قضايا وآراء

المؤثرات الدينية أو العقائدية على الشكل المعماري / هاشم عبود الموسوي

وخاصة في الأسطح ذات الانحناءات المزدوجة

 662-1



من المعروف إن لكل عمل فني (شكلا ومحتوى)، فالشكل يكون خاضعاً للعلاقات الشكلية، حيث يدرك من خلالها، وأما المحتوى فيتم استيعابه من خلال تنظيمات الشكل نفسها.

662-2إن أي عمل معماري يكون مؤلفاً من جزأين متلازمين (فكري وعملي)، ويمثل الشكل الجزء العملي لهذه الثنائية، وهو الجزء الظاهر أو الجسم الحاوي، والذي يكون ناتجاً من خلال قوانين موضوعية Objective Laws.

يخلص بعض منظري العمارة إلى أن الإنسان في علاقته بالعمارة وفعاليات صنعها يكون في موقعين:? الفاعل وصانع الحدث، والمتلقي (مراقب الحدث)، والتي تتحقق في العمارة بصيغة إعطاء شكلاً لها، حيث يدرجها الإنسان في حالتين، الأولى كمادة (شكل فيزياوي)، والثانية (كدلالة وفكرة).

ونريد التذكير بأننا نعتبر الشكل هو الجزء المادي للعلاقة المعمارية، أي الدالSignifier ، بينما يمثل معنى الشكل أو محتواه، مدولها Signified.

 662-3

 

الشكل المعماري:

من أوائل من كتب عن العمارة فيتروفيوس(*)، ومن بين كتاباته، نظرية الشكل بنسبه المستوحاة من الطبيعة والمقياس الإنساني?5? ووضع سبع ركائز أساسية لتواجد الشكل المعماري.

وكان البرتي من أوائل المعماريين الذين كتبوا في نظريات العمارة في منتصف القرن الخامس عشر، وحاول الوصول إلى تحديد أنسب الأشكال للكنائس والمعابد وقال بأن الدائرة هي الأنسب لبداية الفكرة المعمارية واستخرج منها تسعة أشكال هندسية لتصميم الكنائس، وينتهي البرتي بالقول بأن الطبيعة هي مصدر الكمال في كل شيء وهي المعلم الآلهي لكل شيء، وقد كانت السيطرة الشكلية في هذه الفترة تمثل التعبير عن سيطرة الكنيسة في المجتمع.

ظهر بلاديو(*) بعد البرتي متأثراً بمن قبله والذي ربط مفهوم الجمال بمفهوم الشكل بقوله "إن الجمال يأتي لجمال الشكل وارتباط الكل بالجزء، وارتباط الأجزاء بعضها بالبعض وبالكل مرة أخرى حتى يظهر المبنى? كجسم متكامل".

وعندما نريد تعريف الشكل فإننا نخلص الى القول بأنه :

هو مجموع الخواص التي تجعل الشيء على ما هو عليه، إذ تتجمع الصفات الحسية وتعطي كلها معاً شكل الشيء، فإذا كان هذا الشيء مركباً من اجزاء متعددة، فالشكل هو الذي يطلق على مجموع الأجزاء وعلاقتها مع بعضها البعض وبينها من الفراغات، داخلها أو حولها، التي تحدد كلها طابعاً مميزاً لذلك الشيء أو الجسم والذي هو مادة يمكن إدراكه بالحواس، أما الشكل فصفة تجريدية يدركها العقل عن طريق الحواس، ولكنه لا غنى لأحدهما عن الآخر وهما يكونان وحدة متماسكة.

وعند البحث عن تعريف الشكل المعماري عند بعض منظري العمارة نرى أنهم يقولون بأنه (أي الشكل المعماري) مجموعة سطوح تحدد فيما بينها فراغاً داخلياً، أو أنه كتلة مكونة من مادة أو أكثر مشكلة السطح أو الأسطح بلون طبيعي أو صناعي، يخضع لمعالجات تتفق مع خواصه الطبيعية، وتظهر حيويته بالضوء الطبيعي، والعناصر الأساسية المكونة للأشكال المعمارية، الخطوط والمستويات والأجسام والحيزات والكتل. ويمكن بسهولة ملاحظة سطحية هذه النظرة للشكل حين أغفلت الجانب المعنوي (الفكري) له. ولكن الشكل في حقيقته هو ما تعرفه النظريات بأنه مجموعة عناصر أدركت بمجموعها، ليس كنتيجة لأي تجمع عفوي.

662-4

 

مؤثرات الشكل:

ينتج الشكل نتيجة تفاعل عوامل مادية ووظيفية وعوامل روحية سيكيولوجية إنسانية، ويحدد الباحثون العوامل المادية في:

أ. العوامل الطبيعية.

ب. العوامل التكنولوجية.

فيما يحددون العوامل الروحية والفكرية بأنها تشمل:?

أ. العوامل الإنسانية (الدين، السياسة، المجتمع).

ب. عوامل طابع العصر (الاقتصاد، القيم الجمالية، الأتجاهات المعمارية).

ويقولون بأن الشكل هو حصيلة تفاعل واعٍ لمجموعة هذه العوامل المختلفة المحددة للشكل من خلال صياغتها داخل رؤيا المصمم والتي تعطيها طابعاً مميزاً تحت هذه الظروف، وأن صياغة هذه المؤثرات على الشكل خاضعة لعوامل كثيرة ومعقدة ومتبادلة التأثير فيما بينها، وقد اختلفت عبر التاريخ حسب نظرة المحلل لها.

إن هذه العوامل تعمل بدرجات متفاوتة باعتبارها عملية تكاملية وليست حسابية وطبقاً للدكتور?ساهر القيسي?(*) فإنه يقسم مؤثرات الشكل إلى قسمين رئيسيين:?

الأولى هي العوامل الثقافية والتي تتسم بالتغير مع الزمن والثانية هي العوامل الطبيعية والتي تتسم بالثبوت، هذا ويظن أغلب المنظرين بأن أكثر المحددات وضوحاً في صياغة الشكل تكاد تكون محددات لا عقلانية بالتعبير عن الأحاسيس البشرية والإرادة الإنسانية (الفردية والجمعية) أكثر من ارتباطها بحسابات منطقية قياسية مجردة، فعملية أنتاج الأبنية وتوقيعها هي عملية متعددة الجوانب، تعبر عن إرادة واضحة ومهيمنة. كما أن الشكل الذي يتخده أي مبني يرمز إلى قرار واضح يعبر عن توجه اجتماعي معين (أو توجه فردي في بعض الأحيان)، يحفز بدوره ظهور ردود أفعال متباينة (أيجابية أو سلبية، مباشرة أو غير مباشرة).

 662-5

كنيسة من تصميم فرانك لويد رايت في ماديسون، هل جاء الشكل نتيجة المماثلة مع حركة اليدين في الصلاة؟ ولماذا جاءت المحاكات مرة أخرى في تصميم هاري ويس للكنيسة الأبوية الأولى – في كولومبوس انديانا في عام 1965م.

662-6

 

 

يعتبر رابوبورت Rap port الدين محدد لا فيزياوي Anti ? physical للشكل، حيث تقول مدرسة الجغرافيا المقدمة من قبل بليك Blache وفيير Vebure بأن الإطار الفيزياوي يمكن أن يزود الإمكانيات وليس الالتزاميات، لأن الإنسان هو من يتخذ القرار، وهناك الكثير من الأمثلة التي تؤكد بأن الأشكال (خاصة البيوت)، ليست ناتجة من أثر القوى الفيزياوية، وخاصة ما يلاحظ من أن الشكل في الغالب يتغير في المناطق في حين أن المظاهر الفيزياوية لم تتغير.

من الآراء التي حاولت إجابة التساؤل حول دور المحدد الفيزياوي هو ممفورد MumFord، والتي برهنت بأن الإنسان حيوان صانع للرموز قبل أن يكون صانع للأداة، حيث يضع الإنسان طاقته بأشكال رمزية أكثر من أشكال نفعية، ويقول بأن إنجازات الإنسان معتمدة كثيراً على الحاجة إلى الأستفادة من موارده الداخلية (لنفسه)، أكثر من حاجته للسيطرة على البيئة الفيزياوية أو المزيد من الطعام، فهو قد وصل إلى درجة التخصص في الأسطورة والدين والطقوس، قبل تحقيقه لمظاهر مادية في الحضارة.

إن الدين يؤثر على الشكل والمخطط والترتيبات الفراغية وعلى توجيه البيت، وربما يكون هو المؤثر الذي يقود إلى وجود أشكال معينة، (المستطيلة أو الدائرية  ..الخ)، حيث يعتقد أن بعض الثقافات Cultures التي لا تملك بيوتاً ذات نمط دائري، هو بسبب حاجتهم إلى التوجيه الكوني حسب معتقداتهم حيث يكون الشكل الدائري ليس سهلاً في التوجيه (في منطقة زولو Zulu  في أفريقيا نلاحظ وجود الشكل الدائري لأنهم لا يهتمون بعملية التوجيه، حيث لا نلاحظ وجود الخطوط المستقيمة في بيوتهم، بينما في مدغشقر يكون توجه البيوت وفق قواعد فلكية صارمة بما يفرض عليهم فكرهم الديني).

إن الشكل المعماري يمكن رؤيته من منظور المؤثر الديني على أنه انعكاس رمزي للتيارات الرئيسية للأفكار السائدة، خلال عصور معينة من الحضارة، فمن السهل جداً أن نقول بأن العمارة الغوطية عكست الروح الرهبانية لذلك يمكن رؤية الشكل المعماري من هذا المنظور بمستويين هنا:

1. المستوى الرمزي.

2. في الظاهرة التاريخية للفكر المعماري، هناك مفهوم يتداوله الباحثون في الحقل المعماري يقول بأن أغلب الشعوب البدائية وما قبل الصناعية كانت تشدد على الدين أكثر من الأعتبارات المادية في إنتاج الشكل، وهذا يدحض القول الذي يستند على تفسير أشكال العمارة البدائية تفسيراً مادياً.

 

 

أ .د . هاشم عبود الموسوي

أكاديمي عراقي أستاذ العمارة في كلية الهندسة ببغداد.



(*)روماني: يعتبر أول مُنظر ومؤرخ في هندسة وتقنيات العمارة.


 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2243 السبت 13 / 10 / 2012)

 

في المثقف اليوم