قضايا وآراء

السوبر حداثة .. فلسفة اللغة / حسن عجمي

لنشهد الصراع فيما بينها وانتصار السوبر حداثة التي تتحرر من تقاليد الفلسفة التي تصر على تحديد اللغة وسجنها.

 

أولا ً، ثمة نظرية فلسفية تعتبر أن اللغة مجردة. طرح الفيلسوف كيتز هذه النظرية ودافع عنها. بالنسبة إلى كيتز، اللغة مجردة بمعنى أنها تختلف كلياً عن الواقع الفيزيائي وعن الحالات العقلية والتصرفات البشرية. بل اللغة تحيا بلا مكان وبلا زمان ووجودها ضروري الوجود. فاللغة ليست ما نقول أو نكتب وليست حالات سيكولوجية قائمة في العقل البشري. على النقيض من ذلك، يؤكد كيتز على أن اللغة مجردة ومختلفة عما نقول أو نفعل بها وعما يوجد في العالم الفيزيائي من حولنا تماماً كما أن الأعداد الرياضية مجردة. بكلام آخر، اللغة مجردة كما العدد الرياضي واحد مجرد ؛ فالعدد واحد غير موجود في عالمنا الفيزيائي كما توجد هذه الورقة أو ذاك القلم. من المنطلق نفسه، اللغة مجردة ومستقلة في وجودها عن عالمنا الفيزيائي، ولذا للغة تجسدات متنوعة تماماً كما للعدد واحد تجليات مختلفة ؛ فمن الممكن كتابة العدد واحد بطرُق متنوعة لأن كتاباتنا له ليست سوى تصوراتنا عن الواحد الحقيقي المجرد. هكذا أيضاً اللغة مجردة ولذا من الممكن التعبير عن العبارة نفسها بأساليب مختلفة Jerrold Katz : The Metaphysics of Meaning.1992.A Bradford Book)).

لكن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه النظرية هي التالية : إذا كانت اللغة مجردة وبذلك مختلفة ومنفصلة تماماً عن عالمنا الفيزيائي وعنا، إذن كيف ترتبط اللغة بعالمنا الواقعي وكيف ترتبط بنا ؟ إذا سلّمنا بأن اللغة مجردة حينها لا قدرة سببية لها لكونها مجردة وبذلك يستحيل أن ترتبط بنا وبعالمنا الفيزيائي الواقعي. وهذا نقيض طبيعة اللغة لكونها معبِّرة عن الواقع ولكونها مُستخدَمة من قِبل البشر. من هنا، تفشل النظرية التي تقول إن اللغة مجردة.

 

ثانيا ً، قدّم الفيلسوف وعالِم اللغة نعوم تشومسكي نظرية مفادها أن اللغة والمعاني عقلية ومُحدَّدة من قبل العالم الداخلي للإنسان. بالنسبة إلى تشومسكي، اللغة حالات عقلية سيكولوجية ؛ فالعبارات اللغوية تمثلات عقلية معتمدة في وجودها على الدماغ البشري كسائر الحالات العقلية البشرية. لكن الحالات العقلية كالمعتقدات أساسها بيولوجي ؛ فهي تتكوَّن على ضوء بيولوجيا الفرد وتعتمد في وجودها على الخلايا العصبية ( أي النيورونات ) القائمة في الدماغ والتي بدورها تنشأ بفضل الجينات البشرية أي المعلومات المتوارثة من جيل إلى آخر. وبما أن اللغة حالات عقلية، والحالات العقلية بيولوجية في الأصل، إذن بالنسبة إلى تشومسكي اللغة بيولوجية وموجودة في جينات الكائن الحي ( Noam Chomsky : Language And Problems of Knowledge.1988.MIT Press ). لكن هذه النظرية تواجه مشكلة أساسية وهي التالية : إذا كانت اللغة ومعانيها حالات عقلية ومُحدَّدة من قبل العالم الداخلي للإنسان، إذن لن تتمكن اللغة من التعبير عن العالم الواقعي خارج الإنسان. وهذه النتيجة تعارض الحقيقة ؛ فاللغة كما نختبرها أداة تعبير ناجحة عن العالم الواقعي. وبذلك تفشل نظرية تشومسكي التي تعتبر أن اللغة حالات عقلية.

 

ثالثا ً، دافع العديد من الفلاسفة عن نظرية أن اللغة فيزيائية ومُحدَّدة من قبل العالم الفيزيائي خارج الإنسان. فمثلا ً، يقدِّم الفيلسوف ديفيد لويس مذهباً فلسفياً مفاده أن اللغة إقتران الجُمل بالمعاني وأن العبارة الحاملة للمعنى هي مجموعة أكوان ممكنة. مثل ذلك أن عبارة " الثلج أبيض " هي مجموعة الأكوان الممكنة حيث الثلج أبيض ( David Lewis : On the Plurality of Worlds.2001.Wiley-Blackwell ). هكذا العبارة مُحدَّدة من قبل الوجود المتكوِّن من أكوان ممكنة موجودة بالفعل. ويؤكد الفيلسوف جيري فودر على هذا الاتجاه الفيزيائي في اللغة لكن بطريقة أخرى. يقول فودر إن المفاهيم مُحدَّدة من قبل العالم الواقعي خارج الإنسان. فمثلا ً، مفهوم " القطة " يعني القطة لأن القطة في العالم الواقعي تسبِّب مفهوم " القطة ". هكذا العالم الفيزيائي يُحدِّد اللغة ( Jerry Fodor : A Theory of Content and Other Essays.1990.MIT Press ). أما مشكلة النظرية الفيزيائية في اللغة فهي التالية : ثمة مفاهيم غير مرتبطة بالعالم الفيزيائي لأنها مجردة. وبذلك تفشل النظرية الفيزيائية في التعبير عن تلك المفاهيم لأن النظرية الفيزيائية في اللغة تشترط أن نرتبط سببياً بالعالم الفيزيائي كي تنشأ المفاهيم لدينا. مثل ذلك أن العدد خمسة مجرد وبذلك لا يوجد ككائن فيزيائي في العالم الفيزيائي فلا يرتبط بنا سببياً وبذلك لا يسبب مفهومه فينا ؛ فهو يفتقر إلى قدرة سببية لكونه مجرداً. من هنا، إذا صدقت النظرية الفيزيائية في اللغة حينها يستحيل معرفة العدد خمسة. لكن هذا نقيض الواقع ؛ فنحن نعرف العدد خمسة ونستخدمه دائماً. على هذا الأساس تفشل النظرية الفيزيائية في اللغة أيضاً.

 

اللغة إما مجردة وإما عقلية وإما فيزيائية. لكننا وجدنا أن كل هذه النظريات في اللغة تفشل. وبذلك من غير المُحدَّد ما هي اللغة تماماً كما تؤكد السوبر حداثة. بالنسبة إلى السوبر حداثة، اللامُحدَّد يحكم العالم لكن رغم لا محددية العالم من الممكن معرفته. من هذا المنطلق، تقول السوبر حداثة إن من غير المُحدَّد ما هي اللغة. وبما أن من غير المُحدَّد ما هي اللغة، إذن من الطبيعي أن تفشل كل نظرية في تحليل اللغة فكل تحليل تحديد. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير لماذا تفشل التحليلات السابقة للغة، وبذلك تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية ما يدعم مصداقيتها. ولا محددية اللغة تحررنا. فلو كانت اللغة مُحدَّدة ما هي وكيف تتكوّن ومما تتكوّن لتم سجننا في لغة مُحدَّدة ما يجعلنا نخسر حرية التفكير. من هنا حقيقة أن اللغة غير مُحدَّدة تضمن حريتنا في صياغتها وفي التفكير من خلالها وبذلك لا محددية اللغة تضمن إنسانية الإنسان ؛ فإنسانية الإنسان كامنة في حريته. هكذا تكتسب السوبر حداثة فضيلة تحريرنا من سجون لغة مُحدَّدة وفضيلة ضمان إنسانيتنا. وبما أن اللغة غير مُحدَّدة ما هي، إذن من المتوقع أن تتجسد اللغة في تجسدات مختلفة وعديدة إن لم تكن لامتناهية في العدد. وهذا يدفع إلى استمرارية البحث المعرفي إلى ما لا نهاية بهدف الكشف عن التجسدات والتجليات اللغوية اللامتناهية. من هنا تضمن السوبر حداثة استمرارية البحث المعرفي واللغوي وبذلك تكتسب السوبر حداثة فضيلة إضافية كبرى.

 

من جهة أخرى، يقدِّم نعوم تشومسكي نظرية مثيرة في اللغة مفادها التالي : اللغة فطرية وعالمية بحيث تولد مع ولادة الإنسان كما يشترك كل البشر في امتلاك لغة عالمية واحدة كامنة في جيناتنا البيولوجية أي في ما نرث من معلومات في أجسادنا الحية. بالنسبة إلى نظرية تشومسكي هذه، كل اللغات المختلفة التي نعرفها كالفرنسية والإنكليزية والإسبانية والعربية إلخ ليست سوى تجليات متنوعة للغة العالمية التي يشترك كل البشر في امتلاكها. وكما يقول تشومسكي، إذا زارنا كائن فضائي سيجد أن كل البشر يتكلمون بلغة واحدة وأن اللغات التي نعتبرها مختلفة ليست سوى لهجات متنوعة للغة المشتركة بيننا جميعاً. والدليل الأساسي الذي يقدمه تشومسكي على صدق نظريته هو التالي : يتمكن الطفل من بناء عبارات لغوية سليمة في قواعدها اللغوية وذات معان ٍ من دون أن يكون قد اختبرها سابقاً أي من دون أن يكون قد سمعها أو تعلمها. والسؤال هو : كيف يتمكن الطفل من فعل ذلك؟ يجيب تشومسكي قائلاً إن التفسير الوحيد لهذه الحقيقة هو أن اللغة بقواعدها فطرية في الإنسان تولد فيه بمجرد أن يولد. هكذا يشترك كل البشر بامتلاك قواعد لغوية واحدة، لكن من جراء اختبار أنماط لغوية مختلفة في محيطنا نصبح متكلمين بلغات مختلفة. فمَن يسمع العربية وهو طفل يغدو متكلماً باللغة العربية، أما مَن يختبر أو يستمع إلى اللغة الإنكليزية فيمسي متكلماً باللغة الإنكليزية بدلاً من العربية. فما نختبر من أنماط وألفاظ لغوية مختلفة في محيطنا يسبب اختلاف اللغات البشرية رغم أنه مجرد اختلاف في الظاهر. بالنسبة إلى تشومسكي، القواعد فطرية وعالمية، لكن كل قاعدة أو مبدأ لغوي ليس سوى عامل متغير على ضوء ما نختبر ( Noam Chomsky : Language And Problems of Knowledge.1988. MIT Press. & Noam Chomsky : Language & Thought.1993.Moyer Bell). على هذا الأساس، إذا صدقت نظرية تشومسكي فهي دليل آخر على مصداقية السوبر حداثة في اللغة. فبما أن مبادىء اللغة عوامل متغيرة على ضوء ما نختبر في الواقع، إذن اللغة غير مُحدَّدة ما هي كما تقول السوبر حداثة بالضبط . ولا بد أن تكون اللغة غير مُحدَّدة لتكون عالمية ؛ فلو كانت اللغة مُحدَّدة لتحددت على ضوء الظروف المحيطة بها وبذلك لإختلفت بين البشر باختلاف كبير من جراء اختلاف الظروف الطبيعية والاجتماعية ما يجعل من المستحيل أن تكون اللغة عالمية بحيث يشترك كل البشر بامتلاك لغة واحدة. على هذا الأساس، اللغة غير مُحدَّدة وإلا لم تكن عالمية.

 

بالإضافة إلى ذلك، يشرح المفكر وعالِم اللغة ديفيد كريستل الوظائف العديدة والمختلفة للغة اعتماداً على التاريخ الفكري الطويل المعني بفلسفة اللغة وأبحاث العلوم الألسنية. وظائف اللغة كثيرة وعرضة للتغير والتطور والتدهور. يوضح لنا كريستل الوظائف المتنوعة للغة منها أن اللغة وسيلة للتواصل والتفاهم بين البشر؛ فمن خلال اللغة فقط نتمكن من أن نتبادل المعلومات فننجح في التواصل والتفاهم فيما بيننا. لذا اللغة أساس بناء المجتمع والحضارة لأن بها فقط نتفق أو نختلف علماً بأنها الأداة الناجحة في إيصال المعلومات وتلقيها. وهذه الوظيفة الأساسية للغة تتضمن وظائف أساسية أخرى لها ألا وهي أن اللغة تشكّل وسائل للتعبير عن الأفكار والمشاعر والوقائع والحقائق. فبما أن اللغة أداة للتواصل والتفاهم بين الناس، وبما أن التواصل أو التفاهم بين البشر لا يتم سوى من خلال تعبيرهم عن أفكارهم ومشاعرهم وعما يوجد في الواقع أو ما قد يوجد، إذن اللغة كوسيلة للتواصل والتفاهم تتضمن بالضرورة وظائف اللغة المتمثلة في التعبير عن الأفكار والمشاعر والوقائع والممكنات. من الوظائف الأخرى التي تملكها اللغة وظيفة تغيير العالم وتشكيله. مثل ذلك هو عندما يعمّد رجل الدين المسيحي طفلاً من خلال طقس ديني جوهره قراءة آيات من الإنجيل أو النصوص المقدسة الأخرى حينئذ يغدو ذاك الطفل مسيحياً بفضل ما تم من قراءة لغوية. الشيء نفسه يحدث مع المسلم ؛ فعندما يتلو الفرد الشهادتين مؤمناً بهما يصبح مسلماً. هكذا القراءة أو التلاوة اللغوية تخلق الحقائق وتشكل العالم. من الأمثلة على ذلك أيضاً أننا لا نعد أحداً بفعل شيء ما إلا إذا قلنا له نعدك بذلك، كما لا نعتذر فعلاً من أحد إلا إذا قلنا له نعتذر منك. هذا يرينا أن اللغة هي التي تقوم ببعض الأفعال وبذلك تغيّر العالم وتغيّرنا ( David Crystal : A Little Book of Language.2010. Yale University Press ).

 

يشير المفكر كريستل إلى أدوار أخرى تتخذها اللغة منها أنها تعبير عن الهوية. مثلاً، إذا استخدمنا اللغة العربية للتواصل حينها نعبّر ضمنياً عن أننا عرب أو ننتمي إلى الحضارة العربية. أما إذا استعملنا اللغة الانكليزية في تواصلنا الاجتماعي فحينئذ نعبّر عن أننا انكليز أو ننتمي إلى الثقافة الانكليزية. وهكذا بالنسبة إلى باقي اللغات. ويضيف كريستل أن دوراً أساسياً أيضاً للغة يكمن في أن اللغة تساعدنا في التفكير. مثل ذلك أننا إذا رددنا تعليمات صناعة أو تركيب آلة ما بصوت عالٍ، سوف يساعدنا ذلك في فهم واستيعاب تلك المعلومات ما يتيح لنا النجاح في بناء تلك الآلة التي ننوي تركيبها. لكن ليست كل وظائف اللغة جدية ؛ فمن وظائفها أيضاً أنها تهدف إلى إسعادنا وإسعاد الآخرين. وظيفة اللغة هنا هي وظيفة ترفيهية. فمثلاً نستخدم اللغة من أجل إطلاق النكات والأحاجي كما نلعب باللغة منتجين نصوصاً لا معنى لها وهدفها الترفيه ليس إلا. وكما تشكّل اللغة العالم تجعلنا نفكر ونشعر؛ فمثلاً قراءة هذه الرواية أو تلك القصيدة تدفعنا نحو التفكير والشعور على هذا النحو أو ذاك  ( المرجع السابق ). الآن، لقد وجدنا أن للغة وظائف وأدواراً عديدة ومختلفة. لكن لماذا تتخذ اللغة كل هذه الوظائف والأدوار بدلاً من أن تكتفي بوظيفة واحدة أو دور واحد ؟ يبدو أن الجواب يكمن في السوبر حداثة التي تعتبر أنه من غير المُحدَّد ما هي اللغة. بالنسبة إلى السوبر حداثة، من غير المُحدَّد ما هي اللغة وبذلك من الطبيعي أن تملك اللغة وظائف وأدواراً عديدة ومختلفة. هكذا تفسِّر السوبر حداثة لماذا تتعدد وظائف اللغة وتختلف وبذلك تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية كبرى. فلو أنه من المُحدَّد ما هي اللغة لاتخذت حينها اللغة وظيفة واحدة بدلا ً من وظائف عدة مختلفة. لكننا وجدنا أن للغة وظائف متنوعة. من هنا، اللغة غير مُحدَّدة ما هي تماماً كما تقول السوبر حداثة.

 

لم تكتف ِ اللغة في اكتساب تلك الوظائف والأدوار العديدة والمختلفة، بل شهدنا في أوائل القرن العشرين انقلاباً لغوياً خطير المعاني مفاده أن اللغة تخلق الفكر والواقع. فمثلا ً، إذا اعتمدنا لغة الفيزياء بدلاً من لغة أخرى كلغة الرياضيات سوف نفكر بطريقة مختلفة وسنرى الكون من منظور مختلف بل سيتخذ العالم شكلاً مختلفاً عما سيتخذه لو أننا اعتمدنا لغة الرياضيات مثلاً. فمن خلال لغة الفيزياء سيغدو الكون متكوّناً من جسيمات كالإلكترون وطاقات كالجاذبية. لكن إذا اعتمدنا لغة الرياضيات سيصبح الكون متشكلاً من هندسات متعددة ومعادلات رياضية مختلفة هي الأساس في نشوء المواد وطاقاتها؛ فمع اختلاف هندسات الطبيعة تتنوع القوانين الطبيعية. أما إذا كانت لغتنا بدائية لا تحتوي سوى على القليل من المفاهيم، إذن من الطبيعي أن لا ننجح من خلالها في فهم الفيزياء أو الرياضيات المعاصرة . هكذا اللغة هي العامل الأساس في صياغة تفكيرنا وواقعنا. والمضمون الفلسفي لهذه الثورة اللغوية يتمحور حول فكرة أن معظم المشاكل الفكرية تنشأ من جراء تخبطنا في اللغة كما يقول الفيلسوف فتجنشتين، وبذلك حلها يكمن في استعمال المفاهيم بشكل سليم لغوياً أو في إصلاح لغتنا بالذات. من هنا اللغة هي المصدر الجوهري لإيصالنا إلى المعرفة وحل المشاكل الفكرية (Editor : Richard M. Rorty :The Linguistic Turn.1992.University of Chicago Press ).

 

لكن مَن الذي يُحدِّد الاستخدام الصحيح للغة ؟ إذا وجد معيار على ضوئه تتحدد اللغة السليمة والاستخدام الصحيح للمفاهيم حينها يتم سجننا في لغة مُحدَّدة ما يمنعنا عن البحث المستمر عن لغات جديدة متضمنة لمعارف جديدة. على هذا الأساس، موقف السوبر حداثة القائل بلا محددية اللغة يضمن لنا الحرية واستمرارية البحث المعرفي. وبذلك تكتسب السوبر حداثة فضائل معرفية كبيرة ما يدعم مقبوليتها. تؤكد السوبر حداثة على أنه من غير المُحدَّد ما هي اللغة، ولذا من غير المُحدَّد ما هي اللغة السليمة وما هو الاستخدام الصحيح للمفاهيم. لكن حين نعتبر أنه من غير المُحدَّد ما هي اللغة السليمة وما الاستخدام الصحيح للمفاهيم نتحرر من سجون لغة مُحدَّدة. وحين نعتبر أن اللغة السليمة غير مُحدَّدة كما أن الاستخدام الصحيح للمفاهيم غير مُحدَّد يدفعنا ذلك إلى البحث الدائم عما قد تكون لغة سليمة وعما قد يكون الاستخدام الصحيح للمفاهيم ما يضمن استمرارية البحث المعرفي. هكذا تحررنا السوبر حداثة من سجون لغة مُحدَّدة وتضمن استمرارية الأبحاث المعرفية. وبذلك تكتسب السوبر حداثة فضائلها فمقبوليتها. مَن لا يتحرر من لغته لا يتحرر من فكره وسلوكه. ومَن لا يتحرر من فكره وسلوكه يبقى سجين ذاته المُسبَقة.

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2278 الأحد 18 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم