قضايا وآراء

المفردة الشعرية الغنائية قديما وحديثا

والنبات ميزة الصوت وعندها نجد لكل من هولاء صوت يختص به ويميزه عن غيره وحينما ظهر الإنسان على ارض المعمورة فقد تحاور مع أبناء جنسه بالصوت والإيماء ثم لجا إلى التصوير الكتابي وأصبحت ظاهرة اعتيادية يومية يعتد بها ويعيشها ويمتهن الوسائل لتطويرها من خلال الصوت والصورة وان الحكمة الإلهية اقتضت إن تكون الأصوات ذات خصوصية معينة فمنها العذب والشجي ومنها القبيح

 والنشاز والمخيف الذي تهرب منه النفوس والإسماع وأنت تلاحظ في الطبيعة مجريات التعامل الحياتي اليومية من خلال الأصوات ونماذجها فكلنا يسمع أصوات الحيوانات المرعبة والمخيفة والشجية علاوة على أصوات حفيف الأشجار وعصف الرياح وخرير المياه وهذه كلها أدوات حياتية يومية تعايش الإنسان معها وأصبحت مسلمة يومية لأبناء ادم يتعامل معها بتسامي ويوظفا لخدمته وكذلك الوقاية من فزع بعضها

الشعر ذلك الحسي الروحي الذي يتدفق عبر أللسان بصناعة محبوكة ومبرمجة ومموسقة بعد أن يقذف بها العقل والشعور وتعيشها الروح فيظهر على شكل جمل وأناشيد وقصائد مشدودة ومربوطة بحس الجمال يتلقفها السامع بانبهار وخشوع فيغازلها بهيام وعشق لأنها إبداع ذاتي وبشري بعد إن تكون قد سبرت الأغوار وتعايشه مع الحدث والواقع فهي تحاكي الحزن والفرح والضحك والبكاء والغزل والفخر والنكوص لذلك وجد الإنسان ضالته في هذا التعبير والوجدان وأضاع الكثير من الوقت في الحفظ وإشباع الرغبة والغور في مفاتن الجمال فالشعر المصور الإنساني والروحي والوجداني وبه

 فرائد محبوكة تبرز الجمالية فالشعر يريح ويستريح وتتوزع خواطره وتشفي غليله وهكذا نشأ الشعر وتبلور بين مناحي الحياة ومتاعب الدنيا .......... وإما تعدديته وأنواعه فلا نريد إن نغوص فيها لان الأبواب الشعرية كثيرة ومتعددة لكن المفردة الغنائية و الشعرية فهي مدار حديثنا وبهذه المفردة يعيش الإنسان الإحزان والأفراح والحب والفراق والرحيل ولنا في امرئ ألقيس إلا الدليل

 قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل   بسقط اللوى بين الدخول وحوامل

إن الإرهاصات وما يعتري الإنسان من خطوب تأتي عبر المفردة الشعرية وبها تصاغ الأغنية وترددها الألسن واليوم تختلف المفردة الشعرية الغنائية عن المس من حيث المكان والزمان والدات والأكل والحواضر والحبيب والنقل ومديات الحياة الأخرى فبالأمس الإبل / والبلم / والسيف / والرمح / والمطحنة / والموقد / وغيرها من هذه المفردات التي وظفها الشعراء وتغنى بها المغنون واليوم تختلف هذه المفردات اختلافا شاسعا فحين كانت الإبل والضعون فاليوم الطائرة / والحافلة / والإطفاء / والموبايل / هي أدوات الشعر ومفرداته الغنائية فحين تقول الجنوبية سابقا (ماتنسمع رحاي بس أيدي

 الدير / اطحن بكيا الروح موش اطحن أشعير) إذن أين هي ألان المطحنة والمجرشة التي كانت تنهك الحبيبة في الطحن وأخر يندب الديار والأحبة فيقول (صاحت بوجهي الدار شال الضغن شال ـ خلولك علباب حسرة وشده بال) هكذا أذن التخاطب الشعري والتي أخذتها المفردة الغنائية وطوح بها المغني... والديار هي المضارب والبيوت الطينية وبيوت الشعر والجبيشةوحتى أعضاء الجسم ظهرت في المفردة الشعرية (يعبد العال لاتنتف بهاماك تمكن وضربك دهرك بهاماك) والنتف هو العض على الابنان والنتف بالحى ويقول حسين نعمة (كون السلف ينشال شلته علراسي) والسلف هو المجمع السكني والبيوت

 الريفية وانته تنبهر أمام هذا القول المحير فهو يريد إن يحمل السلف على رأسه ونأخذ قول كاظم الساهر (عبرت الشط على مودك) فأين هي الجسور والعوامات والقوارب؟ واليوم تختفي الناقة والجمل وتتقاعد المطحنة ويغيب السلف وتحطمت مجرشة ملا عبود الكرخي ودخلت المتحف إذن لا الناقة ولا شباك الصيد ولا البردي والقصب ولا المشحوف فإنها ذهبت جميعها إلى المتحف التاريخي فلا عدل النجوم ولا القلب لا ينام كما يقول حسين نعمة (اسهر واعد نجوم نجمة علنجمة ـ نامت كلوب الناس كلبي شينيمة) ونهاية القول أن تلك المفردة الغنائية اليوم تختلف عن ذي قبل فاليوم المفردة

 الهاتف النقال والطائرة والبلاج والقصور الفارهة والإصباغ والمساحيق والمكايير والحقيقة تبدل كل شيء ويبقى الشجن والصوت والموسيقى هي ذاتها مع التطوير ومسايرة الركب الحضاري وعلى أخوتنا المغنين أن يلتفتوا إلى أنفسهم قبل كل شيء وان يختاروا الأفضل والأجمل والوجداني والاقوم والموسيقى العلمية والوطنية والابتعاد عن الميوعة والركاكة والسباب والشتم وكلمات النشاز والاستسلام والخنوع والرقص الاباحي غير المنظم والفلكلوري ..........هي دعوة من القلب وحب الوطن ولا غيرها.

 

إبراهيم الوائلي

ذي قار قلعة سكر

30 / 10 / 2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1214 السبت 31/10/2009)

 

في المثقف اليوم