قضايا وآراء

نظرية عراقية / قاسم حسين صالح

بمعنى أن القيم الأخلاقية تتعرض الى الضعف والتدهور بتقدم الزمن.

وكي يتبين خطورة ما سيؤول اليه الحال نوضّح بأن (القيم Values) شغلت اهتمام الفلاسفه وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والدين وعلم النفس، واتفقوا على انها هي التي تتحكّم بسلوك الانسان وهي التي تحدد اهدافه، وان اختلاف الناس في سلوكهم وطبيعة شخصياتهم ما اذا كانت خيّرة ام شريرة يعود اساسا الى اختلافهم في قيمهم. فالذي يحدد اخلاق وتصرفات رجل الدين ويميزه عن الشخص الارهابي، مثلا، هو نوع القيم التي يحملها كل منهما لكونها هي التي توجّه السلوك نحو اهداف ومقاصد معينة .. وقس على ذلك اختلاف الناس في كل شؤون حياتهم.لأن القيم بأنواعها الستة (المادية، الدينية، الاجتماعية، الاخلاقية، النظرية، والجمالية) هي توليفة معقدة من الاراء والافكار والاتجاهات حول الموضوعات والأشياء، انتظمت من خلال الخبرة الشخصية والاجتماعية والثقافتين الرئيسة والفرعية لتشكل نظاما متكاملا من الاحكام والقواعد الاخلاقية والمعايير يخلقه المجتمع في اذهان افراده، ليزودهم بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء.

وبهذا المعنى فان القيم أشبه بـ" اللاصق"الذي يربط بين الاشياء أو" الاسمنت" الذي يربط بين "طابوق"عمارة. فاذا كانت مادته اللاصقة ضعيفة انهارت العمارة اذا تعرضت لهزة ارضية. ويصح القول على المجتمع الذي تكون قيمه ضعيفة، فان ما كان يتمسك به من اخلاق وروابط دينية واجتماعية تنهار أو تتفكك حين يتعرض الى احداث سياسية مفاجئة او ازمات مستعصية تدخله في صراعات بين مكوناته القومية والدينية والمذهبية.

ودليلنا على صحة نظريتنا هذه ان القيم الأخلاقية في المجتمع العراقي قبل خمسين سنة كانت ارقى من حيث النوعية وأكثر شيوعا بين الناس .خذ مثلا قيمة "الحلال والحرام"، فقد كان السارق لا يعطى امرأة ليتزوجها لأنه يجلب العار لمن يناسبه.والنبذ الاجتماعي نفسه كانت تتخذه الناس ضد الموظف الذي يرتكب جريمة فساد مالي، فيما ضعفت الآن قيمة الحلال والحرام، وتحول الفساد من فعل كان يعد خزيا الى شطارة وذكاء واغتنام فرصة، بل تعداها الى تبرير"شرعي" بأن الضرورات تبيح المحظورات.

وخذ على الصعيد التربوي، الذي يعنى بالقيم الأخلاقية، فلقد كنّا نحن تلاميذ الخمسينيات نحترم المعلم ونجلّه ونخاف منه، فيما تلاميذ اليوم "يتواكحون"مع معلميهم.حتى على صعيد الجامعة التي وصل فيها الحال أن "يهان" الاستاذ في القاعة الدراسية من قبل طالب له صفة "استعلائية" فأذلّ من كانوا في زمانهم أعزّة..وقس على ذلك تراجع موجع في قيم الصداقة والجيرة والتكافل الاجتماعي.

والأخطر أن القيم الدينية التي تعدّ أقوى المكونات الأخلاقية في مجتمعنا، تعرضت الى التخلخل ايضا.فلقد أساء لها ولرمزها "العمامة" مسؤولون كبار من "الأسلام السياسي" زينت لهم السلطة والثروة حبّ الدنيا فغلّبوها على آخرتهم..في زمن صار فيه الكبار قلّة تتآكل وغالبية المجتمع شباب من جيل (الخيبات) المتلاحقة..والخائب لا تعنيه الأخلاق.

والتساؤل:هل أن هذه النظرية تنطبق على المجتمعات كافة منطلقة من حيثية:ان المال هو أصل كل الشرور، وأن زيادة الناس لا تقابلها زيادة في الموارد المالية تحفظ التوازن بينهما، وبالتالي فان الصراع على المال يفسد الأخلاق؟.أم انها تنطبق فقط على المجتمع العراقي مستندة الى حيثية:أن السياسة في العراق اذا دخلت في اي مجال..أفسدته، وأن السياسي العراقي مصاب بعصاب حب السلطة والثروة والنساء..حتى في الزمن الديمقراطي؟!

تساؤل ينتظر اجاباتكم.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2286 الاثنين 26 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم