قضايا وآراء

العصبية بين الضغوط اليومية والجذور البيئية / إيمى الاشقر

  فى  مراحل سنية  مختلفة ومستويات اجتماعية متفاوتة  نظرا  لسوء الحالة الاقتصادية والضغوط  العصبية المستمرة وتحمل اعباء الحياة  المتواصلة والاضطرابات السائدة على الساحة السياسية، وكذلك القلق، التوتر وعدم الحصول على القسط الكافى من الراحة جميعها عوامل مسببة  للعصبية، الا ان فى بعض الحالات نجد ان العصبية تعود الى اسباب خفية تكمن بداخل الشخص نفسة وليس لها علاقة بشكل كامل بالفعل الذى كانت العصبية هى الفعل المقابل لة الا ان الفعل كان مجرد حافز مثير  لشىء معين داخل الشخص كان هو السبب الحقيقى وراء رد فعل مبالغ فية مثير لدهشة المحيطين وغير مناسب تماما ويعتبر فوق المعايير الاجتماعية السوية، ولذلك يهدف البحث الى دراسة العوامل الخفية المسببة للسلوك العصبى المبالغ فية او الغير سوى .

 

اسباب العصبية :

  • عدم حصول الفرد على القسط الكافى من الراحة
  • الاضطرابات النفسية واهمها التوتر والقلق
  • الضغوط  العصبية  الناتجة عن الاعباء اليويمة
  • سمة مكتسبة من خلال البيئة المحيطة بالفرد من الدرجة الاولى (الام الاب)
  • سلوك اجتماعى سلبى ناتج عن تنشأة اجتماعية غير سوية
  • نتيجة لافكار سلبية مخزنة فى العقل الباطن لدى الشخص
  • سلوك عدوانى ناتج عن معيشة الفرد فى اهم مرحلة وهى مرحلة الطفولة فى ظروف بيئية ومادية قاسية
  • رواسب من فترة الطفولة مخزنة فى العقل الباطن تعتبر بمثابة  سبب مثير للغضب
  • اللامبالاة والجهل فى التعامل مع الطفل وعدم احترام رغباتة ينتج عنة شخص عصبى
  • ردود الافعال المبالغ فيها من الام والاب مع الطفل ينتج عنها شخص صاحب ردود افعال عصبية مبالغ فيها  
  • العدوانية، العقاب البدنى، اهانة  الطفل امام الاخرين وخاصة الضرب على المؤخرة ينتج عنة شخص عصبى صاحب ردود افعال مبالغ فيها .


    عينة البحث :

اجريت البحث على حوالى 27 حالة تتراوح اعمارهم بين 20 عام و50 عام من مستويات اجتماعية مختلفة يعيشوا فى ظل ظروف اقتصادية متفاوتة الا ان فترة الطفولة تختلف اختلاف تام من حالة الى اخرى الا انهم يجمع بينهم سلوك اجتماعى متقارب بدرجات متفاوتة الا وهو الردود العصبية التى تدخل فى نطاق العصبية المصحوبة بردود افعال مبالغ فيها لا تتناسب والفعل المسبب لها .

 

موضوع الدراسة:

احد العينات ويبلغ من العمر 50 عام  ذكر، ويتسم بالعصبية الشديدة وردود الافعال المبالغ فيها احيانا .. يقول انه عندما كان طفل صغير كان والدة يتعامل بشكل افضل مع شقيقة الاصغر منة بعام واحد فقط واذا حدث بينهم شجار على لعبة مثلا وتكون هذة اللعبة  ملكة هو ياخذها منة ويعطيها لشقيقة الاصغر ويضربة بعنف شديد جداا عقابا لة انة اغضب شقيقة، مما كان السبب فى كرة والدة وشقيقة ايضا وجعلة عصبى جدااا ويشعر بالضيق كثيرا  وفى احيان لا تتعلق بهذة المواقف الا انها تحيا فى عقلة الباطن ولا ينساها ابدااا .

عينة اخرى ويبلغ من العمر 48 عام  ذكر، ويتسم بالعصبية الشديدة جداا وردود الافعال العنيفة .. يقول انة منذ ان كان طفل صغير وكانت والدتة تمدح شقيقة الاكبر منة كثيرا وتضعهما فى مقارنة معا ويكون هو الشخص الاقل فى كل شىء كما كانت دائما تردد فى الحديث معه كلمات تشعرة بالضيق مثل (انت لا تعرف، انت لا تفهم، انت الاسوء، ...) مما جعل الاحساس بالضيق ينتابة بشكل دائم وظل مصاحب لة فى جميع مراحل حياتة مما يجعلة عصبى المزاج دائما وخاصة عند المواقف الحاسمة التى تتطلب قدرات خاصة وعنيف جدا فى ردود افعالة عندما يشعرة احد من خلال تعاملة معة بالنقص او يقلل من قيمتة  فيسيطر عليه سلوك عدوانى تجاة الاخرين .

 

عينة اخرى يبلغ من العمر 40 عام  ذكر،  يستم بالعصبية الشديدة، ردود افعال عنيفة جدا ولكنة يبدو هادىء جداا  لكن هذا  النوع من الهدوء الذى يطلق علية الهدوء الذى يسبق العاصفة، يقول .. انه عندما كان طفل صغير كان يعمل مع والدة الذى يعمل تاجر وهو عصبى المزاج صاحب ردود افعال عنيفة جداا، همجى الطباع، لم ينال اى قسط من التعليم ولم يلتحق باى مدرسة،كان يهينة امام الاخرين ويثقل علية اعباء العمل ويجبرة احيانا على النزول معة الى العمل حتى اذا كان ليس لدية رغبة فى ذلك ينفذ اوامرة من منطلق الخوف منة وتجنب ردود افعالة العدوانية واهانتة وضربة اذا لزم الامر، يقول ايضا انة كان دائما يكتم غيظة وغضبة ولا يسمح للدموع ان تتساقط من عينة خوفا من والدة الهمجى .

 

احد العينات ويبلغ من العمر 34 عام، ذكر، نشأ فى بيئة ريفية بين ام واب يتسموا بالجهل الشديد وهوس السيطرة والتسلط، عصبى جداا وصاحب ردود افعال غير منطقية بالمرة ليس لها علاقة من قريب او بعيد بالفعل الذى كان السبب فى  ردود افعال غير سوية وغير منطقية تندرج تحت الردود الافعال الهيسترية، تلقى قدر كبير من العلاج النفسى لدى متخصصين فى الامراض النفسية والعصبية حتى يتخلص من تلك العصبية الغير منطقية .. يقول . . عندما كان طفل صغير كان والدة ووالداتة يصفونة بالمجنون  ويستهزئون بة امام الاسرة والاقارب وحتى الاغراب مما كان يثير عصبيتة وكلما زادت عصبيتة وغضبة يكثروا اكثر من تلك الكلمة التى تثير غضبة، بالاضافة الى انهم يتسموا بالبخل الشديد مما جعلهم يحرمونة كطفل من اشياء كثيرة كان يطلبها ويرى انة سيجد فيها سعادتة، كما يقول ايضا انهم حاولوا بكل الطرق هدم ثقتى بنفسى حتى اظل واقع تحت سيطرتهم مما جعلنى لا استطيع التصرف وحدى او اذا حاولت اجد نفسى انتابتنى حالة من الاضطراب العصبى، كما انة دائم تفسير تصرفات الاخرين بسوء نية مما يجعلة تصرف معهم بعصبية مبالغ فيها لانه يشعر انهم يحاولون هدم ثقتة بنفسة ويقللون من قيمتة كما كان يفعل الوالدين معه فى الطفولة .

 

ثلاث عينات اخرى فى المراحل السنية  37، 41، 52، من الاناث والذكور، تجمع بينهم نفس الصفة وهى العصبية وردود الافعال المبالغ فيها، استنتجت من الحديث معهم مايلى .. ان قوة الشخصية تكمن فى العصبية والصوت العالى وردود الافعال العنيفة القاسية وهنا العصبية بالنسبة لهم  ليست سلوك مكتسب بل صفة ترتبط بقوة الشخصية وان الاب كان عصبى جداا لذلك كان يهابة كل الناس من حولهم اما الام فكانت شخصية مسالمة هادئة الطباع مما جعل المقربون لها يتعدوا حدود اللباقة  والادب فى التعامل معها لذلك كان والاقتداء و التشبة بالاب افضل بكثير .

 

احدى الحالات تبلغ من العمر 26 عام، انثى، صاحبة ردود افعال مبالغ فيها جداا لا تتناسب مع الفعل وان كان بسيط جدا او رما يكون فعل مختلق من نسيج عقلها الباطن ولم يحدث بالصورة التى تخيلتها واصدرت رد الفعل على اساسها، تقول ... انها عندما كانت طفلة صغيرة كانت والدتها تتعامل معها بعنف شديد ودائما تضربها على مؤخرتها ضرب مبرح  بدون سبب او بسبب ربما يكون لا يستحق الضرب، وان والدتها دائما ردود افعالها مبالغ فيها وكانت دائما تقوم بتوبيخها وضربها امام الاخرين، ودائما تتعامل معها بعنف فى جميع الحالات حتى عند الطعام كانت تجبرها على تناول الطعام بصرف النظر ان كانت تشعر بالجوع ام لا وان لم تاكل تضربها وبعنف .

 

حالة اخرى تبلغ من العمر 20 عام، انثى، لها تؤمها ذكر .. تقول والدتها .. اننى عندما كنت فى فترة الحمل واخبرتنا الطبية بان الجنين تؤم احدهما ذكر والاخر انثى وزوجى حريص كل الحرص على الذكر فقط، كان يجلس بجوارى ويضع اذنة على بطنى ليستمع الى صوت الولد، يطلب منى الاعتناء بصحتى والمحافظة على تناول الاطعمة المغذية من اجل الولد، بعد الولادة اصبح الشجار الدائم بيننا بسبب الرضاعة لانة يريدنى ارضاع الولد فقط حتى يكون كل مافى صدرى من اجلة هو كان يتعامل مع كل شىء على اعتبار انة لفرد واحد ولا يرى النصف الاخر (الانثى . موضوع الدراسة) وظل هكذا لا يرى امامة سوى الولد فقط واصبحت البنت تعانى من اهمال شديد من جانب الاب وتقصير منى رغما عنى وتنفيذا لرغبات الاب، تقول ايضا ان البنت تعانى من حالات عصبية شديدة مبالغ فيها وخاصة عندما تزيد عليها الضغوط العصبية فى اوقات الامتحانات مثلا وفى هذه الحالات لا تطيق رؤية شقيقها التؤم ولا تهدأ وتتنهى تلك الحالة العصبية التى تنتابها الا بعد قذف شقيقها باى شىء بيدها او امامها .

 

خمس حالات اخرى فى العقد الثالث من اعمارهم، الحالة المادية : متوسطة، المستوى الاجتماعى : من الطبقة التى كانت تحت خط الفقر ثم اصبحت تحيا حياة كريمة لكنها لاشك مليئة بالضغوط  والاعباء المستمرة، كانت فترة الطفولة تحت خط الفقر، النشأة فى بيئة ريفية بسيطة جداا، العمل من اجل مساعدة الاسرة الفقيرة وكذلك توفير متطلبات الحياة الاساسية لذلك فترة الطفولة تعتبر فترة ليس لها وجود فى مراحلهم السنية لانها كانت فترة عمل وشقاء، تعرضوا للاهانة من اصحاب العمل واجبروا على التحمل وكتمان الغضب والسيطرة الدائمة على الاعصاب من اجل الحفاظ على مصدر لقمة العيش، لذلك فهم يتسموا بالعصبية المفرضة وردود الافعال العدوانية السريعة وخاصة عند التعامل او الاحتكاك مع شخص يبدو عليه الرفاهية لانهم يجدوا فيه ما حرموا منه فى الطفولة .

 

ثمانية حالات، فى المرحلة السنية من 40 الى  31، توفى الاب منذ ان كان الاخ الاكبر يبلغ من العمر 7 سنوات،لم يكن لديهم اى مصدر رزق، لجئت الام الى عمله عند احد اقاربها الذى يمتلك ورشة اصلاح سيارات، تعامل معه بقسوة شديدة، ضرب مبرح ادى الى الاصابات بجروح، وبعدها ارسلت بقية اشقائة بالتتابع عند بلوغهم الى السن الناسب، اى فترة طفولة بعيدة تماما عن البراءة والرفاهية والطفولة الطبيعيه التى يحيا فيها اى طفل، ولذلك جميعهم يتسموا بالعصبية الشديدة والميل الى اهانة، سب وقذف الاخرين وخاصة الاطفال التعامل معهم بقسوة شديدة، العدوانية  والهمجية رد فعل تلقائى منهم وان كان الفعل يدخل فى نطاق الافعال التى لا تستحق رد فعل عنيف .

 

الاستنتاج :

من الواضح ان  الظروف التى يحيا بها الفرد والتنشأة الاجتماعية لة فى بيئة غير صحية  او غير سوية من اهم العوامل القوية والمؤثرة بشكل قوى، ممتد وفعال  على الفرد وسماتة الشخصية وردود افعالة ودرجة الاتزان الانفعالى لدية وقربها او بعدها الى درجة كبيرة وملحوظة عن الدرجة السوية والمتوافقة مع المعايير الاجتماعية المعروفة ولا سيما ان فترة الطفولة بمثابة الاساس الذى يبنى علية الفرد فان احسن الوالدين غرس اساس قوى على اسس صحيحة كان البنيان قوى سليم لن يحتوى على شروخ او كسور نفسية صاحبة اثار عميقة ممتدة .

 

 

الوصايا :

  • لعل من اهم الوصايا التى اوصى بها كل سيدة مقبلة على مرحلة الامومة او هى بالفعل ام ..ان تتحرى الدقة والتركيز فى ادق واصغر تصرفاتها وردود افعالها خاصة امام الاطفال لان رد فعلك سوف يخزنة الطفل فى عقلة حتى يمر علية موقف مشابة ويصدر عنة نفس رد فعلك الذى سبق وان خزنة فى عقلة ليكون هذا هو رد فعلة الدائم فى مثل هذه المواقف .
  • الثقافة والاطلاع على كتب علم نفس الطفل وسيكولوجيتة فى مراحل النمو المختلفة للطفل سوف تساعدك على تربية سليمة لطفلك بالاضافة الى فهمك ووضع يدك على تفسير منطقى لكل فعل يصدر عن الطفل ومعرفة رد الفعل المناسب لة
  • الامومة ليست فقط بالرعاية الصحية للطفل من (اكل – شرب – نظافة) ولكن الاهم هى الرعاية النفسية لان الصحية النفسية للطفل اهم من الصحة العضوية  فكل الاطفال يتعرضوا لنزلات البرد مثلا رغم عناية الام الشديدة لكنها عرض زائل بعد قليل لكن الصحة النفسية للطفل اذا تم التعامل معها بالامبالاة سوف تتسبب فى اعراض لن تنتهى وستظل مصاحبة لة حتى نهاية عمرة .
  • يجب العناية بطفلك قبل ولادتة وهو لايزال داخل احشائك ويمكنك تشكيل جانب كبير من اتزانة العصبى  بسماع الموسيقى الهادئة او قراءة القصص وقراءة القراءن الكريم او سماعة  فلقد

أفادت أبحاث جديدة أجريت على مجموعة من المتطوعين في الولايات المتحدة أن الاستماع للقرآن المرتل يتسبب في حدوث تغيرات فسيولوجية لاإرادية في الجهاز العصبي عند الإنسان فيساعد في تخفيف حالات التوتر النفسي الشديدة ووجد الباحثون أن لتلاوة القرآن أثرا مهدئا على أكثر من 97 في المائة من مجموع الحالات وتم رصد تغيرات لاإرادية في الأجهزة العصبية للمتطوعين مما أدى إلى تخفيف درجة التوتر لديهم بشكل ملحوظ بالرغم من وجود نسبة كبيرة منهم لا يعرفون اللغة العربية
وأظهرت الاختبارات التي استخدمت رسومات تخطيطية للدماغ أثناء الاستماع إلى القرآن الكريم أن الموجات الدماغية انتقلت من النمط السريع الخاص "باليقظة 12 و"13" موجة في الثانية إلى النسق البطيء"8" و"10 موجات في الثانية وهي حالة الهدوء العميق داخل النفس
ولاحظ الباحثون أن الأشخاص غير المتحدثين بالعربية شعروا بالطمأنينة والراحة والسكينة أثناء الاستماع لآيات كتاب الله رغم عدم فهمهم لمعانيه وهذا من أسرار القرآن العظيم وإعجازه التي كشف الرسول صلي الله عليه وسلم النقاب عن بعضها حين قال: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ...  (رواه مسلم) .

دراسة وتحليل / إيـــمى الاشـــقر 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2301 الثلاثاء 11 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم