى المجال الدولي. ويعتقد (توفلر) بأن السلطة (القوة) ستنتقل ـ أو انتقلت بالفعل ـ إلى العلاقات الدولية، حينما اعتمد العصر الحالي على (جمع المعلومات) للحصول على مصالح أكبر.

إن تغيّر ملامح (العصر الصناعي) إلى ملامح جديدة، جعلت (توفلر) يذهب إلى الاعتقاد بنشوء عصر جديد أسماه (عصر المعلومات)، خصوصاً وأن طبيعة السلطة (القوة الغربية) تسمح لها بالانتقال الآن على الصعيد الدولي من التعددية إلى الأحادية متمثلة بـ(الولايات المتحدة). فمنذ الحرب العالمية الثانية كان العالم يتوزع بين نظامين (اشتراكي، ورأسمالي)، ولكل نظام طريقته الخاصة لاستقطاب دول لمناصرته. وبعد انتقال (السلطة الدولية) إلى الأحادية أصبح هناك ثورة في أنماط وطريقة استعمال القوة، فلم يعد هذا التوازن السابق في زمن الحرب الباردة قائماً، لهذا يتصور (توفلر) أن مرض السلطة (القوة) لم تكن نتائجه سقوط (الاتحاد السوفيتي) فقط، بل أدى أيضاً إلى ضعف القوة المقابلة، التي بدأ الضعف الاقتصادي يظهر فيها فعلاً، فشركة (جنرال موتورز الأميركية) مثلاً تواجه مصاعب ومشاكل ربما تؤدي إلى تلاشيها كاملاً، وكذلك شركة (آي بي أم) الكمبيوترية، التي كان لها أجهزة كمبيوتر في (أميركا) أكثر مما هو موجود في كل بقاع العالم، لم تعد كما كانت سابقاً بعد أن نافستها شركات متخصصة خارج (الولايات المتحدة)، وقد سرّحت كثيراً من خبرائها وموظفيها. وعليه فإن (أميركا) ليست هي القوة الوحيدة، فبسبب ضعفها الاقتصادي ظهرت دول أخرى تمتلك قوة اقتصادية هائلة مؤهلة من وجهة نظر الغرب للمشاركة في رسم المعالم الجديدة لقيادة العالم!!

ويرى (توفلر) أن ضعف السلطة الحالية اقتصادياً سيؤدي إلى تغيير (المنهج السياسي) وتلاشيه، فقد ظهرت في أوروبا قوة اقتصادية كبيرة تتمثل في (ألمانيا الموحدة)، جعلت الدول الأوروبية تتوحد قبالها في (سوق أوروبي مشترك) متنازلة عن سلطتها الوطنية بعض الشيء. ويؤكد (ألفن توفلر) بأن هذا التغيير في السلطة (القوة) على المستوى المحلي والإقليمي والدولي سيسود العالم بأجمعه!! لأن الغرب يشهد ثورة حقيقية في تغيير شكل السلطة على المستوى العالمي!! وستعتمد أشكال السلطة الجديدة على (المعلومات)، التي سيكون لها الفضل في جمع الثروة، وفي الحصول على السلطة والحفاظ عليها عالمياً، وكذلك في إيجاد (مصالح استراتيجية) جديدة للغرب في منطقة (الشرق الأوسط) مع الحفاظ على المصالح القديمة!! وهكذا يعتقد (توفلر) أن (المعلومات) أصبحت عاملاً مهماً، لأنها حلت محل (الأعمال المادية) سواء كانت أعمالاً يدوية أو عقارات وآلات، خصوصاً بعد أن أصبح (الكمبيوتر والانترنت) مهمين في جمع (المعلومات)، وصنع مواد فائقة الجودة، وهذا برأي (توفلر) سيؤدي إلى تغيير السلطة (القوة) على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لأن المرحلة الجديدة تتميز (باقتصاد المعلومات)، الذي سينمي (الثروة الغربية)، ويحلّ محل الأنظمة الاقتصادية القديمة، وسيؤدي أيضاً إلى خلق صراعات إقليمية ودولية في مناطق عديدة من العالم، فمنذ القدم كان جمع الثروة في الغرب يتم عن طريق (نظام الإقطاع)، وبعد اكتشاف الآلات تغيّرت السياسات، وأدت إلى وجود الاستعمار للحصول على المواد الخام، لهذا سيكون شكل السياسة الغربية الخارجية أكثر مصلحية في (عصر المعلومات) الجديد.

ومثلما هو تفكير المثقفين الغربيين المؤيدين (للعولمة)، يرى (توفلر) ان (العصر الجديد) سيشهد تغييراً كبيراً في العائلة ونظام العمل والدولة والعلاقات الخارجية، مع إرساء (نظام دولي جديد) فيه الكثير من (حرب المعلومات) الوريثة (للحرب الصناعية)، فالمعلومات أو (الثقافة المعلوماتية) كما يقول (توفلر)، هي مصدر غير محدود يعطي الغرب (السلطة الدولية) ومزيداً من (المصالح الاستراتيجية)، والسيطرة على العالم.

ويحصر (توفلر) الموضوع كله في (العوامل الاقتصادية)، ويهمل العوامل الأخرى، حيث اعتمد كلياً على قضايا اقتصادية بحتة في تسميته للعصر الجديد، لأن المصالح هي المتحكمة في السياسة الغربية الخارجية ولا مجال للقضايا الإنسانية فيها، وهذا ما أدى إلى انهزام الغرب أخلاقياً في تعامله مع القضايا الدولية، فمهما تغيّرت أشكال السلطة (القوة) عند الغرب، وتغيّرت نماذجه السياسية الخارجية، سيبقى يبحث عن مصالحه بعيداً عن القيم والأخلاق الإنسانية... ومن هذا المنطلق أعتقد أن (ألفن توفلر) يعتمد في تنظيره على (التكنولوجيا الحديثة والانترنت)، لتشكيل (عصر معلومات جديد) يحاصر الشعوب غير الأوروبية، ويقضي على تطلعاتها نحو الحرية والانعتاق من الارتباط الاقتصادي بالغرب.

إن مثل هذه العقلية، التي تنظم الشؤون الدولية على أساس مصالح طرف واحد، وإلغاء مصالح الطرف الآخر، واغتيال ثقافته وأخلاقه وقيمه، تجعل (الحوار مع الغرب) صعباً، بلحاظ أن (الثقافة الغربية) أدخلت عامل الدين في بحوثها لمهاجمة الإسلام وتشويه مبادئه للوصول إلى أهداف (السياسة الغربية) المتعالية، وهذه الظاهرة يسميها المفكر الفرنسي المرحوم روجيه غارودي في كتابه (الاصوليات) بـ(العلمانية المختلطة) لأنها في بعض المواقع تتلبس بالدين، وتظهر المسلمين وكأنهم خارج التأريخ، وكأنه لم يعد هناك شيء يمكن تعلّمه من هذه الحضارة الميتة!! إن رؤية كهذه تجعل الحوار مستحيلاً ـ نظراً لعدم وجود شيء يمكن تعلّمه من الآخر ـ وتبرر دمج المهاجرين المسلمين غير الماهرين في (الحضارة) الوحيدة الممكنة: حضارة الغرب .

 

الدكتور قاسم خضير عباس

كاتب وخبير قانوني

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2238 الأثنين 08 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم