قضايا وآراء

تعالي لأبحث فيك عنًي لـيحيى السماوي / قاسم ماضي

وبإعتقادي هنا تكمن نقطة الخلاف التي يكتنزها السماوي من بقية هذا العدد الهائل من الشعراء الذين يعاصروننا الان، ونسمعهم ويسمعوننا أو نقرأهم ويقرأوننا، وهو يسير بتطور قصيدته نتيجة وجود حاجة ملحة في ذاته المحترقة التي إستنتجها من قبل الكثير من الشعراء الذين سبقوه، وكأنه يريد بذلك وضع هويته الشعرية التي سار عليها هو دون غيره بقرار ذاته، وله ميزة إضافية فهو يكتب القصيدة العمودية وقصيدة النثر ويتفنن بهما، وفي ديوانه " تعالي لأبحث فيك عنًي " الصادر عن مؤسسة المثقف العربي " استراليا، وهو من القطع المتوسط ويقع في 129 صفحة، ويحوي العديد من القصائد، نذكرمنها " إسراء، فيضان، وجد، إكتشاف متأخر، عتاب، سراب " تجد هذا الصراع الداخلي الذي يحمله من محيطه الخارجي نتيجة هذه الضغوطات المتراكمة من نعومة أظافره الى يومه هذا، وكما يقال " كل الناس بخلاء، الإ الشعراء " اذن أين يربكنا الشاعر عندما نقرأ قصيدته !في مقاصد موضوعه لأنه هنا في ديوانه عاشقاً للحُسن والجمال وهو شاعر يشبه الشعراء العذريين كقيس وجميل وكثير، بالرغم من دنو عمره من الستينات، لأن الحب الذي يكتنزه في قلبه وعقله حسي، وهو الباحث في الامعان عن الصور الشعرية المكتنزة، ولم يقترب من الركاكة في معظم قصائد الديوان، ولهذا لم يبخل على العاشقين الصادقين وهو كالمروج لهم حاملاً محبته وصدقه وإخلاصه لهذا العاشق " كعطيل ودزمونه " أو كقيس وليلى " أو " جميل وبثينة " وفي قصيدة " تهويمات تحت ظلالها " ص67

أعوذ ُ بالله ِ من

الشيطان

أعوذ ُ من نفسي بنفسي ..

من خريفي

بندى ربيعك ِالضًوئي ً

بالماءِ من النيران

السماوي يغلي بهذه القصائد وهو يستعير مفرداته الشعرية من لغة القران الكريم، وكأنه يرُيد أن يوصل لنا بأن هذا الحب هو عذري ومسموح لكل عاشق، بوصف الحب هو أسمى الآيات التي توصلنا الى مرأفى الامان الذي فقده الانسان عبر هذه الصراعات التي أوصلتنا الى العديد من الخيبات، وهو يتحسب لأكثر من أمر حينما يغرد بقصائده، ولم يعتد أن يخفي خوفه من هذه القصائد التي التي يقول عنها الشاعر " علوان حسين " ملهمة السماوي " متشكلة من ألوان تتدرج كألوان لوحة ترسمها الطبيعة على وفق مزاج المطهر والنهر والشمس والتراب، لوحة أجمل مافيها أشكالها المتعددة وألوانها التي تأخذ من الماء طرواتها ومن النار وهجها ودفء معانيها، وفي قصيدة " تهويمات تحت ظلالها " ص67

والضُحى والليل ِ:

ما أشمس َ َ صُبحي دون عينيك ِ

ولا زان مسائي غير ُ بدرِكً

نجد العلاقة بين النص والواقع، وهو بدوره شاعرا ً عمل على تفعيل الوعي وتعميق تحسسه بلغة تواصله، وهو يطالبنا جميعا ً في الانطلاق من أسر الواقع الذي نعيشه لصالح هوية جديدة للإنسان الذي يختار، وكأن خطابه توجيها ثقافيا واجتماعيا وسياسيا لكل المحبين في هذا العالم المترامي الأطراف، يقول " ريكور " نشاط الانا ومواجهته للعالم من خلال الأدب " بصورة أكثر ملموسية ومباشرة، وفي قصيدة " إكتشاف متأخر " ص99

هواك ِ عرشي

ها أنا في العشق ِ :

" هرون الرشيدُ "

وإنقسم الديوان إلى شطرين الاول وظفه الشاعر لقصيدة النثر التي جاءت متماهية مع ما حمله العنوان من المضامين والتوجهات والرؤى الفكرية للشاعر حيث عنصر الإيحاء كان بارزا ً في الكثير من القصائد وتبلور في مناخ نفسي وعاطفي ضمن نسق مختزل ودال وما يحسب للشاعر أنه أجاد إقتناص بعض اللحظات الواقعية وشكلّها على نحو معين محاولا ًُ إظهار حالة من التشخيص وهي ليست بالضرورة تمثل ذلك التماثل بين النص المكتوب والنص الدنيوي، جاءت بوصفها حالة حالة موازية تُمحى فيها المسافة بين (الادبي والوقعي)، (الحقيقة والتخييل) وبهذا يتحقق التحول الذي يجعل من العالم المبعثر للنص إلى وحدة موحدة وفق أنساق تصنعها إستراتيجية فنية تجعل السياق الشعري منفتحا ً على التأويل باحثا ً عن شكل جديد عن رؤية متجددة من خلال إستثمار كم العلامات والرموز وتوجيهها ضمن سياقها الجمالي والفكري، قامت قصيدة السماوي (النثر والعمودية) في ديوان (لأبحث فيك عني) على التلميح والإختزال والتكثيف لتصنع فضاء خطابها بتلك اللغة التلغرافية وإيقاعها المتنوع .

 

قاسم ماضي – ديترويت

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2289 الخميس 29 / 11 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم