قضايا وآراء

قراءة في كتاب: تكون حركة التحرر الوطني في المشرق العربي – منتصف القرن التاسع عشر حتى 1908

عبارة عن انتفاضة بورجواز?ة ضد سلطة رأس المال. لقد كان الإسلام منذ فجره الأول دعوة للتوح?د لمواجهة كلاس?ك?ات بلا روح وتفتقد لجوهر العلاقة الخالدة مع الإنسان والطبيعة. أما حركات التحرر فقد ذ?بت بالاتجاه المعاكس، كانت تقوم بتفكيك الرابطة العثمان?ة الواحدة، واستبدال خطاب?ا المركزي بتعدد?ة في المنا?ج والأصوات. ولكن في نفس الوقت كانت ?ناك أدوات مساعدة تعمل من الخارج، ومن?ا رأس المال الأجنبي الذي حول ا?تمام السكان من الزراعة إلى الصناعة والتجارة ومجال المواصلات (أو النقل بتعب?ر المؤلف). وكانت ?ذه ?ي الطعنة الأولى لرأس مال إقطاعي ?تراكم في حما?ة من السلطات العثمان?ة.

و في فترة عبدالحم?د الثاني تبنت الحكومة الترك?ة برنامجا لسرقة ون?ب الممتلكات الإمبراطور?ة التي تن?ار (ص 41 ) وأخذت صورة ضرائب مشروعة بلغت عن كل شخص حوالي 0.4 ل?رة ذ?ب?ة . كما ورد في ب?انات عام 1909 - 1910. وبشيء من التفص?ل : كان سكان الولا?ات العرب?ة ?دفعون لخز?نة الدولة 0.2 ل?رة، وسكان ولا?ة الأناضول 0.5 ل?رة.

غ?ر أن ?ذه الأرقام المتوسطة، ولا شك، تقع في ?امش للخطأ، ?عتبره الإحصائ?ون معنو?ا، وذا دلالة، فالولايات البع?دة عن قبضة السلطات مثل الحجاز وعس?ر وجبال ال?من كانت لا تدفع الضرائب مقابل ولا?ات تسدد كامل التزامات?ا لأن?ا تحت ن?ر الاستبداد مثل العراق وسور?ا، (باستثناء عشائر مدينة الناصرية وما حولها فقد ذكر الأستاذ قاسم حسين صالح في صحيفة المثقف عدد 1207 إنهم امتنعوا عن التسديد، وواصلوا سياسة المقاومة حتى في فترة الاستعمار الإنكليزي). أضف لذلك إن سكان الحجاز الذ?ن ?بلغ تعداد?م مل?ون نسمة لم ?دفعوا في نفس الفترة غ?ر 900 ل?رة مقابل السور??ن الذ?ن سددوا ما ?عادل 0.5 ل?رة عن الفرد الواحد، تماما مثل سكان قون?ة وإزم?ر.

و ترتب على ?ذه الصورة البائسة نوع من الخلط في الأوراق . لقد نشب صدام ب?ن الحكومات المحل?ة والسلطات أخذ شكل منافسة على العائدات الضر?ب?ة، ولذلك فشل الباب العالي في الن?وض بأعباء التحد?ث وواج? مقاومة من السلطات المحل?ة لكل رموزه التي توجب فرض?ا قسرا. ومن?ا : الاتصالات البرق?ة والخط الحد?دي وبعثات التنق?ب والاستثمار (ص 234)، غ?ر أن ?ذا لم ?منع فتح الباب لإرسال?ات أمر?ك?ة أقامت مدارس للتبش?ر بالمذ?ب البروتستانتي، وفي أعقاب?ا مدارس للآباء الكرمل??ن والدوم?ن?كان وما شاب?.

و في غمضة ع?ن تأسست أول مدرسة ??ود?ة بكادر أوروبي في بغداد، ومع?ا عدة مراكز لتعل?م البنات في أنحاء العراق كل?ا. وكان للتبش?ر بالمس?ح?ة وال??ود?ة الفضل في ظ?ور رجال د?ن متنور?ن نادوا بإعادة الح?اة لتعال?م الإسلام، والتعامل مع? بشكل ظا?رة تار?خ?ة لا تقبل بالثبات ولا السكون. ثم شرعت المذا?ب غ?ر النظام?ة بالدق على الأبواب المصفحة والموصدة، ومن ?ؤلاء : الب?ائ?ون والش?عة والو?اب?ون وغ?ر?م.

و باختصار، إن الصراع من أجل ن?ب الثروات أشعل فت?ل الحرب ب?ن السطات الترك?ة الغاشمة من طر ف، والحكومات الإقل?م?ة من طرف آخر. وكانت رؤوس المال الإحتكار?ة القادمة من أوروبا ?ي التي تحدد اتجاه الر?اح. أو بعبارة أخرى كما ?قول المؤلف كانت المطالبة بالاستقلال تذكي شرارت? الرغبة بالقضاء على رأس المال المرتبط، وإنجاز سلطة ل?ا قواعد?ا أو رأسمال?ا غ?ر التابع. ومن ?نا أخذت حركات التحرر طابعا وطن?ا مب?ما وغامضا، وتورطت في طلب المعونة إما من بر?طان?ا أو فرنسا.

أ - في لبنان مثلا كانت الحركات العام?ة تقوم على أساس مزدوج : حرب ضد الطغ?ان الس?اسي (العثماني)، وضد التسلط الإقطاعي (المحلي)، ولم ?عقّد ?ذه الصورة البس?طة غ?ر دعم الإنكل?ز للدروز والفرنس??ن للمارون??ن (ص 280 وما بعد).

ب - وفي سور?ا تدّخل العثمان?ون لإذكاء نار الخلاف ب?ن الأد?ان، وبغطاء من الوالي التركي وقعت مذبحة دمشق ضد المس?ح??ن بتار?خ 9 تموز 1860، ولكن الشارع كان بالمرصاد، وأحبط الرص?د الد?ني للصراع وحول? إلى خلاف اجتماعي وطبقي. فقد تضررت ?ومذاك أح?اء مس?ح?ة خاصة بالأح?اء، ولم تصل الن?ران إلى حي الم?دان الفق?ر . وتذكر المراجع أن أصحاب الم?ن والحرف??ن المسلم?ن ?بّوا لنجدة زملائ?م المس?ح??ن ?ناك، وفاز بالحصانة كل من لجأ إلى قصر الأم?ر عبد القادر الجزائري الذي كان في المنفى بعد سقوط حركة التحر?ر في الجزائر.

ج - ولم تكن الصورة غر?بة عن ?ذا الجو في وسط الجز?رة العرب?ة. لقد أخذ الصراع شكل خلاف ب?ن الو?اب??ن والشمر??ن (من آل الرش?د). وعندما توفي ف?صل وخلف? على العرش السلطان عبد الله، استعان بالأتراك لضرب سعود حاكم الأحساء والر?اض. وعلى ?ذا الأساس أصاب التخبط منذ 1871 الدولة الو?اب?ة وتحولت إلى إمارت?ن : شر?ط ساحلي شرقي بإدارة ترك?ة مباشرة. ومنطقة داخل?ة بقبضة آل الرش?د الذ?ن بنوا س?اسة تشجع على التجارة والصناعة والتسامح الد?ني. ولم تنعكس الصورة إلا بعد وصول آل الصباح إلى البلاط في الكو?ت. فقد اتفقت مصالح?م مع السعود??ن ضد الأتراك، وفرضوا الس?طرة على جم?ع أنحاء شب? الجز?رة بدعم إنكل?زي تطور ف?ما بعد إلى حما?ة – وصا?ة.

و في عام 1902 استطاع الو?اب?ون تحط?م أسوار الر?اض ورفع علم الدولة السعود?ة ثم وقفوا على خط المواج?ة مع قوات القائد التركي أحمد ف?ظي باشا وأالحقوا ب?ا ال?ز?مة. ولا شك أن المخاض كان عس?را، لكن في الن?ا?ة دقت أجراس الدولة الو?اب?ة، وبدأت الدعوة للإستقلال والحكم الذاتي.

د - وفي ال?من ترافقت إجراءات التحد?ث مع كسر زعامة الد?ن والقضاة الشرع??ن من أئمة الز?د?ة تم??دا للتخلي عن الباب العالي بخطاب رسمي. وهنا أود أن أذكّر بما ورد على لسان جبران خليل جبران (نقلا عن ثابت ومتحول أدونيس): إن الصراع بين الأتراك واليمنيين كان تعبيرا حرا ورومنطيقيا عن إرادة بسيطة لشعب كبير (ص 191 – ج 3).

هـ - أما في العراق فقد لعبت المذاهب الشيعية دورا مهما في مقاضاة السلطات العثمانية السنيّة على الصعيد الفكري والسياسي، واستطاعت أن تكون نواة للمعارضة، وفي نفس الوقت أداة لتفكيك علاقات المجتمع الإقطاعي المدعوم من الباب العالي، وكان يقف وراءهم كل من المتصوفة والزيديين.

و لقد سار ?ذا الخط بالتوازي على جبهتين :

1 - أتراك ?بحثون عن تصم?م جد?د لبذت?م وصورت?م، ولنقل عن نبرة حد?ثة لخطاب?م السلجوقي.

2 - وعرب مزقت?م القراءة الخاطئة للاسترات?ج?ة والتكت?ك، أو الف?م المر?ض ل?ذا الاكتفاء بالذات والاستعانة بالإمبراطور?ات الغرب?ة الآخذة بالتوسع.

و بنفس ?ذه الروح التراج?د?ة والمحزنة سقط الطرفان، كل في أوحال ?زائم? الخاصة.

1 - بدأ العرب مرحلة الصراع ضد نفوذ الاستعمار الكلاس?كي وضد قوان?ن الب?ت الرومنسي الجا?ز.

2 – وتورط الأتراك في س?اسات نرجس?ة ومتعصبة تدعو إلى سلطة ق?ر?ة أحاد?ة المركز، على غرار ما فعلت دولة بني أم?ة في صدر الإسلام. ومن ?ذه المظا?ر جمع?ة ترك?ا الفتاة التي انقسمت سر?عا إلى فر?ق?ن : أكثر?ة معتدلة (بزعامة محمد صباح الد?ن، وأقل?ة شوف?ن?ة بق?ادة أحمد رضا- ص 446) . ولذلك (كما ?قول المؤلف) بمقدورنا أن نعتبر أن " ترك?ا الفتاة " ?ي البوابة التي عبرت من?ا جحافل الأتراك إلى الانقلاب على مف?وم الرابطة العثمان?ة (إ?د?ولوج?ا الماضي المنصرم الم?ت، الذي آذنت شمس? بالغروب...).

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1218 الاربعاء 04/11/2009)

 

في المثقف اليوم