قضايا وآراء

الجنسيون المثليون في العراق / قاسم حسين صالح

ومع ان مقدّم البرنامج (السيد ناطق) حاول ان يتناول هذه القضية بموضوعية عبر الاتصال هاتفيا بطبيب نفسي يعمل بمستشفى الرشاد في بغداد، واستطلاع رأي رجل دين في لقاء مصور، ولقاءات بجنسيين مثليين ومواطنين عاديين، الا أنه اضطر ان يساير المزاج الشعبي عبرساعتين من الاتصالات الهاتفية ورسائل الأس أم أس، تلخصت اهم مواقفها بالآتي:

1.حرق الجنسيين المثليين في العراق

2.ان ظهورهم في هذا الزمان يعد علامة من علامات الساعة

3.تقصير الحكومة في عدم اتخاذها اجراءات حاسمة بحقهم

4.تقصير الأهل في عدم متابعتهم لأولادهم المراهقين

5.تحميل الفيسبوك والانترنت وكثرة المقاهي سبب ظهورهم الآن.

وما يلفت انتباهك أن حدة المزاج الشعبي الانفعالي ما تزال هي " السلطة "في الشارع العراقي..بمعنى اننا نتعامل مع الظواهر الاجتماعية السلبية او المدانة اخلاقيا ودينيا ..بعقلنا الانفعالي الذي ينحّي العقل العلمي والمنطق العقلاني في التعامل مع هذه الظواهر، فكان الحل الذي قدمه المزاج الشعبي في معالجة هذه الظاهرة ان طالب المتصلون عبر الهاتف ورسائل الأس أم أس بـ(حرقهم بالبنزين، وذوله كفره ما يستحقون الحياة، الحرق قليل بحقهم، اعدامهم وتعليقهم بالشوارع، لازم انقطعهم وصل وصل، الله واكبر راح تنكلب بينا الدنيا...).

واذا كانت الغالبية المطلقة قد طالبت (بحرقهم)، فان كثرة اخرى تعتقد بأن ظهور هؤلاء المثليين يعد من علامات الساعة.

وتعكس هذه الأفكار والمواقف كيف ان المزاج الانفعالي العراقي يفوض لنفسه سلطة الانتقام من الآخر بابشع الطرق (ويذكّرك بما جرى في عامي 2006و2007 من تحكم الانفعال في استسهال قتل الآخر)، ومدى تخلف الوعي بحشر قضايا اجتماعية في تخريجات دينية بعدّ ظهور هؤلاء الآن بأنه من علامات الساعة، مع انهم كانوا موجودين قبل ظهور الاسلام وبعده..يعني اكثر من ألف سنة وما قامت الساعة!.

كان ينبغي ان يوضح للناس ان الجنسيين المثليين على ثلاثة اصناف:

الأول:صنف مرضي نشخّصه نحن النفسانيين بـ(اضطراب الهوية الجنسية)..نوضحه بأن كل واحد منّا نحن الرجال يمتلك هويتين :هوية بايولوجية بمعنى أن جسمه جسم رجل، وهوية نفسية تتضمن احساسه ومشاعره بأنه رجل وتمثله لقيم المجتمع الخاصة بالرجل.فاذا تطابقت الهويتان، البايولوجية والنفسية، كان تصرفه الجنسي طبيعيا، واذا تعارضت الهوية النفسية مع الهوية البايولوجية، مشاعره مشاعر انثى وجسمه رجل،  يحصل لديه اضطراب يوصله الى نتيجة انه ولّد في الجسم الخطأ، ويدفعه الى ان يتصرف تصرف انثى .

ان السبب في هذا الصنف (المنحوس) من المثليين هو خطأ في التكوين البيولوجي يستدل عليه بان هذه الظاهرة تنتشر بين الحيوانات وبخاصة الطيور والقردة..يعزى الى خلل في الدماغ.هذا يعني ان الجنسي المثلي من هذا النوع مريض وليس مسؤلا عن تصرفه،  وان حاله حال المصاب بمرض السرطان.ولهذا لا يصح اعتبار تصرفه على انه خرق للقيم الدينية وتحدّ للتقاليد الاجتماعية كما يفسره العقل الانفعالي الشعبي، الذي سايره البرنامج للأسف، وخسر فرصة تثقيف الناس واجهزة السلطة وبعض المتطرفيين الدينيين، الذين منحوا انفسهم حق الانتقام من الحنسيين المثليين قبل عامين بأن سدوا فتحات مقاعدهم بالسيكوتين وشربوهم مادة المسهل وراحوا يتلذذون بصراخهم ورؤيتهم كيف يموتون.

والثاني:صنف سببه جهل باسلوب التنشئة الأسرية للأطفال بعمر السنتين الى خمس ست سنوات تحديدا..كأن تتباهى الأم بجمال ابنها وتصف وجهه "شكد حلو عبالك وجه ابنيه" وتسرّح شعره الطويل وتضفره جدائل.واذا ظل الطفل يلعب مع البنات، وكان ابوه لا يتمتع بصفات الرجولة، وافتقد انموذج الرجل، فأنه تتشكل لدى البعض من هؤلاء الاطفال هوية نفسية انثوية..تفضي بالنتيجة الى ان يكون مثليا..وكان على البرنامج ان يوعي الأسرة بذلك، وينبهها ايضا الى ان ترك الطفل يلعب مع مراهقين، او تعرضه الى تحرش جنسي يشكل احد اهم اسباب الجنسية المثلية.

والثالث:صنف تسهم في تكوينه مجموعة اسباب تتضمن:سوء استخدام الانترنت، البطالة واحساس المراهق بالعوز، اصدقاء السوء، سهولة الحصول على المخدرات...

وما يدهشك هو معالجات هذه الظاهرة التي طرحت في البرنامج.فالعراقيون في الداخل اقترحوا (حرقهم) والعراقيون في الخارج اقترحوا تسفير هؤلاء المثليين الى اوربا لتخليص العراق منهم.وليس بغريب على العقل الانفعالي الذي تستفزه حالات من هذا النوع ان يقترح معالجات غير عملية فضلا عن كونها غير انسانية.وكان على مقدم البرنامج ان يسألهم:لو افترضنا ان في العراق ثلاثة الآف جنسي مثلي واننا سفرناهم خارج العراق، او رميناهم في محرقة جماعية وحرقناهم جميعا ..فهل تنتهي هذه الظاهرة وتختفي نهائيا في العراق؟.

ان قضية الجنسيين المثليين في العراق من اختصاص اربع جهات:الطب النفسي الذي يكون من اختصاصه لوحده معالجة الصنف المرضي منهم، والأسرة في توعيتها بأساليب التنشئة الصحيحة للأطفال بعمر ما قبل الدراسة، والحكومة بمعالجة مشكلة البطالة، ووزارة الاتصالات بحجب المواقع الاباحية، ووسائل الاعلام عبر التثقيف الديني الحضاري في معالجة الظواهر غير الأخلاقية، والصحافة والاذاعات والفضائيات ب.شكل خاص.

ومع ذلك فان ما يحسب لقناة السومرية انها تتناول قضايا اجتماعية تدخل في باب الممنوع او المحظور او فيها مجازفة،  لا بهدف الكشف عنه وفضحه بل التوعية بمخاطرها وتبيان ضرورة معالجتها، وهو عمل تشكر عليه.غير ان حلقة الجنسيين المثليين التي بثت البارحة لم تصل غايتها النهائية، بل ان مقدم البرنامج اضطر مجبرا، لحسياسية الموضوع وخشية مشروعة،  ان يساير المزاج الانفعالي واهدار الكثير من الوقت في الاستماع الى اتصالات تعزف على نفس الايقاع :ابادة الجنسيين المثليين في العراق..وكأن في ابادتهم يغدو العراق نظيفا من كل الرذائل..مع ان رذيلة الجنسيين المثليين وخطرها على الاخلاق لا تقاس برذيلة الفساد وما احدثه من خراب في القيم والضمائر حتى بين من يلبسون العمائم..وكان عليهم ان يعدوا هذه من علامات الساعة!

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2264 السبت 03 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم