قضايا وآراء

الرومانسية والعشق .. حالات مرضية / قاسم حسين صالح

وأن عرب الأندلس هم الذين نقلوا الى أوربا قصص وأشعار الحب العذري ليتأثر بها عدد من الشعراء والفرسان .. ويسمى عندهم: الحب الرومانسي.والمدهش أن شباب بني عذرة  كانوا رقيقي القلب، مرهفي الاحساس..يسحرهم كلّ ما هو جميل..يقعون في الحب من أول نظرة..ويعشقون بعنف وصدق..فاذا ما احب أحدهم فانه يتحمل الآلام ويتفانى من أجل محبوبته..وقد يموت من شدة يأسه، وقد تموت الحبيبة ايضا..ويكون قاتله وقاتلها الحب لا غيره!.وفي اوربا أخذ الحب الرومانسي شكلا آخر بأن كرّس الفرسان شعرهم لمدح النبيلات المتزوجات، فصار الحب عندهم منزّها من أي غرض جسدي.ومع أنه حب لا أمل فيه فانه ما كان ينقضي.ولأن مثل هذه العلاقة لا مجال فيها لأن تنتهي بالزواج فان الطاقة المتأججة في نفس صاحبها تبقى تبحث عن هدف بديل..فتجده في التفاني من أجل المحبوب.

وشاع في حينه انموذجان من الحب:عمر بن ابي ربيعة..النرجسي الذي صور نفسه في اشعاره معشوقا تتهافت النساء عليه:

(قالت الكبرى أتعرفن الفتى&قالت الوسطى نعم هذا عمر

قالت الصغرى وقد تيمتها&قد عرفناه وهل يخفى القمر)

وأنموذج جميل بثينة امير الشعر العذري العاشق المتودد:

(ألا تتقين الله فيمن قتلته&فأمسى اليكم خاشع يتضرع)

كان هذا النوع من الحب يغلي على تنور من عاطفة تتدفق نحو امرأة بعينها يكون الوصول اليها مستحيلا.ولأن عاطفة الحب تفور فيه بحدة لهب غابة من الانفعالات، ولأنه لا يكون قادرا على البحث عن  حب جديد، فان دفقات كبيرة من قوته العارمة ترتد لصاحبها فتمنحه، لاشعوريا، المتعة في تعذيب نفسه..يتقبلها وكأنه يجد فيها نوعا من الوفاء الذي يقدمه لحبيبه الذي صار وصاله ممكنا في الأحلام فقط.

ورغم أن الحب الرومانسي تحول بعدئذ من حب السيدة النبيلة الى حب الفتاة العذراء، وتحولت عاطفته  من حالة لا أمل فيها للوصل الى حالة تهدف الى الزواج وتنتهي بالوصل، فانه حافظ على مضمونه النفسي الذي ورثه من الحب العذري، فيما أضاف له علماء النفس ثلاث خصائص: الاستعجال والجاذبية الجسدية والتفكير الخيالي.لكنهم لم يذكروا أن خيبات الحب الرومانسي يمكن ان تودي بصاحبها الى الجنون، لأن مجتمعاتنا  خلت من أحفاد شباب بني عذرة..غير انه قد يصيب بعضهن " وليس بعضهم!" بالاكتئاب الحاد فيودعهن بمصحات المجانين!

ومع ذلك فان الحب الخالي من الرومانسية يكون اشبه بوردة ذات عطر باهت، وأن قدرا لذيذا من الرومانسية يضفي على وردة الحب لونا بهيجا وتوهجا يجعل الأحبة المحظوظين يعيشون عمرا أمتع..وأطول..غير انه اذا تحول الى عشق صار حالة مرضية!.فمع ان العشق يتغنى به الشعراء بوصفه الأكثر صدقا في الحب، ويمثل أشدّ درجاته، الا ان هذا الفهم كان على حساب المضمون النفسي للعشق الذي يتناقض في جوهره مع الهدف الأساسي للحب.فأذا كنا نتفق على ان الهدف الأسمى للحب هو الزواج، فان علاقة العشق بالزواج هي كعلاقة " الحيه والبطنج" ان صح أن " البطنج" يقتل الأفعى.

ذلك ان للعشق " قوانينه":

أولها:أنه علاقة مؤقتة، لابد أن ينفصل العاشقان بعد حين.

وثانيهما:انه يستغرق جزءا من أوقات الفراغ، يقضي فيها العاشقان  سويعات حالمة.

وثالثهما:ان نهايته غالبا ما تكون..مأساوية..مثل نهاية روميو وجوليت، او بطلة بريفو الشهيرة، او قيس وليلى.

ورابعهما:ان علاقة العشق لا تهدف الى الانجاب، لأن العشق يموت بولادة طفل، ولهذا يدرك العاشقان ان علاقتهما ناقصة، وهذا يؤدي الى "القانون الأول" للعشق..في كونه علاقة مؤقته لابد ان تنتهي.

عذرا..ايها الشعراء والأدباء..والعشاق ايضا..فلربما قلت ما لا ترغبون في أن أقوله..ولكنها الحقيقة النفسية..صدقوني

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2238 الأثنين 08 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم