قضايا وآراء

مرة أخرى .. كتاب عالميون منحرفون جنسيا / احمد جاسم العلي

بالعنوان اعلاه اخترت كلامك لأنه يُظهر مع كل الأسف والأسى المستوى الثقافي والفكري والإنساني والأخلاقي، (مع التحفظ على المستوى الأخلاقي لأني لا اجرأ ولا اتجاسر على التقليل من مستوى أخلاقك،) الذي وصل إليه بعض المثقفين العراقيين، ليس كلهم بالطبع، من الذين لا يدركون ولا يعون ما يقولون من كلام او يدركون ويعون ما يقولون من كلام او يستسهلون ما يقولون من كلام او يعتقدون بما يقولون من كلام او يعارضون لمجرد المعارضة بكلام مستهجن لا يليق بمثقفين عراقيين يفترض فيهم النضج العقلي والفكري والإنساني والأخلاقي، الأمر الذي يوقعهم في موقف لا يُحسدون عليه ولا يُحمدون. أولا سأورد نص الكلام الذي كتبته ردا على تلك المقالة.

" قبل ايام كانت لنا مداخلة في ندوة عن عالم الإجتماع على الوردي. قلنا للسيد المحاضر انت اسرفت في الحديث عن حياة الوردي بينما نحن هنا للحديث عن مدونات وآراء الوردي، لا تهمنا حياته التي امضاها بل الأمر الهام بالنسبة إلينا معتقداته. بالنسبة لنا على الوردي عبارة عن مدونات لا أكثر. قبلها كانت ندوة عن الزعيم عبد الكريم قاسم ... أيضا قلنا للمحاضر: انت تحدثت عن امور لسنا معنيين بها، لا يعنينا إذا كان عبد الكريم قاسم يتناول طعامه بالصفرطاس او له بدلة واحدة وينام على ارض مكتبه ...... الخ، بل الأمر الذي يعنينا هو سياسة الزعيم فيما إذا كان حاكما مستبدا ام لا. بالنسبة لنا عبد الكريم قاسم عبارة عن سياسة.

وهكذا ينطبق الحال بالنسبة للكتاب. لا أسأل إذا كان هذا الكاتب او ذاك تقيا او يُلاط به. أسأل عن آراءه، عن نصه فيما إذا كان نصه بالنسبة لي ممتازا ام لا. أسأل عن منجزه ليس إلا. ما يهمنا من الكاتب، محليا كان ام عالميا، نصه. نصه هو الأمر الذي يهمنا ولسنا معنيين بأي أمر آخر. إذا واجهنا كاتبا تقيا فإن تقواه لا تشفع  إذا كان نصه رديئا، وإذا كان نصه ممتازا فالأمر لا يمت بصلة إلى تقواه.

والحال ينطبق على السياسي ايضا. فالسياسي لا يشفع له تدينه إذا كان فاشلا، وإذا كان ناجحا فالأمر لا يمت بصلة إلى تدينه.

تحياتي مع الود."  إنتهى كلامك.

أقول الحق، أنا مذهول ومصدوم مما قلته في تعليقك، إذا تعاملت معك كمثقف، وأنت مثقف كما يظهر؛ هذا واضح من كلامك، فأنت تحضر الندوات وتناقش من يحاضر فيها وتجري مداخلات وتدلي بآراء معارضة. لو ان كلامك هذا جاء من قارىء عادي يريد ان يتثاقف لما كان له اثر في نفسي اصابني بالكآبة والحزن كما أُصبت بالكآبة والحزن لأنه جاء من عندك، أنت المثقف، في الظاهر لأني لا أعرف حقيقتك كما أنت في الباطن. أنا تحدثت عن كتاب عالميين منحرفين وشاذين جنسيا لم يخفوا ما هم عليه من إنحراف وشذوذ جنسي، فمنهم، (اندريه جيد،) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1947 والذي وضع كتابا بعنوان (Corydon) عام 1924 دافع فيه عن الإنسان اللوطي واعتبر (اللواطة Homosexuality) مسألة طبيعية كانت موجودة ومنتشرة في الحضارات القديمة الأكثر تقدما في الفن والثقافة ...... (راجع المقالة.) ومنهم (جان كوكتو) الذي برر إنحرافه وشذوذه الجنسي بالقول ان كل عبقري له إمزجة واطوار خاصة به و الشاعر اكبر من مجرد إنسان .... (راجع المقالة.) ومنهم (جان جينيه) الذي كتب كتابا بعنوان (يوميات اللص/ 1949) دون فيه بصراحة، إستفزت وأثارت إستنكار وإستهجان الكثيرين من معاصريه، تجاربه في حياة التشرد والسرقة واللواطة .... (راجع المقالة.) ومنهم (اوسكار وايلد) الذي حُكم عليه بالسجن سنتان مع الأشغال الشاقة وخرج منه مريضا، مفلسا، محطما، ولكنه اصر بعد خروجه على العودة إلى والعيش مع عشيقه السابق (لورد الفريد دوكلاس) ذلك الشاب الفاسد الذي سُجن وايلد بسببه بعد إدانته من قبل المحكمة بفعل اللواطة معه، ...... (راجع المقالة.) هل هؤلاء الكتاب العالميون المنحرفون والشاذون جنسيا تقول عنهم، أنت الإنسان العراقي المثقف، كما تقول عن عالم الإجتماع علي الوردي والزعيم عبد الكريم قاسم ( او عن غيرهما ....،) الذين لا ترتقي أفعالهم الشخصية الأخلاقية في حياتهم الخاصة إلى مستوى الأفعال الأخلاقية الشخصية لأولئك الكتاب العالميون المنحرفون والشاذون جنسيا في حياتهم الخاصة ... أنك لا تهتم بافعالهم الشخصية في حياتهم الخاصة حتى لو وصل الأمر معهم إلى ان يكونوا كتابا منحرفين وشاذين جنسيا؟ أنك بدلا من ذلك تهتم بـــ (معتقداتهم) و(آراءهم) و(منجزاتهم) و (نصوصهم) و (مدوناتهم) إذا كانت (ممتازة) أم لا؟ صحيح؟ يعني انت لا تهتم فيما إذا كان عالم الإجتماع على الوردي، مثلا، إنسانا لا يجيد إقامة العلاقات الثقافية والإجتماعية مع الآخرين بل وينفر منهم، ولكنك تهتم بــ (معتقداته وآراءه،) فهو، على الوردي، عبارة عن كاتب (مدونات.) ولا يعنيك ان عبد الكريم قاسم يأكل (بالصفرطاس) او ان له بدلة واحدة وينام على ارض مكتبه، بل ان ما يعنيك هو سياسة الزعيم فيما إذا كان حاكما مستبدا ام لا، وانه كان، عبارة عن رجل (سياسة.) هل إهتمامك بما كان لعلى الوردي من (مدونات) واهتمامك بما كان لعبد الكريم قاسم من (سياسة) وعدم إهتمامك بما كانا عليه من افعال شخصية في حياتهما الخاصة هو نفس إهتمامك بما كان لأندريه جيد وجان كوكتو وجان جينيه واوسكار وايلد، (وغيرهم لم نذكرهم في مقالنا،) من (معتقدات) و (آراء)  و (منجزات) و نصوص) و (مدونات) في الوجود والحياة والإنسان، وعدم إهتمامك بما كانوا عليه من حياة خاصة وافعال شخصية ومنها إنحرافهم وشذوذهم الجنسي؟ هل من الإدراك والوعي ورجاحة العقل، وهل من الحشمة والحياء والأدب، ( مع التحفظ على كلمة الأدب لأني لا أجروء ولا اتجاسر على القول أنك غير مؤدب،) ان تساوي بين الحياة الخاصة والأفعال الأخلاقية الشخصية لعلي الوردي وعبد الكريم قاسم، اوغيرهما، وبين الحياة الخاصة والأفعال الأخلاقية الشخصية لهؤلاء الكتاب الأربعة المنحرفين والشاذين جنسيا؛ ان تساوي بين افعال هؤلاء وافعال أولئك؟ ان تنظر بمنظار أخلاقي واحد إلى هؤلاء وأولئك، ان تتعامل بنفس القدر من الإهتمام وعدم الأهتمام، وبالتالي بنفس القدر من الإحترام والتقدير مع هؤلاء وأولئك على اعتبار( معتقداتهم) و (آراءهم) و (منجزاتهم) و (نصوصهم) و (مدوناتهم؟)

دعني اكون صريحا معك: هل تقبل، مثلا، فكرة ان يكون كاتبا ما، محليا كان أو عالميا، منحرفا أو شاذا جنسيا، يعني مثليا، يلوط ويُلاط به مع احتفاظه باحترامك له واعجابك به لا لشيء سوى أنه كاتب نص ومنجز(ممتاز) وله (معتقدات) و(آراء) في الوجود والحياة والإنسان؟ هل تقبل، مثلا، ان تصادق أو تصاحب كاتبا ما، تعرف أنه منحرف أو شاذ جنسيا، وتغشى معه المنتديات الثقافية والأدبية لا لشيء سوى انه كاتب نص ومنجز (ممتاز) وله (معتقدات) و(آراء) في الوجود والحياة والإنسان ولا يهمك بعد ذلك ما يفعل في حياته الخاصة ولا تهمك أفعاله الشخصية؟

لن أطيل عليك ولا على القارىء. أقول، على الإنسان، المثقف، المدرك والواعي، قبل الإنسان العادي، ان يدرك ويعي ما يريد ان يقول من كلام في أي امر وشأن قبل ان يقوله، وان لا يستسهل ما يريد ان يقول من كلام في أي أمر وشأن قبل ان يقوله، وان لا يدلي برأي ولا يناقش في أي أمر وشأن قبل إدراكه ووعيه، وان لا يعترض على رأي لمجرد الإعتراض والإستعراض.

وبعد ...

... في الماضي نشأنا وتثقفنا على أساس ان الأدب هو ان تكون مؤدبا. هذا القول امسى مع مرور الزمن قولا قديما؛ مفهوما متواضعا وتفسيرا بسيطا للأدب، لا يتماشى ولا يتناسب مع تطورات الأدب وتحولات الأديب. ويبدو أننا بحاجة اليوم، ربما، إلى ان نقول ذلك القول القديم الذي عفا عليه الزمن: الأدب هو ان تكون مؤدبا!

بغداد في 26/10/2012

 

للاطلاع

كتاب عالميون منحرفون جنسيا .. نعجب بهم ونمجدهم ونخلدهم! / احمد جاسم العلي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2257 السبت 27 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم