قضايا وآراء

عودة البعبع التركي وشبح العثمنة في الأفق (3)

التي يبدوأنها لم تمنع الامبراطورية من أن تذوي في عزلتها، وينخر السوس أطرافها المترامية الممتدة من ليبيا في شمال افريقيا، الى اقاصي آسيا، وصولا الى أواسط أوروبا، بعدأن كبكب سلاطينها في حياة المجون والفجوروالاستبداد، ومستنبت المؤامرات اليهودية الداخلية والخارجية، لتعبث بها الذئاب الغربية الكاسرة، بالانقضاض عليها ومحوها من التاريخ وممن تبقى من لائحة المستأسدين و المتجاسرين على الغرب الهجومي

 

ومن هذا المنطلق: فانه لامجال للسفسفطة في التاريخ، أوقراءة أحكامه بعين الغفلة والتغافل أوالتحايل، فانهزام الامبراطورية العثمانية-في بداية القرن الماضي-التي رعت العرب والمسلمين ما ينيف على خمسة قرون، قضية لا بد من العودة اليها بالدراسة والتمحيص والمراجعة التاريخية النزيهة، بعيداعن التلفيقات والانتقائيات، التي ترضي الاسلام البيتردولاري الذي ينسخ ماعداه من مذاهب اسلامية من خارطة العالم الاسلامي، أو مسايرة لعلمانيات أصولية متشنجة، وشوفينيات رخيصة، تهدف الى استأصال تراث أمة بكاملها من الذاكرة الانسانية، وخاصة عندما انحلت الامبراطورية، ولم يعد الصراع يدوربين شرق وغرب، بل بين غرب وغرب، ولم يشكل العرب منذ نهضتهم المتعثرة - أي تحدي حقيقي للغرب، لأن معظم دول المنطقة كانت صناعة غربية منذ اكتشف أول بئرللنفط في المنطقة النائمة والغافلة، والسادرة في غفوتها منذ قرون خالية قبل مجيء العثمانيين بعقود، فتحولت الآبارالتي اكتشفها البريطانيون الىدول (...وسأبني دولة عند كل بئ أكتشفه في المنطقة) كماعبرالداهية تشرشل في تنذرلاصدقائه، وبقيت هذه الدول النفطية وفية لمن أوجدها...تتسربل باسلام أعرابي لا يغرف من الاسلام سوى البداوة و التعربب (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا) والعودة به الى الجاهلية الأولى ليضرب المسلمون بعضهم رقاب بعض

 

 وأما البعبع التركي بالمنظور(الغربي-الاسرائيلي) فهو عفريت مصباح صلاح الدين الذي استيقظ من سباته وخرج من قمقمه، ...ذلك البعبع الذي تمثل في الماضي القريب، في تلك القوة العسكرية التي وصلت بالأمس القريب الى فينا، وطوقت حدود سويسرا، وطوت صحيفة الأمبراطورية البيزانطية، وبثث الرعب فب أوصال روسيا القيصرية، واضطرت قيصرتهم أن تبيت في فراش القائد التركي لتفلت من حصاره، وهوتلك القوة التي صدت أطماع الفرنجة عن المنطقة لقرون طويلة، عندما أفل نجم العرب، وتمزقت وحدة العالم الاسلامي بعدأن كان هارون الرشيد أعظم ملوك الدنيا، يتحدى السحابة أن تمطر خارج الامبراطورية الاسلامية الشاسعة التي تناثرث مثل الشظايا، حين خلفه خلف، حولوا قلب الدولة العربية فارسيا، ثم تركيا، حتىانتهى الأمربها الى الخليفة المقتدر، وهوغلام تسود دولته أمه التركية وقهرماناتها، بينما هو منصرف الى المجون والعربدة مكبكبا فيها حتى الثمالة، ومسلما السلطة الى السلاجقة، الى أن يقتله جند من البرابرة، حيث جلل الظلام مدينة السلام، الى أن دمرها هولاكو بخيانة وزيرالسلطان ابن العلقمي، وهكذا حتى مجيء العثمانيين بعد ذلك بقرون، -وبقي العرب المحدثون، ساسة ونخبا ومثقفين، يلوكون أسطورة تآمرالآخرين وخرافة وطأة التاريخ الثقيل تبريرا لرمي أدرانهم ورزاياهم وأخطائهم وخطاياهم على كاهل العثمانيين–وما أكثرأبناء العلقمي في قصورنا العربية الرئاسية منذ ما بعد سايسكس-بيكو ..

 

وسيظل العثمانيون بالمنظورالغربي، ...تلك القوة العسكرية الضاربة من سمج أبناء الأناضول المنحدرة من سلالات جحافل التتار والمغول، (ولكم هومغرم الغرب بتصنيف البشربعلوم اثنولوجياته التي يتم وضعها بشقق فاخرة ببرلين ولندن وباريس ونيورورك، وأمستردام وهلسنكي، ...وكم من اثنولوجي ذاعت شهرة أبحاثه حول خصوصيات الشعوب الدنيا هو قابع بشقته الفاخرة، كماهو الشأن لدى معظم المتخصصين الجرمانيين في الأنثروبيولجيا الفيزيقية والدينية والاثنولوجيات

 

 وكان العثمانيون – بالنسسبة للغرب دوما- هم أولئك المسلمون الصادقون(وهدا كاف لتدميرهم في نظرالغرب) الذين اعتنقواعقيدة العرب ودينهم وثقافتهم (وهذاالانتماء هوسبب نكبة الأتراك، كما يضخم ذلك الكماليون والشوفينيون الأتراك)، وكان اسلامهم هوغذاؤهم الروحي والمعنوي، ومبررتواجدهم الدائم في جبهات القتال ضد أعداء الاسلام والعرب من الفرنجة طيلة قرون، تلقوا فيهاعن الأمة العربية-الاسلامية ضربات متصلة من دول أوروبا مجتمعة، من بريطانيا الى روسيا ومن النمسا الى البرتغال، مستخدمة ضده كل أساليب التآمروتدبيرالفتن، وتكوين الأحزاب المشبوهة والجمعيات* (ترويج الفكرة الطورانية التي أسسها مهاجرون روس داخل تركيا زمنها بالدعوة الى توحيدالعناصرالتركية ضد العرب من المجرالىالصين، والتي انتهت بمؤتمر باكو المشهورعام 1926 بالاتحاد السوفياتي سابقا الذي تم فيه اقصاء استعمال اللغة العربية نهائيا في حكم الدويلات التركمانية المسلمة والمستعربة في الاتحاد السوفياتي، والذي طبقته حكومة أتاتورك فور صدوره، .وكم فقد العرب من خلفيات لدعم حضارته وقضاياه) ثم بشراء الذمم، بحيث لم يكن من السهل التقرير فيما اذا كان الأتراك قادرين على مواصلة التطورالحضاري للعرب والمسلمين أم لا، فلم تتح لهم-تاريخيا-فترة السلام والاستقرارطيلة وجودهم، لكونهم ورثوا منذ البداية ظل امبراطورية خرافية المساحة، ذات قوميات وملل ونحل مختلفة ومتخلفة، ولم تكن تركيا قادرة على ممارسة أسلوب التوحيد بالقهروالابادة بحكم دينها المتسامح، وهوالأسلوب الذي مارسته الدول الأوربية الاستعمارية بكل جرأة وصفاقة ووحشية حتى الستينات قبيل استقلال الجزائر، آخركبرى المستعمرات العربية -الاسلامية التي عانت من ويلات الكولونيالية الفرنسية ما تقشعرله الأبدان، طيلة أكثرمن قرن والتي ما تزال ضمن الأرشيفات المغبرة وما يسمىب التاريخ المسكوت عنه رسميا في الدوائرالرسمية التعليمية والثقافية،

 

ولقد دفع الأتراك ثمن تسامحهم الديني والعرقي النادر، مقابل الابادات التي مارسها البيض التطهيريون على الشعوب والعرقيات الأصلية في أمريكا الشمالية، والكاثوليك الاسبان والبرتغال في الأندلس علىالعرب، وأمريكا الجنوبية، وما مارسه الفرنسيون والبلجيكيون في افريقيا السوداء، والبريطانيون في الشرق العربي حتى اقاصي آسيا، مع عدم اغفال مجارز الابادات التي مارسها الهولانديون في جنوب شرق آسيا وجزرها.

 

 وكان العثمانيون تلك القوة الضاربة التي لم تجد حضارة خلفها تسندها وتطورها وتجدد دماءها، فأضاعوا بدورهم –بشوفينيتهم وتحجرهم- فرصتهم الوحيدة في التاريخ برفضهم اللسان العربي الذى تبنوا عن طواعية عقيدته وحضارته فيما عدا محاولة السلطان سليم الأول الذي جعل اللغة العربية لغة رسمية، حيث كان هو نفسه ضليعا فيها وفقيها وكان يمارس ضربا من الشعر العربي الجيد.

 

 وللأمانة التاريخية، فانه لم تواجه امبراطورية في التاريخ، مثل ماواجهه الأتراك من عداء ومؤامرات خارجية، لم تترك لها فرصة البناء الداخلي لتسيير شئون أعراقها وولاياتها.

 

 العودة الأكيدة للبعبع

وان هذا البعبع قدعاد من جديد يلوح للغرب -بما فيه روسيا- العدوالتاريخي لتركيا- ولعرب المنطقة الذين تآمرواعلى تفكيكه بالأمس القريب، وللتصدي للجشع اليهودي (لن ينس الأتراك القوميون المخلصون، أن اليهودي هرتزل قد أجهزعلى ما تبقى من عظمتهم، باشارة من أصبعه الى وحوش الغرب الضارية، عندما طره عبد الحميد شر طردة رافضا بيع فلسطين مقابل أموال أوربا كلها-كما سنرى بالتفصيل في نهاية هذاالمبحث) متحديا الغرب واسرائيل في كل المنتديات الدولية، باستعراض عضلاته وقدراته الخفية والظاهرة، بالعودة الى العثمنة حثيثا بعد أن فشل التتريك الأتاتوركي، حتى أن المصادرالغربية نفسها تؤكد على فشل الكمالية الأتاتوركية التي لم تضف الى تركيا جديدا، سوى المزيد من التقهقر الحضاري، والتخلف الاقتصادي، مثل ما كتبه هانزكوهن في أوج الاشعاع الأتاتوركي لستينات القرن الماضي قائلا في كتابه عصر القومية :.. وفى نهاية أكثرمن خمسين عاما من الاصلاح، كان سبعون في المائة من الشعب التركي لا يزالون أميين، والاقتصاد زاد اهتراء، والفقر استفحالا، بينما احتفظ التقليد الاسلامي بولاء الشعب في البلاد، في المدن والقرى ..

 

وكان هذا الانحدارالاقتصادي والاجتماعي والتفكك الاخلاقي، الثمن الباهض لبقاء تركيا كدولة بعد سقوطها المشين، منذ أن طالب الغرب أتاتورك بمحاربة لاسلام–كثقافة وحضارة- انتقاما للهزيمة النكراء التي لحقت بالمسيحية الغربية على ضفاف البوسفور، بعودة أيا صوفيا كنيسة من جديد، عندما تحرك أساقفة بريطانيا وأمريكا لاخراج الاسلام من اسلامبول، ذاك الثمن الذي دفعه الترك لمنحها موطأ قدم في القارة الأوروبية، بالتخلي عن الصفحة المشرقة الوحيدة في تاريخها، فتحولت الى رجل أروبا المريض فأجهض-بالمبني للمجهول- التاريخ، ولم يبق بعد ذلك، لاالرجل ولا التاريخ، بل بقى المرض الذي ينهش تركيا، وبقيت تعيش عالة على فتاة مائدة وحماية من دمروها، وباثقال كاهلها بالقروض المشروطة والمجحفة.للمزيد من التركيع والاهانة.

 

 فواهم اذن من يظن بأن تحركات تركيا الحالية، مجرد دروشة صوفية، أو وحنين رومانسي مرضي، أو مجرد تنفيذ مخططات (اسرائيلو-امريكية) كما يخربش بعض المحللين الجاهلين بحكم التاريخ وعبره

 

للبحث صلة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1206 الجمعة 23/10/2009)

 

في المثقف اليوم