قضايا وآراء

السلطة على الشعر .. اللغة (2)

أنا من أهوى ومن أهوى أنا            نحنُ روحان حللنا بدنا

نحن مذ كنا على عهد الهوى           تضرب الأمثال للناس بنا

فإذا أبصرتني أبصرته                  وإذا أبصرته أبصرتنا

أيها السائل عن قصتنا                   لو ترانا لم تفرق بيننا

روحه روحي وروحي روحه                    من رأى روحين حلت بدنا(42)

ويبدو أن التصوف الذي انتهج (الرفض)، لم يكن مغايرة موضوعية بل فنية أيضا، وكأن رفضه فكريا للواقع انعكس على جانب الشعر الذي جعلوه أداة لهم؛ روحية وتعبيرية، وهذا جعل التصوف عليقا بالشعر، والرفض الفني انعكس في الاعتماد بدرجة كبيرة على الحروف والظروف، وعدم الاهتمام بالجزالة والفخامة ولا بجودة القافية وهو ما نجد تطبيقه هنا فاتخاذ (الباء) و(بين) مع الضمير(نا) يجعل القافية باردة ويهبط موسيقيتها، كما انه كرر (بدنا) في خمسة أبيات والقانون الشعري لا يسمح له بتكرار القافية إلا بعد سبعة أبيات، بل إن الشاعر الحقيقي لا يكرر قافية في قصيدة واحدة مهما امتدت.

وشعراء اختاروا الزهد والتصوف موضوعا للشهرة به كأبي العتاهية. ومن شعره هذا قوله:

إنا لفي دار تنغيص وتنكيدِ              دار تنادي بها أيامها بيدي

لقد عرفناك يا دنيا بمعرفة              بانت لنا، فانقصي ان شئت او زيدي

نرى الليالي والأيام مسرعة             فينا وفيك بتفريقٍ وتخليدِ

جدّ الرحيل عن الدنيا، وساكنها        يرجو الخلود، وما هي دار تخليدِ(43)

كما عرف الشعر التعليمي الذي يتناول موضوعا معرفياً، فقد نظم إبان اللاحقي كليلة ودمنة شعراً ليفتح باب هذا الموضوع وهو، كأغلب الموضوعات الجديدة، من فنون الشعر الفارسي. ومنه قوله:

هذا كتاب أدب ومحنه         وهو الذي يدعى كليله دمنه

فيه احتيالات وفيه رشدُ        وهو كتاب وضعته الهندُ(44)

وظهرت الأراجيز في الحكمة كذات الأمثال لأبي العتاهية وفيها كما يقولون أربعة آلاف مثل، وفي التاريخ كأرجوزة ابن المعتز في بطولات الخلافة العباسية، وكقصيدة علي بن الجهم في ابتداء الخلق والجنة والطوفان والتي منها:

واقتنيا الابن فسمي قاينا       وعاينا من نشئه ما عاينا

فشبّ هابيلُ وشبّ قاينُ        ولم يكن بينهما تباينُ(45)

كما أنتج الشعر الشعبي موضوعات كالفكاهة والشكوى والكدية. وابن الرومي الشاعر الذي يقف وسطاً بين شعراء البلاط وشعراء الشعب، أتى بضروب من الموضوعات الجديدة حين صوّر حياة القاع بتفاصيلها ووصف الأطعمة والأشربة تصويراً لم يسبق إليه قريضاً ورجزاً.  فضلا عن موضوعات أخرى عرفها هذا العصر(46).

وإذا تناول الشعراء المجددون كأبي تمام وأبي نواس والحسين بن الضحاك ومن لف لفهم الأغراض الجاهلية القديمة، فإنهم غايروا فيها، ولم يتناولوها تناول أسلافهم فكأنها تجديد على بناء قديم أريد الحفاظ على هيكله فقط.

فقصيدة المدح العباسية لم تعد خالصة للمدح والممدوح، وقد عيب على أبي تمام انه استعمل التاريخ فيها وهذا منحى واضح عنده كقوله:

هو الأضحيان الطلق رفت فروعه     وطاب الثرى من تحته وزكا التربُ

يذم سنيد القوم ضيق محله              على العلم منه انه الواسع الرحبُ

فيا وشل الدنيا بشيبان لا تغض    ولا كوكب الدنيا بشيبان لا تخبُ

لهم يوم ذي قار مضى وهو مفرد      وحيدُ من الأيام ليس له صحبُ

به علمت صهب الأعاجم انه           به أعربت عن ذات أنفسها العربُ(47)

وكانت قصيدة المدح عند شعراء ملتقى أغراض كثير، كالمتنبي الذي قال كل شيء من خلال قصيدة المدح(48)، كما ارتبطت جمهرة كبيرة من القصائد المدحية بوصف المعارك البرية والبحرية التي صار يخوضها الممدوحون كثيراً كون العصر عصر صراع وتنافس؛ وقد استغرق المتنبي (56) قصيدة مدح في وصف معارك ممدوحيه واغلب تلك القصائد جاءت بتفاصيل عن حال المعارك لم يذكرها المؤرخون(49). كقوله من قصيدة يفصل بها في وقائع معركة خرشنة سنة :

بالجيش تمتنع السادات كلهم  والجيش بابن أبي الهيجاء يمتنعُ

قاد المقانب أقصى شربها نهلٌ على الشكيم، وأدنى سيرها سِرَعُ

لا يعتقي بلد مسراه عن بلد    كالموت ليس له ريٌّ ولا شبعُ

حتى أقام على ارباض خرشنة  تشقى به الروم والصلبان والبِيَعُ

  للسبي ما نكحوا، والقتل ما ولدوا،   والنهب ما جمعوا، والنار ما زرعوا(50)

وما يصدق على المدح يصدق على غيره من الأغراض كالهجاء؛ فالتهكم في أهاجي أبي تمام فن لم يلتفت إليه النقاد(51)، وكانت أهاجي ابن الرومي تطفح بالسخرية والإضحاك كقوله:

أقِصًرٌ وَعَوَرٌ          وَصَلَعٌ في واحدِ

شواهدٌ مقبولة         ناهيك من شواهدِ

تنبئنا عن رجلٍ       مستعمل المقافدِ

أقمأه القفد فأضحى قائماً كقاعدِ(52)

بل إن أبا تمام ابتكر أسلوباً جديداً فقلب قصيدة الهجاء قلباً بشكل اسماه (المستطرد) أو (الاستطراد) (53) وهو أن  يوهم بأنه يريد الوصف وهو يهجو. ويكون الهجاء في بيت واحد في نهاية القصيدة أو القطعة، ويبدو أن هذا الشكل وجد معجبين قلدوه فالبحتري هجا حمدويه بطريقة الاستطراد(54).ومنها قول أبي تمام يهجو عثمان بن إدريس:

وسابحٍ هطل التعداء هتانِ     على الجراء أمينٍ غير خوَّانِ

أظمى الفصوص ولم تظمأ قوائمه     فخلِّ عينيك في ظمآن ريانِ

فلو تراه مشيحاً والحصى فِلَقُ          تحت السنابكِ من مثنى ووحدانِ

حلفت إن لم تثبَّتْ أنَّ حافره   من صخر تدمرَ أو من وجه عثمانِ(55)

كما جدد الشاعر المجدد في المقدمة الغزلية فهي لا تشبه مقدمة الجاهلي تماماً؛ فالبحتري أكثر من ذكر الطيف الذي يعتاده من حبيبته علوة الهاجرة والمهاجرة من مثل قوله:

اجدّك ما ينفكّ يسري لزينبا             خيالٌ إذا آب الظلام تأوّبا

سرى من أعالي الشام يجلبه الكرى    هبوب نسيم الروض تجلبه الصَّبا

وما زارني إلا ولهتُ صبابة            إليه وإلا قلتُ اهلاً ومرحبا

وليلتنا بالجزع بات مساعفاً             يريني اناة الخطو، ناعمة الصِّبا

أضرّت بضوء البدر، والبدر طالع،   وقامت مقام البدر لما تغيَّبا

ولو كان حقا ما أتته لأطفأت            غليلا، ولافتكّت أسيراً معذَّبا(56)

 

وكان الغزل عقلياً فلسفياً عند المتنبي:

ما لنا كلنا جوٍ يا رسولُ        أنا أهوى وقلبك المتبولُ

كلما عاد من بعثتُ إليها       غار مني وخان فيما يقولُ

أفسدت بيننا الأماناتِ عيناها وخانت قلوبهنَّ العقولُ

تشتكي ما اشتكيتُ من ألم الشوقِ إليها والشوقُ حيث النحولُ

زودينا من حسن وجهك ما دام فحسن الوجوه حال تحولُ(57)

وتبدو - مما قدمناه - الرغبة الجامحة في الخرق والخلق عند الشعراء، ووقوفهم ، مجبرين، عند حد لا يستطيعون تجاوزه، فالسلطة التي تفرض الماضي أقوى من دواعي الحاضر.

ونحن اليوم عندما ننظر الى قصائد شعرائنا المعاصرين نجد ذوبان المديح والرثاء والغزل والأغراض الأخرى المعهودة في صيغ واشكال شعرية جديدة لان شعرائنا أدركوا يقينياً أن الأدب إنساني تأخذ أمة فيه من أمة، فبعض الغزليات تقترب من السونيت الإنكليزي، وبعض المدائح تشتمل على النفس البطولي الملحمي مما ألفناه في الإلياذة وسواها من الملاحم.

     

الشعر الرسمي والشعر الشعبي:

كان الشعر في الجاهلية رسمياً خالصاً، اكتسب شرافة الملوك لانقطاعه إليهم، ولا يعرف شاعر كبير خارج هذه المفهوم، ولو وجد فسيكون هو الملك أو الأمير أو السيد كامرئ القيس وعمرو بن كلثوم وأبي ذؤيب الهذلي. وقد انطبع الشعر بهذه الصفات، مما جعل العباسيين يسكنونه الأبراج العاجية، وأصبح الشاعر مستلبا لهم لا يسمحون له بان ينحاز عنهم وهو ما فعله أسلافهم الأمويون؛ فارجعوا الفرزدق بعد مدحه زين العابدين (ع) تائباً إلى حظيرتهم، كما اجبروا الكميت الأسدي، شاعر أهل البيت، على أن يغني في سربهم:

اليوم صرتُ إلى أميَّة والأمور إلى المصايرْ(58)

ولا يشذ عن ذلك الشعر المغنى        في المدينة أو العذري في مكة، فكلاهما اشتغل لخدمة الأمويين، ولهذا نجد الفرزدق يتوقى هجاء عمر بن أبي ربيعة بقوله: 

لولا دفاع بني أمية عنكم      ألقت كلاكلها عليك قرومي(59)

وبرغم عدم مدح ابن أبي ربيعة الأمويين فهو منهم، شاغلا وسانداً دعائياً، وما رثاؤه زوجة المختار الثقفي، التي قتلها مصعب بن الزبير عدوهم اللدود، رثاءً استعدائياً الا دليل واضح على ذلك الانسجام.

ولكن الحياة التي هيأها العباسيون مهدت لنزول الشعر من عليائه إلى الشعبية؛ فلا حدود بين العرب والأعاجم،ولا بين العربية واللغات الأعجمية الأخرى. وقد اضطرت السياسة أحيانا الخلفاء العباسيين إلى التخبط غير المدروس؛ فقد سمح المأمون لأول مرة بان يمدح بالشعر الفارسي ووصل عليه(60)، مما أدى إلى نشوء عواصم شعر أخرى تحتضن الشعر الفارسي كسمرقند وبخارى وغزنة.

كما إن اختلاط العرب بالعجم اختلاطا مفتوحاً أدى إلى نشوء لغة دارجة متنامية اسماها الجاحظ لغة المولدين أو البلديين وهي لغة الفاظها غير منتقاة وتتسامح في الإعراب وتسكن أواخر الكلمات.

 وقد عمل النبط وأهل الذمة على إفشائها في العراق. كما أسهم الشعراء من أصول أعجمية في تعويد الذائقة العربية لدى الناس على التخلي عن سليقتها باستعمال كلمات أعجمية وصيغ غير مألوفة، كبشار بن برد وأبي نواس وابن الرومي. حتى إذا انتقل الحكم إلى السلاجقة، وهم بدو العجم كما يسميهم الجاحظ، راجت هذه اللغة، بل إن السلاطين الأتراك كانوا يسوِّقون كلمات عامية بحتة.

ولعل العامل الحاسم في انتشار الأدب الشعبي هو إن جمهور الشعراء كانوا من العامة، وقلما نبغ شاعر من الطبقة الارستقراطية.

والشعر الشعبي العباسي على ثلاثة أنواع؛ الأول كان القصد منه إضحاك الخلفاء بما تتيحه المفارقة اللغوية غير المألوفة في الشعر العامي، وكان هذا في صدر العصر، وقد اشتهر بذلك أبو العبر إذ كان يأتي بكلام كيفما اتفق، وسئل عن طريقته في الكتابة فقال:" أبكّر، فاجلس على الجسر ومعي دواة ودرج فأكتب كل شيء أسمعه من كلام الذاهب والجائي والملاحين والمكارين حتى أملأ الدرج من الوجهتين، ثم اقطعه عرضاً وطولاً والصقه مخالفاً فيجيء منه كلام ليس في الدنيا أحمق منه"(61). ومن شعره قوله:

باض الحب في قلبي فواويلي اذا فرخ

وما ينفعني حبي      إذا لم اكنس البربخ(62)

وقوله:

ويأمر بي الملكْ                فيطرحني في البركْ

ويصطادني بالشبكْ             كأني من السمكْ

ويضحك كك كك كككْ         ككك كك ككك كك كككْ(63)

والثاني تناول هموم الناس، ووصف بؤسهم ومعاناتهم، وهذا النوع سيتطور مع العصر إلى شعر (الكدية)، وكان أبو الشمقمق مثال هذا النوع، وقد وزع شعره بين وصف حاله وبؤسه، وهجائه الذي مثل هستيريا الجشع والعوز؛ فقد كان يهجو كل شاعر يحصل على جائزة من امير كأبي العتاهية وسلم الخاسر وبشار بن برد، ليعطوه من قيمة جوائزهم التي لا يستطيع هو الحصول عليها لشعبية شعره وتدنيه عن مستوى شعرهم الرسمي.

وكان لسهولة شعره وشعبيته سيرورة بين الناس وهو مبعث خوف الشعراء منه؛ قال له بشار بعدما طالبه بـ(الجزية): أنت افصح مني؟ قال: لا، قال: فأعلم مني بمثالب الناس؟ قال:لا، قال: فأشعر مني؟ قال: لا، قال: فلم أعطيك؟، قال لئلا أهجوك؛ فقال له: ان هجوتني هجوتك؛ فقال له: ابو الشمقمق: هكذا هو؟ قال: نعم، فقل ما بدا لك. فهجاه ابو الشمقمق ببيتين مقذعين وقبل ان يتم شطر البيت الثاني وثب عليه بشار فامسك فاه؛ وقال: اراد والله ان يشتمني، ثم دفع اليه مائتي درهم وقال له: لا يسمعن هذا منك الصبيان يا ابا الشمقمق(64). ومن هجائه له:

هللينَهْ هللينَهْ                    طعن قثاءٍ لتينهْ

ان بشار بن بردٍ       تيسٌ اعمى في سفينهْ(65)

أما النوع الثالث فتوخى الفن الخالص، وطبع أكثره بطابع الغزل لقربه من الذوق العام كشعر الخبز أرزي الذي كان اغلب أغاني عصره من شعره(66). ومن شعره الغزلي المشهور قوله:

خليليّ هل ابصرتما او سمعتما بأكرم من مولى تمشى الى عبدِ

أتى زائراً من غير وعد وقال لي      أصونك عن تعليق قلبك بالوعدِ

فما زال نجم الكأس بيني وبينه         يدور بافلاك السعادة والسعدِ

فطوراً على تقبيل نرجس ناظرٍ        وطوراً على تعضيض تفاحة الخدِّ(67)

إلا أن المؤسسة المحافظة، كعادتها، وقفت ضد هذا المنحى محافظة منها على مكانة الشعر الابراجية، فأبو العبر لم تتخط تجربته قصور الخلفاء وحلقة الإضحاك الساذجة، ولم يعمل احد بعده على تطوير تجربته،وقد أعاد (السرياليون) في العصر الحديث تجربته فكان الشعراء يجلسون فيفكر كل منهم بجملة ثم يربطون تلك الجمل مع بعضها فتظهر قصيدة سريالية عجيبة بمستوى قصائد أبي العبر .

والحال نفسه في الاهمال مع الشعر الذي جس معاناة الناس ووصف حالهم، فإذا تخطينا أبا الشمقمق وغيره من الشعراء الأوساط إلى علم بارز في الشعر العباسي هو ابن الرومي، نجده مزرى عليه مخمَّلاً متجاهلاً. وقد كان ابن الرومي شاعرا شعبياً من الطراز الأول، وله الفضل في بلورة هذا الاتجاه ورسم أبعاده المخالفة للشعر الرسمي. فانه قد وصف حياة القاع بكل دقة، وكتب في عدد لا يحصى من الموضوعات فأزال الشرافة عن الموضوعات التقليدية الجاهلية. واختلف اسلوباً؛ فانه في بسطه المعنى واسرافه في استيفائه، قد حقق الوحدة العضوية لقصيدته، وهو ما لم يتح للقصيدة الجاهلية التي لا تنتظمها وحدة ولا تنزع أو تتطور بها سببية(68).

وكانت مكافأته أن أقصوه خارج أبواب قصور الخلافة، ولم تتضمنه طبقات ابن المعتز، كما أدت أسباب أخرى إلى ضياع كثير من شعره. ويرى إيليا الحاوي أن عدم توفيق ابن الرومي في الحظوة عند ذوي المال والسلطة راجع إلى عدة بواعث أهمها نزوعه منزعاً نفسياً وفنياً يعارض عمود الشعر المأثور في المدح(69).

أما الفني الشعبي فلم يختلف حاله عنهما؛ فالخبز أرزي بقي يعيش على خبز الأرز الذي يصنعه، ولم يخفف عنه شعره من أعباء الحياة التي خففها الشعر الرسمي على شعرائه.

وقد انتهى الشعر الشعبي إلى (الكدية) أخيراً، وأنتج شعراء بارزين فيه كأبي دلف الخزرجي، وأبي البقاء العكبري. وهو شعر هابط موضوعياً وفنياً، فموضوع الكدية ابعد ما يكون عن الشعرية، وهنا يؤكد الشعر بأنه كان خلال مسيرته الطويلة وظيفة شاغرة شغلها الطارئون دوماً، ولكن لا يملؤها غير الشعر الفني الحقيقي في نهاية المطاف وهي وصية أخرى من وصايا الشعر الجاهلي وذلك لان الشعر الجاهلي كان ديوان العرب يحمّلونه ما عندهم، وقد حمله هؤلاء عناء التاريخ والفلسفة والتعليمية وأخيراً الكدية إلا انه نزعها آخر الأمر عندما وجدت أوعية لائقة بتلك المهمات؛ فعندما ظهرت المقامة حلت محل شعر الكدية. أما فنياً فالتقريرية والنثرية هما أهم صفتين بارزتين فيه.

ولكن إذا حورب هذا الشعر وحصر في خانة الإضحاك والتسلية،ومنع أصحابه الاهتمام والحظوة، فان مفهوم الشعر الشعبي العباسي علينا أن لا نصرفه فقط إلى هذا الفرع الذي تطرف في شعبيته حتى انتهى إلى فنون غير معربة كالزجل والمواليا والكان كان والقوما والبلاليق وغيرها(70)، فان الشعر عموماً، بما فيه الشعر الرسمي الذي كتبه الفحول كابي تمام والبحتري والمتنبي، قد تغلغلت الشعبية فيه برغم التنظيرات النقدية؛ فمعاني المدح والصور الوصفية والموضوعات الذاتية والمواقف الآنية كلها مفعمة بروح الشعب والحياة المعيشة.

 

الهوامش

( ) ديوان ذي الرمة، ص11.

(2) تاريخ الأدب العربي،ج1، 36.

(3) في الأدب الجاهلي، ص70.

(4) انظر أدب الكاتب،( باب معرفة ما يضعه الناس في غير موضعه)، ص17-36.

(5) أسطورة الأدب الرفيع،ص134.

(6) الشعر والشعراء، ص75.

(7) ديوان أبي نواس، ص57

(8) ديوان أبي نواس، ص21.

(9) ديوان الصنوبري، ص 243

 (0 ) الشعر والشعراء، ج1، ص76.

(1 ) العمدة، ج1، ص231.

(2 ) العمدة، ج1، ص231.

(3 ) شرح ديوان المتنبي، ج4،ص69.

(4 ) نفسه،15.

(5 ) ديوان أبي نواس، ص6.

(6 ) ديوان الصنوبري، ص225.

7 ) ديوان البحتري، ج1،ص190.

(8 ) ديوان أبي تمام،ج1، ص179

(9 ) شرح ديوان المتنبي،ج2،ص 252.

(20) سقط الزند، ص7.

( 2) شرح ديوان المتنبي،ج2، ص86.

(22) ديوان النابغة، ص123، 124.

(23) شرح ديوان امرئ القيس، ص122.

(24) الموشح، ص405.

(25) نفسه.

(26) ابن الرومي حياته من شعره، ص316.

(27) زهر الآداب،ج2،ص597.    

(28) العمدة، ج1، ص239.

(29) المتنبي، ج1، ص212.

(30) الشعر والشعراء، ج2،ص 747.

( 3) شرح ديوان المتنبي،ج3، ص340.

(32) نفسه، ج1،ص 290.

(33) ينظر الشعر والشعراء، ص75-76.

(34) ديوان أبي نواس، ص407- 409.

(35) في الأدب العباسي، ص119.

(36) ينظر فنون الأدب الفارسي، ص46 وما بعدها.

(37) ينظر مقاتل الطالبيين، ص361.

(38) ديوان أبي نواس، بتحقيق علي العسيلي، ص24.

(39) ديوان أبي نواس، ص724.

(40) ديوان الصنوبري، ص221.

(4 ) ديوان البحتري، ج1، ص35.

(42) ديوان الحلاج، ص279، 280.

(43) ديوان أبي العتاهية، ص145.

(44) الأغاني، ج23، ص164.

(45) مروج الذهب،ج1،ص35.

(46) انظر العصر العباسي الأول (موضوعات جديدة)، ص181- 192.

(47) ديوان أبي تمام، ج1، ص142.

(48) ينظر الحماسة في شعر المتنبي،ص88.

(49) المتنبي مؤرخاً، ص148.

(50)  شرح ديوان المتنبي، ج3، ص333.

( 5) مقدمة ديوان أبي تمام، ص29.

(52) ديوان ابن الرومي، ج1، ص498.

(53) ينظر أخبار أبي تمام، ص68، 69.

(54) معجم الأدباء، ص250؛ الأغاني، ج21، ص54.

(55) ديوان أبي تمام، ج2، ص267.

(56) ديوان البحتري،ص96.

(57) شرح ديوان المتنبي، ج3، ص267، 268.

(58) ديوان الكميت الأسدي، ص130.

(59) الموشح، ص323.

(60) فنون الشعر الفارسي، ص23، 24.

(6 ) الأغاني،ج23، ص209.

(62) الأغاني،ج23، ص208. والبربخ: البالوعة.

(63) نفسه، ج23، ص210.

(64) الأغاني، ج3، ص190.

(65) المصدر نفسه.

(66) مروج الذهب،ج4، ص 353.

(67) يتيمة الدهر، ج2، ص367.

(68) ينظر ابن الرومي فنه ونفسيته، ص84.

(69) ينظر المصدر نفسه.

(70) انظر للتفصيل في الفنون غير المعربة (كتاب العاطل الحالي والمرخـَّص الغالي).

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1206 الجمعة 23/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم