قضايا وآراء

قراءة وتاويل في المجموعة الشعرية المغيب المضىء لمقداد مسعود .. فيوضات الشجن الجميل

 النصوص باتجاه خلق منظومات جديدة تحتاج الى اكثر من قراءة وهذا امتياز الشعر الجيد ز لقد استطاع الشاعر دمج بنية التشفير وما تكتنز من دوال لغوية في مجموعة من الافكار غير اليسيرة . ان عملية الدمج تجعل من عملية كشف الدلالة عسيرة لانها تستدعي التعامل مع الموضوعة التي كثيرا ما تختبىء خلف الاطار العام لمجموعة الاشارات المبثوثة في داخل النص والتي يمكن فحصها عن طريق مجموعة من الاستدلالات المحاذية للنص بغية الوصول الى النواة المركزية . ان مقصدية الشاعر تكمن في دفعنا كمتلقين لاعادة انتاج ما انتج والاستجابة لها في وقت واحد . سنبدأ قراءتنت لنص / من مقام الغريق / الذي يحتوي على تقسيمات رئيسة واخرى فرعية. في اولا (1). هذا التقسيم غير اعتباطي وكأن الدال اللساني (اولا) يقع ضمن النص في معناه العام، اذ يمكن ان يقرأ النص اولا دخل البحر بلا اجنحة . فأختيار الفعل / أدخل / ملتصقا بالبحر له دلالة الاطمئنان بدليل القرينة الاحقة / بلا أجنحة / . اذن هذا الدخول دخول واثق على الرغم مما للبحر من هيبة الدخول . ويردف الشاعر هذه الجملة بجملة استفهام انكاري تبدو للقارىء البسيط ان لا علاقة لها بما قبلها وهي في حقيقة الامر على غير ذلك .

اما ان للحلم ان يرتدي قمصانه الشجرية؟ يا فرحي

في بنية القراءة يبدو الامر منقطعا قطعا واضحا بيد انه قطع مبرمج لأن دخول البحر من دون اجنحة، اي من دون ما يساعد على الدخول امر لا يتحقق الا في الاحلام، اما عبارة يا فرحي التي تبدو مقحمة فهي على العكس من ذلك، بمعنى انها مفتاح الحلم الذي لم يتحقق في ارتداء ما ينبغي ارتداؤه .ان عملية البقطع التي تهيمن على النص مردهعا التفاعل الانعكاسي مع الحلم وما بعده ومتحققاته التي هي فائض اختلاجات الذات المحاصرة التي تعتتمد على مقترب الامنيات، لهذا يلح الشاعر على عبارة/ يا فرحي / التي تعبر عن حساسية الموقف المتنافذ مع ازمة الذات المحاصرة، لذا جاءت امتدادات المعنى بنحو دقيق ومخطط له من اجل الا تتمكن الجملة من خرق الاسيجة المحية بها وصولا الى الدلالة الموحية والمترشحة من خارج المساحة المرئية للنص . هذا التمسك بما هو انسانيس /جدلي يجعل من النص بنية متحركة بيد ان هذه الحركة حركة هلامية لا يمكن مسكها بيسر وسهولة

 

حمل الله تتكأ على اسد الله؟ تتوكأ على الشعار؟

تتحصن بالتصفيق؟ يا فرحي

تسلح وكن، اختمر الهواء من يثقب الجثث؟

 

 

ان تراكم الافعال المضارعة والامرية وغلق الدائرة بفعل ماض ما هو الا اشتغال على بنية التواصل التي تحرك بنية التداخل والقطع لتتواشج بحو لولبي وصولا الى خلق مجموعة من البؤر التي تغذي بنية الحلم وتدفع بالحالم الى الاماكن غير المرئية . في المقطع الثاني يحاول الشاعر ترصين المتحصل ودفعه بأتجاه ما هو غير مرئي او متحصل

يا فرحي تسلح وكن ايها القلب انت المستتر والنخل

والمرتجى

ان السارد / الشاعر / يسكن في منفى الذات المحاصرة وها هو يستغيث بنواة الجسد / القلب / من اجل ان لا يبقى هامشيا في الزمكان، انه التجذر في الارض والحلم .ان فضاء التمني الذي يستقر في ذات السارد / الشاعر / هو الذي يرسم خطى تلك الذات في سياق شروط ومعطيات تتصارع فيها قوى الحلم والطموح والكره والخوف والصدق والظن

يا قلبي تقدم لقلب اصعب

من حلمنا الممكن المستحيل

نحن ضوء العيون التي لا تزيغ

تقدم يا قلبا احدودب قبا العنب

 

ان الشاعر يعيد ترتيب امنياته، حلمه، مأساته، معطياته، خلاصه من خلال خلق الفضءات القريبة من بعضها

أضىء . ازح غيمك المدلهم

استقبل من الليل وانتم للجنون الجميل

ولا تستمع لسواك . صن دمك من دموعهم

 

في الجزء الثاني من النص يستعيد السارد حلمه لكنم بواسطة مكان ضيق هو الثغرة، الثغرة بنية خارجية بل جزء من كينونة الحلم الذي يسرده الحالم المحطم بمجموعة من الظواهر الحياتية المتحققة عاى المستوى الشعري لا الواقعي، اذ يستعمل السارد توصيفات لا معقولة عاى المسنوى الحياتي لكنها لا تستحيل شعريا / ارى بعيوني الثلاث / ثم تتدفق مجموعة من التساؤلات التي تتجاوز اجاباتها . هذه الانزياحات الاستفهامية تطيل من وقوف المتأمل حيال اجوبتها المقنعة في الوقت الذي تؤديخرقا غير متداول، بيد انه من الخزوق المحسوبة من هجل ان ينشحن النص بمجموعة من الطاقات الايحائية المتمثلة بمجموعة من الرموز اللغوية التي تحرضنا على فهم الاسئلة المحتوية ضمنا على اجوبتها . ان الشعر / السارد / يستبدل ما هو قائم وراسخ بما هو متحرك ضمن ستراتيجية خاصة تمتثل الى مقتضيات التعبير الحديثة المزاوجة بين اللغة الشعرية والزمكانية وتغير وظائف التركيب العام بمدلولات نفسية تجترح لغة جديدة بواسطة كثافة التراكم المحسوب بدقة والذي يسفر عن فجوات تفصلبين الوقائع النصية والتمثلات الحياتية .

في (2) من الجزء الثاني تحصل انعطافة في مجرى السرد، اذ تنهمر مجموعة من الرؤى الفلسفية والمهجورات العامية حتى يبدو هذا المقطع لوحة تشكيلية مضغوطة شعريا، فالاشتغال على اللغة متجاوز لقواعدها العامة، والدلالات لا تقف عند حدود، والاشارات متناهية الحرية، والانزياحات غير مألوفة للمتلقي العادي، واتضمين قراني النزوع

 

1 – سأجمعني لاشتتكم

2-امد لها يدي تغرزها بالمسامير

3- تمد لي لسانا احليه بالجكليت واباركه

بخبز العباس

4-تكذب فؤادي وتصدق قلبها وهو من

الكاذبين

5-قميصي قد قد من قبل ومن دبر ومن

الجانبين

 

تتشكل الافعال مع تناقضاتها لتتخذ التراكيب جماليةمما يجاورها لتجسد صورة رجراجة تنطلق من الفعل كدراما داخلية لتشكل بنية سردية متخذة من المفارقة والدين والتراث مسرحا لها . ان المقصدية التي يرمي اليها الشاعر مما سبق هي الاستعانة بالتشظيات التي تحدثها المفارقة المحسوبة . فهو، اي الشاعر يرى العالم الداخلي قبل ان يرى العالم الخارجي بسبب من اغتقاده – كما اظن – بأن الشعر هو ما لانراه في السطور لكن ما نراه بعدها .

في (3)/ ثانيا يشتغل الشاعر على بنية الزمن اذ يسخره بنحو مرموق وبتطور كفوء كقوة منطقية تنبع من داخل السياق النصي الذي تخلقه مجموعة من الافكار والجمل الناشزة التي تعكس انفعالات السارد والتي تعتمد على (العلاقات الاندماجية) بحسب دي سوسير، غير ان هذه العلاقات علاقات تنافر

اجمعني = اشتتكم

امد يدي = تغرزها بالمسامير

تمد لسانا = احليه بالجكليت

تكذب فؤادي = تصدق قلبها

 

تنتهي القصيدة على هذا المنوال الذي تتداخل وتتعامد فيه الاتحداث والطروحات والاستنتاجات . انه نص لا يعطي نفسه بيسر وسهولة، انه نص مكتنز بالاحالات والشفرات وظلال المعاني وبه حاجة الى قراءة منفردة . ان مجموعة المغيب المضىء تستحق كل الاهتمهم لانها خارجة من القلب لتناشد الروح الظماى، خارجة من الالم والمعاناة الى عذرية الورقة من دون واسطة وهي كذلك وهذا هو امتيازها الاول انها (لا تمجد المديح الكاذب والاعلان).

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1215 الاحد 01/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم