قضايا وآراء

كتاب عالميون منحرفون جنسيا .. نعجب بهم ونمجدهم ونخلدهم! / احمد جاسم العلي

لا يتفق مع الطبيعة الإنسانية السوية أو يتوافق مع الأخلاق التي يفترض ان يمتلكها الكاتب والفنان باعتباره طليعة مثقفة وواعية في مجتمعه؟ وإذا ما حدث هذا، هل يؤثر ذلك على تقديرنا وتقييمنا لذلك الكاتب أو الفنان إذا ما  كتبنا عنه معجبين، ممجدين ومخلدين؟ وهل نستشهد بكتاباته ونقتبس من نصوصه ونحتكم إلى مواقفه في الحياة والإنسان والوجود وهو على ما هو عليه من فساد وإنحراف خُلقي؟ بصراحة ووضوح أكثر، هل نحترم الكاتب والفنان، المبدع والخلاق، عندما يمارس، باختياره أو بسبب ظروف نشأته التربوية أوالإجتماعية أو الإثنين معا، فعلا لا أخلاقيا، غير متعارف عليه. فقد يكون الكاتب او الفنان، المبدع والخلاق، سكيرا أو مدمنا على المخدرات أو مقامرا .. وهي أفعال لا إخلاقية تصدر من كاتب أو فنان، خلاق ومبدع، ولكن لا تخرجه من حدود الطبيعة الإنسانية إلى الطبيعة الحيوانية. ولا يصعب تبرير أفعاله تلك وإرجاعها إلى أسبابها ومسبباتها، وهذا لا يعني قبولنا بهذه الأفعال والممارسات بالتأكيد. ولكن، كيف يكون الحال، مثلا، عندما نجد كاتبا أو فنانا، خلاقا ومبدعا، ولكنه شاذا أو منحرفا جنسيا؛ لوطيا أو ملاطا به، لصا أو على مستوى من الإجرام، وأكثر من ذلك، لا يحاول ان يخفي ما هو عليه عن الآخرين أو يشعر بندم أو يتوب مع مرور الوقت؟ هل هو أديب بمعنى وغير مؤدب بمعنى آخر. هل يمكن لإنسان ان يكون كاتبا أو فنانا، مبدعا وخلاقا على مستوى الأدب أو الفن وفي الوقت نفسه منحرف إخلاقيا على المستوى الشخصي؟ وهل يمكن ان نغض الطرف ونتغافل عن هذا ونعجب به ونمجده ونخلده على ذاك؟

هؤلاء الكتاب العالميون، في العرف الإجتماعي والأخلاقي والإنساني كتاب لا أخلاقيون، كونهم شاذين ومنحرفين جنسيا، مدانون، لا يمكن التغاضي عنهم والتسامح معهم. وقد يسأل سائل فيقول: اليس الأفضل التأني والتريث في الحكم عليهم قبل دراسة سبب أو أسباب إنحراف هؤلاء الكتاب وشذوذهم الجنسي من خلال البحث في أوضاعهم النفسية والظروف الإجتماعية الخاصة في البيت والعامة خارجه التي تربوا ونشأوا فيها، ودراسة أفكارهم ومواقفهم حول هذا الموضوع وكيفية تبرير سلوكهم المنحرف والشاذ؟ نعم، يمكن عمل ذلك كله، ولكن هذا لا يبرر، مهما كانت النتيجة، إنحرافهم وشذوذهم، أولا لانهم لا يمثلون إلا قلة من الكتاب من بين الكثرة من الكتاب في العالم كله الذين لم ينحرفوا ويشذوا جنسيا، وتعاملوا مع الجنس كما يتعامل البشر الطبيعيين الأسوياء وثانيا، لأن الكثير من هؤلاء الكتاب ذوي الطبيعة الجنسية السوية مروا بظروف نفسية واجتماعية، خاصة وعامة، ولكنهم لم ينحرفوا ويشذوا جنسيا بسبب إدراكهم ووعيهم كبشر أسوياء وكمثقفين ومفكرين. وربما إنحرف وشذ بعضهم في أفعال أخرى لا أخلاقية، مرفوضة مبدئيا ولكنها يمكن ان تبرر، ربما، كأن يكون الكاتب سكيرا أو مدمنا أو مقامرا أو حتى صعلوكا متشردا. وكل هذه الأفعال لا تثير التقزز والإشمئزاز والغثيان في النفس مثلما تثيرها تلك الأفعال الجنسية المنحرفة والشاذة عندما يكون الكاتب لوطيا، يضاجع الذكور أو ملاطا به يضاجعه الذكور، هذا الفعل الذي إنجر إليه وتورط فيه أولئك الكتاب الذين سنتناول عددا منهم ونترك الباقي لدارسي الأدب الغربي خاصة والعالمي عامة ليتحروا عنهم، إذا شاؤو ورغبوا! سنتعرض فيما يأتي لمجموعة من الكتاب الغربيين المنحرفين والشاذين جنسيا. وسنبدأ بالكاتب الفرنسي أندريه جيد الذي يبدو أنه رائد ومنظر الجنسية المثلية Homosexuality     في العصر الحديث.

1-       أندريه جيد   Andre’ Gide.

أندريه جيد كاتب فرنسي متعدد الإهتمامات الأدبية، ولد في باريس عام 1869 من عائلة بروتستانتية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتوفي عام 1951 وعمره 81 عاما. حاز على جائرة نوبل في الأدب عام 1947. كان والده أستاذ القانون في جامعة السوربون، توفي عام 1880 وعمر جيد 11 عاما. نشأ جيد، الإبن الوحيد لأبويه، نشأة غير نظامية ومنعزلة، وتعلم في مدرسة ثانوية بروتستانتية خاصة. واصبح يهتم ويخصص وقته للأدب والموسيقى، وبدأ حرفته الأدبية بكتابة المقالات، ثم تحول إلى كتابة الشعر والسيرة الذاتية والذكريات والرواية والمسرحية والنقد والترجمة. أصبح كاتبا في سن مبكرة عندما نشر روايته   The Notebooks of Andre Walter/1891. وفي عامي 1893 و 1894 سافر إلى شمال أفريقيا، وهناك تقبل فكرة الإنجذاب إلى الأولاد والإفتتان بهم. وفي باريس أرتبط بعلاقة صداقة مع الروائي الإيرلندي أوسكار وايلد/1854-1900. وفي عام 1895 تقابلا في الجزائر. هناك تولد إنطباع لدى وايلد أن جيد إنسان لوطي، يعشق المماثل جنسيا، ولكن جيد كان قد إكتشف، في الحقيقة، هذا الأمر في ملكته قبل ان ينشأ ذلك الإنطباع لدى أوسكار وايلد! وفي عام 1916 صار مارك الجيرت، )كاتب سيناريو ومخرج سينمائي فرنسي/1900-1973،( وهو صبي في عمر 15 عاما، عشيق أندريه جيد الذي كان عمره حينذاك 47 عاما. وفيما بعد سقط الجيرت هذا تحت سحر جان كوكتو، وخاف اندريه جيد ان (يُفسِد) كوكتو أخلاق عشيقه! وخلال الأعوام 1911- 1920 نشر جيد اجزاءا من نص بعنوان   Corydon دافع فيه عن الإنسان اللوطي. وعندما جمع هذه الأجزاء في كتاب صغير نشره بطبعة شعبية عام 1924 تلقى بسببه إنتقادات واسعة من أوساط المثقفين. وكتب جيد عن الكتاب " يصر أصدقائي ان هذا الكتاب الصغير سيضر بي ضررا عظيما." ولكنه،  فيما بعد، إعتبر الكتاب أهم عمل له في حياته. يحتوي هذا الكتاب على اربع حواريات هي: علماء التاريخ الطبيعي، المؤرخون، الشعراء، والفلاسفة، إعتبرها جيد دليلا وشاهدا لدعم وتأييد حجته بأن Homosexuality/اللواطة مسألة طبيعية كانت موجودة ومنتشرة في الحضارات القديمة الأكثر تقدما في الثقافة والفن مثل عصر الحضارة اليونانية في عهد بيركليز (رجل دولة، خطيب، وقائد جيوش إثينا في العصر الذهبي للمدينة، ولد عام 495 وتوفي عام 429 قبل الميلاد،) وفي عصر النهضة الأوربية في إيطاليا،(من نهاية القرن الثالث عشر إلى عام1600 تقريبا،) وفي العصرالإليزابيثي( عصر الملكة اليزابيث الأولى/1558-1603 في إنكلترا الذي يصفه المؤرخون بالعصر الذهبي في التاريخ الأنكليزي.

ويبدو ان مفهوم الأخلاق والحرية والإنسانية لدى أندريه جيد يختلف عما هو متعارف عليه أخلاقيا وإنسانيا وإجتماعيا حتى لدى أكثرالمجتمعات الأوربية تحررا وإنفتاحا في الماضي والحاضر.

كان اندريه جيد قد تعرض في اعماله الروائية وسيره الذاتية لمسألة الصراع والمصالحة النهائية بين جانبي شخصيته الممزقة والمنقسمة بسبب التربية الدينية المتزمتة والأخلاق الإجتماعية الضيقة الأفق. ومن الممكن رؤية اعمال اندريه جيد على أنها بحث عن الحرية والسلطة الفردية على الذات في مواجهة التقيدات الأخلاقية والدينية المتزمتة، وتحركه وجهده المتواصل لاحراز خاصية حرية الخُلُق العقلي والإستقامة والصدق في التفكير. وتعكس نصوصه النفسية بحثه عن كيفية ان يكون الإنسان هو نفسه بشكل كامل، حتى لو وصل الأمر إلى ان تكون له طبيعة جنسية مخالفة لما إعتاد عليه البشر وما تقتضيه الطبيعة الإنسانية السوية من الميل جنسيا الى الجنس المغاير دون ان يخون في نفس الوقت قيمه الفكرية والأخلاقية التي يؤمن بها. ويرى البعض في نشاطه السياسي مع الشيوعيين ثم تبرأه وتخليه عن الشيوعية عام 1936 بعد رحلته إلى الإتحاد السوفييتي دليلا على إخلاصه لتلك القيم التي آمن بها رغم أخلاقه الجنسية المنحرفة. فخلال سنوات الثلاثينيات (1930 - ....) اصبح أندريه جيد شيوعيا، أو بمعنى أدق Fellow traveler  وهو الشخص الذي يتعاطف مع معتقدات منظمة سياسية أو إجتماعية ويشارك في نشاطاتها دون ان يكون عضوا رسميا فيها. وعلى هذا الأساس دُعي جيد لزيارة الإتحاد السوفييتي باعتباره من الكتاب المشهورين ومتعاطف مع الشيوعية. ولكن جيد خاب ظنه وأمله في النظام الشيوعي، كما يقول، بسبب ما شاهده في هذا البلد في ظل ذلك النظام من أوضاع إنسانية وإجتماعية، وتعرض له بالنقد الصريح بعد تبرأه وتخليه عن الشيوعية عام 1936. " لا توجد أية عقيدة تنهار فيها الأخلاق مثل الشيوعية. لا أحد يمكنه ان يتخيل المأساة الإنسانية والأخلاقية، مأساة الدين والحريات في أرض الشيوعية، حيث تنحط قيمة الإنسان بشكل لا يصدق."

في عام1941  إشترك الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في تنظيم سري بعد عودته من الأسر لمقاومة الإحتلال الألماني. كان معه زوجته سيمون دو بوفوار وآخرين. وذهب سارت وزوجته إلى الريفيرا الفرنسية لمقابلة الكاتبين أندريه جيد واندريه مارلو وطلب مساعدتهما في الإنضمام إلى جمعية المقاومة السرية، غير ان جيد ومارلو ترددا في الإشتراك. وكان من نتيجة موقفهما ان خاب أمل سارتر وضعف عزمه، وقرر ان يتجه إلى الكتابة بدلا من المقاومة الفعلية. عام 1942 ترك جيد فرنسا، وطنه، بعد ان احتله الألمان وسافر إلى تونس وأقام فيها، ولم يعد إليها إلا بعد ان إنتهت الحرب وتحررت فرنسا! وهذا الموقف الأخلاقي والتحرري والإنساني، حسب مفهوم جيد، يشبه في معناه ومغزاه موقف الكاتب والفنان الفرنسي جان كوكتو الذي كان معجبا بالزعيم الألماني النازي هتلر وانتقد فرنسا لعدم إحترامها لهذا الزعيم المسالم والمعجب بالعقلية الفرنسية، كما سيأتي تبيانه عند الكلام عن كوكتو! وللقارىء الحق في ان يثير الأسئلة ويجيب عنها في نفس الوقت!

توفي أندريه جيد في فرنسا عام 1951 بعد ان كان قد حاز على جائزة نوبل في الأدب عام 1947. وفي عام 1952 قررت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تصنيف كتبه في خانة الكتب الممنوع تداولها.

 

2-       جان كوكتو Jean Cocteau

جان كوكتو كاتب وفنان فرنسي متعدد المواهب؛ روائي، شاعر، مخرج سينمائي، ممثل، مسرحي، رسام، مصمم. ولد عام 1889 في فرنسا وتوفي فيها عام 1963 بنوبة قلبية. كانت عائلته من العوائل الباريسية البارزة إجتماعيا، وكان والده محاميا ومارس الرسم على سبيل الهواية، إنتحر عندما كان كوكتو في التاسعة من عمره. ترك كوكتو البيت في عمر الخامسة عشر. وأصدر أول مجموعة شعرية بعنوان ( مصباح علاء الدين Aladdin’s Lamp) وهو في عمر التاسعة عشر. وسرعان ما أشتهر في دوائر الفنانين البوهيميين بأسم (الأمير الطائش The Frivolous Prince،) وهي المجموعة الشعرية التي نشرها في عمر الثانية والعشرين. من عام 1912 وخلال الحرب العالمية الأولى إلتقى وصادق ورافق كوكتو لأول مرة مجموعة من الكتاب والفنانين منهم الروائيين مارسيل بروست/1871-1922 واندريه جيد/1869-1951، والشاعرأبونير/1880-1918 والرسامين الأسباني بيكاسو/1881-1973 والإيطالي مودلياني/1884-1920 ومجموعة كبيرة أخرى من الكتاب والفنانين منهم الممثلة الألمانية مارلين ديتريش/1901-1992، والمغنية الفرنسية أيديث بياف/1915-1963، وقائد الأوركسترا وعازف البيانو الفرنسي أريك ساتيه 1866– 1925، والممثلة المكسيكية ماريا فليكس 1914- 2002 الذين تعاون معهم فيما بعد في جميع مجالات الأدب والفن. وعُرف كوكتو بروايته Les enfants terribles/1929 وأشتهر بأفلامه Blood of a Poet/1930  و Beauty and the Beast/1946  وOrpheus/1949 و Les Parents Terribles 1948

كان جان كوكتو كاتبا وفنانا، مبدعا وخلاقا، كتب ونشر اعمالا روائية وشعرية ومسرحية كثيرة. وكتب واخرج ووضع سيناريوهات وحوارات أفلاما كثيرة. ورسم لوحات جدارية، وخطط رسومات داخلية لمجاميع شعرية. وصمم إغلفة كتب روائية وديكورات مسرحيات. وكتب النقد وراجع الكتب. إلى جانب كل هذه المواهب والإمكانيات الأدبية والفنية كان جان كوكتو شخصا لوطيا( مشتهي المماثل/ مثليا،) ولم يحاول ان يُخفي ذلك. وكان عشيقه، (إلى جانب عشاق آخرين،) من عام 1937 إلى عام 1963 (عام وفاة كوكتو) الممثل الفرنسي، متعدد المواهب أيضا، جان ماريه 1913-1998.) كوكتو هذا برر إنحرافه وشذوذه الجنسي بقوله، في كلام جاء على لسان إحدى شخصياته في فلمه الذي كتبه وأخرجه عام 1949 بعنوان Orpheus وقام ببطولته الممثل جان ماريه " كل عبقري له أمزجة وأطوار خاصة به." و " الشاعر أكبر من مجرد إنسان."

كان جان كوكتو، بتأثير من النحات الألماني النازيArnoBreker /1900-1991، الذي نالت منحوتاته إستحسان السلطة النازية يومها، معجبا بالزعيم الألماني النازي أدولف هتلر رغم إحتلاله لوطنه فرنسا. فقد أقنعه بأن الزعيم هتلر هو إنسان مسالم ونصير للفنون وومعجب بالعقلية الفرنسية. وكتب كوكتو في يومياته متهما فرنسا بعدم إبداء الإحترام لهتلر. كما إهتم بنشاط الزعيم الألماني الجنسي. وكتب كوكتو مقالة نقدية عام 1942 بالغ فيها بتمجيد ذلك النحات الألماني النازي الأمرالذي إستُدعيَ كوكتو من أجله للمثول امام السلطات الفرنسية ووجهت له تهمة التعاون مع العدو بعد إنتهاء الحرب وتحرير فرنسا من ألمانيا النازية، ولكنه أفلت منها.

وتوفي جان كوكتو عام 1963 بالسكتة القلبية في قصره بفرنسا عن عمر 74 عاما.

 

3-       جان جينيه  Jean Genet.

جان جينيه كاتب روائي ومسرحي، مخرج، شاعر، كاتب مقالات في الفن والسياسة، وناشط سياسي. ولد عام 1910 في فرنسا وتوفي عام 1986 بسرطان الرئة. من أعماله الروائية  Querelle  de Brestو The thief’s Journal و Our Lady of the Flowers  والمسرحيات  The Balcony و  The Blacksو  The Maids و The Screens  . كانت أمه مومسا، تولت تربيته عاما واحدا ثم أودعته لدى جمعية للتبني. في حياته المبكرة وبسبب ظروف تربيته كان شخصا صعلوكا متشردا ولصا ارتكب بعض الأعمال الإجرامية الصغيرة، ولكنه فيما بعد، إتجه إلى الكتابة. وقد نشأ وتربى في ظروف غير مناسبة جعلت منه إنسانا فاسدا خُلقيا حتى آخر سنوات حياته. ولسنا هنا في معرض التفصيل في حياته، إلا إننا نورد هنا مثلا واحدا على إنحرافه وشذوذه الجنسي. فقد إنضم جينيه في فترة من حياته إلى الفيلق الأجنبي وهو جناح خدمة في الجيش الفرنسي. ولكنه طُرد منه بشكل مخز عندما قُبض عليه وهو يقوم بفعل غير محتشم (فعل اللواطة) مع شخص آخر. وأمضى بعدها فترة من الزمن صعلوكا متشردا يمارس السرقة واللواطة. ثم سافر وتجول عبر أوربا ووقف على أرصفة الشوارع كما تقف البغي المحترفة يعرض خدماته في اللواطة. هذه التجارب كلها دونها بصراحة في كتابه يوميات اللص/1949. كانت صراحته وتصويره المثير والمستفز لافعاله اللوطية وأعماله الإجرامية سببا لمنع كتبه في أمريكا خلال الخمسينيات من القرن الماضي. وفي عام 1947 كتب  جينيه، من بين ما كتب، رواية بعنوان  Querelle de Brest   وهي رواية إباحية تحكي عن علاقة جنسية لوطية بين رجلين. كما كتب وأخرج عام 1950 فلما بعنوان أغنية حب/ U Chant d’Amour وهو فلم قصير بطول 26 دقيقة بلا حوار، يحكي علاقة جنسية متخيلة بين سجين وحارسه، وقام بتصويره الكاتب والفنان الفرنسي جان كوكتو! ولكن جان جينيه تبرأ منه وتنكر له بسبب جرأته وصراحته والضجة التي أثارها في الأوساط الثقافية الفرنسية.

كتب جان جينيه عام 1949 خمس روايات، وثلاث مسرحيات، وعدد كبير من القصائد الشعرية. وكتب الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر دراسة نفسية تحليلية مطولة بعنوان (القديس     جون/1952) عن تطور وجودية جان جينيه من إنسان متشرد إلى كاتب، ولكن الدراسة نُشرت في المجلد الأول من أعمال جينيه دون ان يُشار إلى أسم كاتبها. وفي أواخر الستينيات أصبح جان جينيه ناشطا سياسيا بعد أحداث عام 1968 في فرنسا، وأشترك في المظاهرات ضد الأوضاع المعيشية التي يحياها المهاجرون الجزائريون في فرنسا. وأشترك مع الفيلسوفين الفرنسيين جان بول سارتر/1905-1980 وميشيل فوكو/1926-1984 في الإحتجاج على المعاملة القاسية التي يلقاها الجزائريون على يد البوليس الفرنسي. كما أتصل بعدة منظمات يسارية ثورية في العالم وحركات تحررية مسلحة، وذهب إلى فلسطين عام 1970 وأمضى ستة شهور في إحدى المخيمات الفلسطينية، والتقى بياسر عرفات سرا في عمان. وكتب عن تجاربه وخبراته هذه كناشط  سياسي في يوميات سماها سجين الحب نشرت بعد وفاته.

توفي جان جينيه عام 1986 بسرطان الرئة، وعمره 75 عاما, ووجد مطروحا على الأرض في غرفة احد الفنادق في باريس.

 

4-       أوسكاروايلد  Oscar Wilde

أوسكار وايلد، الكاتب والشاعر الإيرلندي، ولد عام 1854 في دبلن/أيرلندا. درس في كلية تيرنتي/دبلن وفي جامعة أوكسفورد في بداية عشرينياته. كان والداه من المثقفين البارزين في دبلن، وصار ولدهما برعايتهما يتكلم اللغتين الفرنسية والألمانية بطلاقة في سن مبكرة من حياته. وفي جامعة أوكسفورد قرأ وايلد التراث الفلسفي الروماني والإغريقي وأثبت أنه واحد من الكلاسيكيين البارزين، في دبلن أولا ثم في أكسفورد. وعُرف وايلد بارتباطه بنشأة الفلسفة الجمالية في الفن التي قادها إثنان من مدرسيه في الجامعة: ولتر بيتر و جون ريسكن، وكان المتحدث باسمها والمنغمس في نشاطاتها الأدبية المختلفة. فقد نشر كتابا في الشعر، وحاضر في أمريكا وكندا عن النهضة الإنكليزية في الفن. وفي أيامه اصبح وايلد واحدا من الشخصيات المعروفة جدا باسلوب حياته الذي إبتدعه هو وطريقة مناقشاته في الحلقات الإجتماعية والثقافية التي تواجد فيها وملابسه الأنيقة والمتوهجة الألوان. خلال الأعوام 1880 – 1890 صار وايلد واحدا من اكثر الكتاب المسرحيين والقصصيين شعبية في إنكلترا. ومن ابرز الأعمال التي كتبها الأمير السعيد وقصص أخرى/1888، ورواية صورة دوريان جراي/1891 (روايته الوحيدة)،  ومسرحية مروحة الليدي وندرميرز/1892، ومسرحية الزوج المثالي/1895 إضافة إلى مسرحيات أخرى جعلت منه اكثر المسرحيين نجاحا في العهد الفكتوري الأخير. كان وايلد ناقما ومتمردا على العهد الفكتوري واخلاقياته الأجتماعية وتزمته الديني. ولعل هذا هو الذي ادى به إلى نهايته المأساوية؛ تحطيمه وتدميره وموته مبكرا، مريضا، مفلسا ومنبوذا.

كان اوسكار وايلد رجلا متزوجا وله أطفال ولكنه في حياته الخاصة كان شخصيا لوطيا/مثليا، وكانت له علاقة جنسية مع شاب من النبلاء وسيم، فاسد وطائش الأمرالذي أدى في النهاية إلى تحطيمه وتدميره ككاتب ناجح وشخصية مشهورة. ففي قمة نجاحه وشهرته حين كانت مسرحيته أهمية ان تكون جادا تعرض في لندن عام 1895، رفع جون دوكلاس 1844- 1900 ماركيز كوينسبيري، وهو لقب نبيل سكوتلندي قديم، دعوى قضائية على أوسكار وايلد متهما أياه بمضاجعة الذكور، وهي جريمة كانت ممنوعة يومها ويعاقب عليها القانون، والتغرير بولده لورد الفريد دوكلاس واتخاذه عشيقا له ومضاجعته. وحاول وايلد، من جانبه، مقاضاة ماركيز كوينسبيرى بتهمة القذف والتشهير به والنيل من سمعته وشرفه. ولكن ماركيز كوينسبيري إستعان بعدد من المحامين بحثوا في سيرة وايلد الشخصية وعلاقاته الخاصة، واكتشفوا إقامته علاقات جنسية مع بغايا من الشباب الذكور كان يرتاد عليهم في اماكن سرية مختلفة بصحبة عشيقه الفريد دوكلاس، وقدموهم كشهود إثبات ضده. وأفتُضِحَ أمر وايلد وأُجبر في النهاية على سحب دعواه والتخلي عن إتهامه لخصمه ماركيز كوينسبيري. وحوكم امام محكمة حكمت عليه بالسجن سنتان مع الأشغال الشاقة ومصادرة املاكه وامواله. وفي السجن قاسى وايلد من الجوع والمرض والعمل القاسي. وعندما أكمل مدة سجنه خرج عام 1897، مفلسا ومحبطا، ولم يلبث طويلا حتى سافر إلى باريس وعاش فيها ثلاث سنوات فقيرا ومريضا، يتلقى الإعانات المعيشية من هنا وهناك ويحاول ان يستعيد وضعه ككاتب ويبدأ من جديد بروح جديدة. وكان في السجن قد كتب رسالة طويلة إستعرض فيها ما جرى له، ولكنه لم يتخل عن حبيبه وعشيقه الفريد دوكلاس. فقد إلتقيا والتم شملهما مرة اخرى في أحدى مدن مقاطعة نورماندي الفرنسية، ثم عاشا معا فترة من الوقت في مدينة نابولي الإيطالية. ولكنهما انفصلا مرة أخرى تحت تهديد أسرتيهما. ولم يلبث طويلا حتى توفي عام 1900 بمرض إلتهاب السحايا الذي أختلف الكثيرون في أسبابه ومنها إصابته بعدوى السفلس الجنسية. وعمره 46 عاما.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2250 السبت 20 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم