قضايا وآراء

من الشروق الى السطوع (8): حزب الدعوة وإشكاليات التأسيس والإنتشار والسلطة : علي المؤمـن

الأسئلة والإنتقادات والإشكالات التي وردت على الحلقات الثلاث الأولى من دراستي المسلسلة حول حزب الدعوة والإشكاليات التي اكتنفت مسيرته من نشوء الفكرة وحتى الآن؛ وبالنظر لأهمية كثير من الردود ومساهمتها في إكمال الصورة الحقيقية لموضوع الدراسة؛ فسأخصص جزءا من الحلقات للخوض في الردود؛ على أن أستأنف حلقات الدراسة فيما بعد.

وسأنقل هنا نص السؤال أو المداخلة؛ ثم أحاول الإجابة عليها أو معالجتها. مع التأكيد على انني لم أجب على التعليقات والمداخلات الممجدة أو المسيئة الى الحركات والجماعات، أو ذات الطابع الشخصي؛ ولاسيما التي تمجد أو تسيء الى بعض الشخصيات، او التي تحتوي على اتهامات شخصية  للباحث ولاعلاقة لها بالموضوع.

 

  شخصيات ليست في الدعوة وآخرى في الدعوة

الكاتب: محمد قبيسي - لبنان

انا أتكلم من منطلق المعرفة والاختصاص وأنا داعية لبناني قديم . لقد ذكر الدكتور علي المؤمن اسماء شخصيات قال انه انضمت الى حزب الدعوة وهذه الشخصيات صرحت عدة مرات انها لم تكن في الدعوة؛ كالشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد عباس الموسوي والشيخ سليمان المدني من البحرين والسيد محمد محمد صادق الصدر من العراق. فما هو دليله على ذلك؟ بينما أهمل اسماء مهمة أخرى لبنانية وعراقية وسعودية كآية الله الشيخ عفيف النابلسي من لبنان  (كان في حزب الدعوة) ;فما السبب؟

 

علي المؤمن

هناك شخصيات غير مختلف على انها كانت منتظمة في حزب الدعوة؛ بل ومن قياداته العامة أو المحلية في فترة معينة، ومنها: المرحوم آية الله السيد محمد حسين فضل الله ( المرجع الديني والمفكر الاسلامي في لبنان ) والمرحوم آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان ) والمرحوم الشيخ سليمان المدني ( رئيس المحاكم الجعفرية في البحرين) والشهيد السيد عباس الموسوي ( امين عام حزب الله في لبنان ) . فضلا عن شخصيات اخرى كانت منتظمة في حزب الدعوة أيضا ولم تكن من قياداته؛ لأنها تركت التنظيم بعد بضع سنوات من انضمامها؛ كآية الله الشهيد السيد محمد الصدر ( المرجع الديني الكبير في العراق ). فالسيد فضل الله والشيخ شمس الدين هما من الدعاة الاوائل الذين انضموا الى الحزب في نهاية الخمسينات، وكانا في القيادة العامة للحزب حتى مطلع الثمانينات، وهي الفترة التي تركا فيها التنظيم. وفي حين اختلف الشيخ شمس الدين مع توجهات الحزب في السنوات اللاحقة وحتى وفاته؛ ولاسيما على خلفية الخلاف مع السيد فضل الله؛ فان الأخير بقي مواكبا للحزب وعمله عن قرب؛ حتى وفاته. اما الشهيد السيد عباس الموسوي فقد كان من قيادات الحزب في لبنان، ويعد من الجيل اللبناني الثاني في الحزب؛ وهو جيل الشيخ نعيم قاسم ومحمد رعد وعماد مغنية وابو سعيد الخنسا والشيخ عبد الساتر والشيخ حسين الكوراني والشيخ محمد يزبك ومحمد فنيش ومحمود قماطي وهاني قاسم وحسن حدرج والشيخ راغب حرب وغيرهم، وهو الجيل الذي اعقب الجيل اللبناني الاول الذي يمثله محمد هادي السبيتي و السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ مفيد الفقيه والشيخ حسن ملك والشيخ عبد المنعم المهنا والسيد علي الامين ومهدي السبيتي وحسن شري والشيخ علي الكوراني والشيخ صبحي الطفيلي وغيرهم. أما الجيل الثالث فيضم مئات الدعاة اللبنانيين؛ ولعل الابرز منهم: السيد ابراهيم امين السيد والشيخ محمد كوثراني والدكتور علي فياض والسيد حسن نصر الله وغيرهم.

ويبقى ان لكل شخصية مسوغاتها وظروفها الدينية او الاجتماعية او السياسية في نفي علاقتها بحزب الدعوة؛ ولاسيما الشخصيات الكبيرة التي أخذت في بلدانها مواقع دينية وسياسية رأسية حساسة؛ فيما مرحلة لاحقة من عمرها. وأصبح هذا النفي جزءا من ثقافة المحيطين بالشخصية ايضا. وينطبق هذا الامر تحديدا على الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ سليمان المدني والسيد محمد الصدر والسيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله، وشخصيات كبيرة اخرى من البحرين ولبنان وايران وباكستان والكويت والمنطقة الشرقية في السعودية. ولكن بزوال الظرف المسوغ للنفي؛ تزول حساسية الحديث عن التاريخ. فمثلا خلال تأليفي كتاب "سنوات الجمر" في أواخر الثمانينات؛ لم أنشر مئات المعلومات التي كانت متوافرة لدي. ولكن في الطبعة الثالثة للكتاب، والتي صدرت عام 2004؛ أضفت مايقرب من 200 صفحة؛ مليئة بالمعلومات الجديدة التي كنت أمتلكها ولم أنشرها سابقا. وهكذا بالنسبة لمحنتي الحقيقية مع كتابي" سنوات الرماد" و " سنوات الحصاد"؛ اللذين لا أزال مترددا في نشرهما؛ لأنهما يحتويان على معلومات وتحليلات؛ يصعب ان تتحملها الساحة الاسلامية والعراقية بنظامها الديني وكياناتها السياسية وتنظيماتها وشخصياتها. وفي الوقت نفسه لاأستطيع حذف أو تجاوز هذه المعلومات والتحليلات؛ لان ذلك يتسبب في خلل منهجي كبير.

 

تأكيد على عدم انتماء السيد الشهيد الصدر الثاني الى حزب الدعوة      الكاتب: نرجس الحسن

اود التاكيد بأن سماحة السيد محمد محمد صادق الصدر "قدس" لم يكن منتميا اصلا لحزب الدعوة وبأي شكل من الاشكال. وهذا ما كان يصرح به سماحة السيد في حياته وبدون تقية، وفي اكثر من لقاء، حتى لايستغلها " الدعاة " كما سمعناها منهم ولاكثر من مرة، لمحاولة تجيير كل الوجود الشيعي الحوزوي منه والثقافي العام لصالحهم .

 

علي المؤمن

لقد أثار ذكري للسيد الشهيد الصدر الثاني ضمن قائمة الدعاة الاوائل في الحلقة الثانية من الدراسة حفيظة بعض الكتاب والمهتمين؛ وصوروا هذا الانتماء القديم للشهيد الى حزب الدعوة بمثابة تهمة؛ لأن نظريته في العمل الاسلامي تختلف عن النظرية الحزبية، أو لربما يستفيد منها حزب الدعوة الآن. ومن ابرز الردود هي الدراسة المسلسلة المطولة المعنونة " دفاعا عن الصدر المقدس " بقلم الاستاذ محمد الماجد، ونشرها في موقع منتدى الصدر المقدس؛ والتي فندت كل مايرتبط بعلاقة الشهيد السيد محمد الصدر بالدعوة. وسأرد على ماجاء فيها بالوثائق في حلقة قادمة.

وأقول بأن هذا الموضوع هو موضوع تاريخي محض، ولايجوز إسقاطه على وضع حزب الدعوة الحالي وأيضا على علاقته بالتيار الصدري الآن، أو مقارنته بنظرية الشهيد في العمل المرجعي العام الفاعل؛ فكثير من قيادات حزب الدعوة وكوادره وأعضائه - وبعضهم من المؤسسين - تركوا الحزب ايضا، ثم اختلفت رؤاهم ونظرياتهم في العمل عن الحزب، وهم كثيرون جدا، وبعضهم أصبح على طرف نقيض من نظرية العمل الحزبي، ولكن هذا لايعني انهم لم يكونوا يوما ما في حزب الدعوة. كما لايجوز للباحث التاريخي العبور على هذه الحقائق والتنكر لها؛ فهي تاريخ. ولاسيما إذا عرفنا ان موجة حزب الدعوة في النجف اجتاحت شباب الحوزة العلمية الواعين؛ ولاسيما المنتمين الى مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر؛ ومنهم السيد الشهيد محمد الصدر؛ الذي كان آنذاك في العشرينات من عمره.

لقد انتمى آية الله الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر الى حزب الدعوة في أواسط الستينات، وكان مسؤوله آية الله السيد كاظم الحائري ( الذي كان حينها مسؤول لجنة الدعوة في الحوزة العلمية النجفية). وترك السيد الصدر التنظيم في اوائل السبعينات. ويرجع المطلعون المباشرون على العمل آنذاك؛ سبب ترك السيد الشهيد الصدر الثاني للدعوة الى فتوى استاذه آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر في عام 1974 بفصل العمل الحزبي عن الحوزة النجفية. وكانت التهمة الموجهة للسيد محمد الصدر عند اعتقاله عام 1974 والتعذيب الشديد الذي تعرض له؛ هي انتماءه الى حزب الدعوة. وقد تغيرت نظرية السيد محمد الصدر فيما يرتبط بالعمل الحزبي بعد ذلك؛ ولاسيما في الثمانينات، وتبنى نظرية العمل الديني والمرجعي العام؛ والتي تجسدت فيما بعد بمرجعيته الفاعلة في التسعينات.

 

اين حزب الدعوة الآن من ثوابته

الكاتب: الشيخ موحان البصري

لقد اكد صديقنا القديم السيد علي المؤمن، في فرضيات واشكاليات الحلقة الاولى وكذا في الحلقة الثالثة عند حديثه عن عقائدية حزب الدعوة؛ اكد على ماأسماه بثوابت حزب الدعوة التي تمثل فلسفته الوجودية ومسوغات استمراره؛ فكيف ترى ياسيد حضور هذه الثوابت في الممارسات الحالية لحزب الدعوة؟ واين اصبحت فلسفته الوجودية ـ كما تسميها ـ المتلخصة في دعوة الناس للدين وتأسيس الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية ؟ أرجو الإجابة بطريقة واضحة كما عهدناك، دون استخدام المنهجية الضبابية (الجعفرية) أو أساليب الالتفاف (الدعوتية).

 

 علي المؤمن

لاشك ان ثوابت الحزب تمثل فلسفة وجوده، والتي تتلاشى بدونها الغاية من استمراره. وفي المقابل فان التجديد في الأدوات والاساليب والميكانيزمات، بل وحتى المنهجيات؛ هو سنة الله في خلقه، وهو ضرورة وحاجة دائمة، بل هو نوع من الديالكتيك الذي تفرضه حتمية التطور بتأثير الزمان والمكان.

وهنا لابد ان نفرق في مجال الثوابت بين الأحزاب الايديولوجية بمفهومها الفكري والعقيدي، والاحزاب الليبرالية بمفهومها الغربي الحديث، فلايجوز اخضاع الاحزاب الايديولوجية لمعادلات التطور والتحول والعصرنة والمرونة ذاتها التي تخضع لها الاحزاب الليبرالية؛ لوجود تعارض أساس في الفلسفة الوجودية لكلا النوعين من الاحزاب. فمثلا : الحزب الليبرالي هدفه الوصول الى السلطة كغاية نهائية. بينما الحزب الإسلامي باعتباره حزبا ايديولوجيا دينيا دعويا؛ ليس حزب سلطة او حكم، بل انه يريد الوصول الى الحكم لتحقيق غاياته الدعوية. اي ان الحزب الاسلامي  يستخدم الحكم كأداة ووسيلة وليس غاية، وبالتالي تكون السلطة هدفا وغاية للحزب الليبرالي في اطار عملية صراع دنيوي صرف، وتكون السلطة أداة الحزب الاسلامي في تطبيق الشريعة في إطار غايات أخروية. وهذا هو الهدف النهائي الأساس لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية. واذا سقط هذا الثابت تتلاشى فلسفة وجوده واستمراره.

ولكن؛ وجود هذا الثابت؛ لايعني الدوغمائية في عملية تطبيق الشريعة، بل ان من الضروري خضوع عملية التطبيق للمرونة التي تفرضها الظروف الموضوعية، والتدرج الذي يستطيع الواقع من خلاله استيعاب عملية التطبيق؛ لاسيما اذا كانت تجربة السلطة والحكم مستحدثة ومستجدة؛ وبحاجة الى استحكام أكبر وتجذير أعمق؛ والا فسيكون الفشل هو النتيجة الحتمية للتجربة؛ وهي في بدايتها؛ بعد قرون من التغييب القسري عن ممارسة عملية السلطة. أي ان أصل التزاحم هنا بين سقوط التجربة برمتها ـ قبل استحكامها وثباتها ـ وبين ضغط تحقيق الأهداف؛ هو الذي يحدد خيارات العمل وأولويات التحرك؛ وهو مايدخل في إطار “فقه الأولويات" و"فقه المصلحة". هذا فيما لو كان الحزب مبسوط اليد ويتفرد في الحكم. أما اذا كان فكر الحزب يمثل جزءا من عقيدة الدولة، وكان حضوره في النظام السياسي يمثل جزءا من السلطة والحكم، وقد أمسك بهذا الجزء في إطار عملية سياسية معقدة نتج عنها شراكة مع جماعات علمانية واتجاهات سياسية متنوعة ترفض اي حضور للشريعة الإسلامية في الحياة؛ كما هو الحال مع تجربة حزب الدعوة في العراق بعد عام 2003؛ فان الحديث عن تطبيق الاهداف والتمسك بالثوابت سيكون بحاجة الى عمق كبير بعيدا عن التدافع الإعلامي والمزايدات السياسية والتسطيح الفكري. وبالتالي فحزب الدعوة ليس هو الحزب الحاكم على النظام السياسي العراقي، ولاهو الحزب الذي تتبنى الدولة عقيدته. ولكن هذا لايعني ان الحزب لاينتقد في المساحات التي يمكنه التحرك فيها لتحقيق أهدافه أو مقدمات أهدافه.

وهنا لابد من التاكيد على ان تحديد الثوابت و فهم الظروف الموضوعية وإخضاع الأساليب والادوات لهذه الظروف؛ هي ليست عمليات ارتجالية و عشوائية أو إجرائية مرهونة بالإنفعالات السياسية اليومية؛ بل هي عمليات معقدة بحاجة الى دراسات معمقة وحوارات موضوعية هادئة؛ يقوم بها أصحاب الاختصاصات (المنظرون والمفكرون والباحثون؛ وبينهم فقهاء وسياسيون)؛ بعيدا عن التجاذبات السياسية والمصالح الشخصية والمزايدات والجدل والتصريحات الاعلامية.

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2292 الأحد 02 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم