قضايا وآراء

القدس بين الأمنيزيا العربية والتحايلات الغربية

على هذا النوع من العلاقة المتينة التي تربط اسرائيل بالاتحاد الأوروبي تصريح المنسق الأوربي خافيرسولانا'من مدينة القدس يومه الأربعاء21 من أكتوبر عام 2009 كما أذاعه راديو أوروبا1 الفرنسي

 

قد أدرك المؤسس الروحي للصهيونية تيودورهرتزل لدى تنظيره لانشاء الأمبراطورية الجديدة المقدسة أهمية العوامل (السوسيو - تاريخ - اثنو - أنثروبو - ثقافية) التي اعتمدها الغرب كمرجعياته الكبرى الأحادية، لكي يسوق بدهاء ميكيافيللي، وبعقلية يهودية متحجرة مهاجمة، ونصب فكري، في تقديم الكيان الصهيوني على أنه القلعة المتقدمة للحضارة الغربية ضد همجية الشرق ... ومستفيدا من عوامل عديدة أهمها:

أولا: أن الغرب قد تبنى موقفه الثابث والأبدي من الآخر - الذي هو الشرق - عبر المشروع الاستعماري ، الذي هو حسب الاصطلاح الذي رسمه الغرب لنفسه بعد المأثرة البحرية للقرن السادس عش: النهب، والسيطرة المحكمة، والاستعباد التجاري والمالي، والاستغلال الانتاجي، والتغريب الحضاري، والمسخ الثقافي للمنطقة ، بوضع الأيدي على الثروات، والأرواح نهائيا، عن طريق المسح الموسوعي للكون بحسابات دقيقة وممنهجة، بعد أفول ملحماته الاستعمارية الكلاسيكية، في أواسط القرن الماضي. .

 

وهذا الموقف المعرفي والاستراتيجي الثابت تلقفه الغرب من تاريخين ومرجعيين أساسيين هما: تاريخ أباطرة أثينا، وتاريخ الكهنة في التوراة، اللتان اعتمدهما كثوابت ومرجعيات وركائزلن يساوم أو يتفاوض فيهما أبدا (رغم أنه - للغرابة - يدعي الوضعية الصارمة والعقلانية الحقة، والالحاد المطلق، وتلك أكبرتناقضات الغرب الكبرى)... حيث اعتمدها الغرب في علاقاته مع الحضارات والثقافات الأخرى، كمسلمات وبديهيات يدركها كل دارس للغرب، ومن له خبرة في التحاورمعه، والتي تغيب - يقينا - عن من يحلو له التفاوض معه من عندنا، وخاصة ممن يرقصون رقصة التانغوالأرجنتيني على الطريقة العربية، ما بين تل أبيب، وواشنطن، وعواصم الغرب الكبرى، التي لم يعد للمساومين والمتفاوضين والمتحاورين، ي مجال في حلبة الرقص، بعد أن أعلنها كبيرالمفاوضين للمجوعة الأوربية ورئيس دبلوماسيتها خافيرسولانا مدوية من مدينة القدس يومه الأربعاء، تحديا استفزازيا سافرا لكل راقصي المنطقة، بأن الستائرقد أسدلت على حلبة الرقص، وانه قد قضي الأمر الذي فيه يستفتون، فالدولة اليهودية - حسب التعبير الحرفي لسولانا - هي عضو رسمي في الاتحاد الأوروبي، والعضوالوحيد المميزمن بين الأعضاء السبعة والعشرين الذي تلتزم المجموعة الأوربية تجاهه بتقديم كل المساعادات اللامحدودة لوجيستية وتقنية ومعلوماتية، بحيث لا يوجد أي بند يلزم اسرائيل تجاه المجموعة،

 

بمعنى، أن أمن أوربا هوأمن اسرائيل، ... وهذا وأيم الحق أغرب الالتزامات في تاريخ التحالفات والتعاقدات والمعاهدات الدولية، مما جعل صحفا ومواقع أوربية، أن تسارع بالدعوة صبيحة اليوم الثاني لهذا الاعلان الاستفزازي من مدينة القدس (الذي مرعليه المحللون والاعلاميون - عندنا - مرالكرام) الى تبني القيم الأووربية–الاسرائلية - الأمريكية الجديدة في مواجهة الخطر( الايراني– التركي– الفلسطيني - الجديد) وبعدم السماح بقبول تركيا في النادي الأوروبي المسيحي - اليهودي وذلك بعد الاطمئنان الى اقصاء كبريات دول المنطقة من الصراع التي هي:

 

 -1 - العراق: بالاحتلال والنهب والسلب و شغله بالنزاعت والاقتتالات الدخلية الطائفية (المستنبثة خارجيا) والتي لن يخرج منها على المنظورالقريب أوالمتوسط المدى، ما لم يع الشعب العراقي مكامن الفخ الذي نصب له ومن حسن الفطن - غربيا - تفكيكه كلية عن بكرة أبيه - على المنظور البعيد المدى (وان كان بعض الباحثين لا يخفي بأن القضاء علىالعراق هو الأهم في المنطقة كلها)

 

 - 2 - مصر: اقصاؤها كلياعن قيادة العالم العربي، بنفخ اللوثة الفرعونية وميكروبية الانتماء الى الأورومتوسطية - كما روج لها مفكرون وكتاب في بدايات القرن الماضي، مثل رائد الأدب العربي طه حسين وسلامة موسى، ولويس عوض، وتوفيق الحكيم، وغيرهم، بتقزيم دورها الاسلامي، و(القاري الافريقي) و(الاقليمي العربي) عبر الخطاب (الساداتي - الكيسينغري) المؤدي الى كامب - ديفيد المشؤوم، مقابل شغل الشعب المصري المفقر بالليبرالية الجديدة، تحت دعاوى سياسة الانفتاح الاقتصادي وغرس مفهوم الكسب الجديد في العقول، الذي كان في الفترة الناصرية حقا وشرفا وواجبا فتحول بعد الخطاب الساداتي الى هدف يتم الحصول عليه بأنشطة غيرانتاجية (الاستيراد - التصدي–السمسرة - العمولات - الخدمات - المشروعة وغيرالمشروعة - الوكالة للشركات الأجنبية، تجارة العملات - ... التي كلها أنشطة تجارية تدرربحا وكسبا لأصحابها، ولكنها تخرب الاقتصاد الوطني والشعبي، حيث تولدت شرائح مصرية جديدة استغلالية جشعة، تعتمد على النصب والثراء السريع اللاأخلاقي، تيسيرا لغرس ثقافة التطبيع مع الأمركة ، والصهينة واللاأخلاق، واللامبادئ، واللانتماء

 

- 3 - المملكة السعودية: التي تحولت عن دورها - منذ نشأتها - كمنارة وقبلة وقيادة وتوحيد العالم الاسلامي، الى خزان لتكوين وتفريخ وتمويل الأصوليات التكفيرية عبرالاستفراد بحصرية الاسلام عبر الوهابية التي تعتبرما عداها كفراومروقا عن الدين، مما يؤجج لتفكيك الاسلام والمسلمين والمنطقة مستقبلا

 

ثانيا - حرص اليهود الشديد بكل فئاتهم وانتمائاتهم، على مزاميرهم ووصايا أجدادهم واتقانهم لحرفنة صنع الأفكار، وتسويق البروباجاندات أينما حلوا وارتحلوا، والاستخفاف بالعالم الخارجي بالتهريج بالاختلافات التمظهرية السركية اليمينية واليسارية، مع الاجماع على تهويد الدولة العبرية– بمباركة الغرب العلماني بمعاييره المزدوجة، ونفاقه المفضوح - استغفالا للعالم واستخفافا بعقول الأمم، واحتقارا لشعوب المنطقة

 

ثالثا: - أنه ما كان للحلم أوالرؤية اليهودية التي حدد استراجيتها هرتزل أن تتبلور، ولا لوعد بلفور أن ينجز، أو لطبخة سايكس–بيكو أن تنجح، ولا أن تطأ قدم يهودي أرض بيت المقدس، وما كان للحرمات الفلسطينية - أرضا وشعبا - أن تندس، ولواجتمع الكون كله - تخطيطا أومؤامرة -، لولم تكن هناك خيانة أنظمة عربية اصطناعية النشأة في القرن الماضي، لانجاح المؤامرات - وان شئنا، فلنسمها مخططات السياسة البريطانية - الفرنسية بالمنطقة زمنها

 

رابعا: - أن بوادرنهاية الاستعمارالغربي الرسمي بالمنطقة في أوائل القرن الماضي، كان بمثابة ضياع للعالم الغربي، الذي أراد العودة عبر النافذة الخلفية الى مناطق الاستعمارالقديم، بأية صورة، وبأية صيغة كانت، وبأي ثمن كان، فكان وعد بلفور، والمؤامرة البريطانية - الفرنسية

 

 خامسا: - استفادة اسرائيل من الحقد الغربي على شعوب المنطقة (لأسباب تتداخل فيها عوامل التاريخ والمكان )بالترويج لاضطهاد الشعب اليهودي بأوربا قديما وحديثا، والترويج للمحرقات النازية - ذاك المنتوج الثقافي الغربي الحصري - الذي وظف أيما توظيف من الجانبين –صهيونيا وغربيا

 

وأخيرا وليس آخرا

 - الاستفادة من القيم المشتركة (القيم اليهودية - المسيحية الغربية) - كما تعرفها قواميس الغرب المعاصرة، - والمسيحية الشرقية - منهما براء - التي وحدت الأهداف بين الصهاينة والعالم الغربي ونسقت بين مصالحهما، وستستمر الى ما شاء الله كما يتبدى ذلك في تلك التوليفة الغريبة الحالية(الأورو - أطلسية)

 والسؤال المطروح هنا ... لماذا تراهن أطرافا عربية على الجوادالخاسردائما؟

 

فالكيان الصهيوني يعاني من الحشرجات الأخيرة الدالة على احتضاره الاكلينيكي برميه الى الساحة الدولية السياسية أكثرالمتطرفين –ايديولجيا - الثنائي(ناتانياهو - ليبرمان)

 

 وأماالولايات المتحدة، فلم تعد تلك القوة الأوحد الضاربة - على جميع المستويات، فهي تعاني من جراحاتها وأزماتها الداخلية، التي تنذر بعواصف اجتماعية قادمة لن تبقي ولن تذر، فالفقريتهددها، وصراعات اللوبياتنتظرها، - كما ينشر بعض الباحثين الأمريكيين والكنديين -، وانه اذا استمر الوضع الاقتصادي كما هو عليه الآن، فلن تتمكن الولايات المتحدة حتى من ضمان شراء أحذية جنودها المنتشرين عبرالقارات، كما أضاف أحد ظرفاء المعلقين متنذرا . .

 

 د. الطيب بيتي العلوي/من باريس

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1212 الخميس 29/10/2009)

 

في المثقف اليوم