قضايا وآراء

قراءة في المجموعة الشعرية زهرة الرمان لمقداد مسعود .. اقتران الشعري والسردي

 تعني تلك الدلالة التاريخية المتعلقة بالعالم السفلي والانتقال منه الى العالم الخارجي عن طريق حبات الرمان .

ان ثريا المجموعة تحمل بعدين : الزهرة وما لها من دلالة التفتح والحياة والنمو، والرمان وما له من دلالة لونية كما اسلفنا .في قصيدة / بقية البياض / نقف عند ثريا القصيدة وعند الدال اللساني / بقية / وكأن الشاعر يخفي علينا ماضاع من البياض وما يمكن ان نكتشف بواسطته عن بقية ذلك البياض .ومما يلاحظ على دقة العنونة ان هذه / البقية / تحمل من الممكنات مما لايحمل ماضاع من / البياض / والا افتقد النصيص سمة الدهشة .

تنفتح القصيدة على بنية كتلية بمعنى جمعية / العراقيون / ومعها فراغ منقوط .هذا الدال اللساني زمكاني البعد، اذ انه يحمل هذين البعدين بان العراقيين بتاريخهم الطويل يمثلون حقبة زمنية معينة، وهم بالضرورة يحتلون بقعة مكانية ذات تاثير كبير في الخارطة الانسانية، لذلك كان التقديم والصدارة فعلا ذكيا من الشاعر اضافة الى دلالة الفراغ المنقوط الذي يشير الى انفتاح الزمن وعدم توقفه .

ان التركيز على الحقل الدلالي البيولوجي / النخيل، الحليب، الحمامة، الافعى، عشبة الخلود، وردة، غصون / قد اضفت بعدا حسيا على العملية السردية الشفاهية مما يخرج بطانة النص على وجهها الخارجي لزيادة التكثيف اللوني للنواة المركزية / زهرة الرمان / .

وحيث يمكننا تحليل البنى المكانية المؤثرة في طريقة السرد نرى ان هنالك تكثيفا لونيا ضمنيا يقع بالضد مما تحمل النواة المركزية من دلالة اذ ان، / زهرة الرمان / تحمل اللون الاحمر في حين ان التكتل اللوني / المكاني يحمل سمة ثانية هي مجموعة من الالوان المخالفة في كينونتها الى ماتحمله النواة المركزية من دلالة(الازرق، الاخضر، الرمادي).هنا يحصل الافتراق اذ ان دلالة الالوان غير ماهي عليه دلالة الاحمر من الوجوه كافة .

 

 حيث السقوف:السماء

 فأجلس

 تحت وابل من السعف

 السماء:دخان مبين

 في تكالب الغياب

 ايتي الحضور .

 علامتي:حمامة

 

ما سبق يعني الاتي:

\

السماء زرقاء

السعف اخضر

الدخان رمادي

الحمامة بيضاء

هذا الحشد اللوني اضفى واعزا شعريا يمتد الى مساحة اكبر وافق ابعد من اجل ان يكتمل البناء التشكيلي ويأخذ دوره في التأثير على المتلقي . ان اللون المسبوغ على الموصوف قد اخذ سيرورة مختلفة عن كينونته، على سبيل المثال / تحت وابل من السعف / او / علامتي حمامتي / . ان عملية الحزن الحاصلة في السياق كمعطى مشهدي درامي تبدو من خلال المنظومة التشكيلية حافلة بالضجيج واللاستقرار والتبطين المحسوب حسابا" دقيقا" / حمامتي : نافذتي في زمن الجدار / .

 

واذ يتقدم بنا النص لتوصيف السارد او ملامحه نجد انه متشكل بنحو يمثل فيه مركز النواة او كأنه يحاول زحزحتها ليكون هو النواة .

 

انا .... .....

بقية البياض

 

هذا الإحلال المكاني ينتمي الى سيمياء السمو والنقاء والشاعر اراد بهذا الاحلال ان يشير الى التناوب بينه وبين البنية اللونية الاساسية حتى انه يغير من سمة الالوان بقصدية واضحة مرتبطة بالنواة الموزيحة

 

بقية البياض

تقتحم التلوث الشعائي

باحثة عن سوادها النبيل

سوادها الناصع

في تبدل الاوجه والفصول

 

لاحظ عزيزي القارئ كيف ان الشاعر اختار توصيفات مغايرة هي ليست من اصل معطيات اللون ليومئ الى عملية التحول والازاحة التي يمارسه البياض على بقية الالوان ليهيمن على مشهدية النص برمته لا كلون بل كدلالة موحلة الى النقاء والصفاء والسلام . المقطع الاخير يتبنى السارد طريقة الابلاغ الحكمي (من الحكمة)

وكأنه يلخص مسيرة البياض وبقيته . كما وينتقل الشاعر في هذا المقطع الى نوية جديدة لها علاقة وطيدة بالتشكيل هي البعد النغمي / الموسيقي الذي يتجسد بواسطة مجموعة من المفردات (حنجرة، اغنية، عازف الكمان)

 

يبدأ المقطع الاخير بداية صوتية حنجرتي / والاشارة – هنا – واضحة عبر مقصود اشاري الى بنية الصوت المفارقة للنواة المركزية – بقية البياض - . هذا الخرق السيروري لم يأت جزافا" – كما اضن – بل ان مرده بناء افق جديد متوازن بين البنية الاشارية التي يحققها اللون والبنية الصوتية التي تحققها الحنجرة عبر عملية تنظيم داخلية تمس حتى البؤرة المركزية نفسها بمعنى ان عملية التنظيف عملية ذاتية غير خارجية .

 

حنجرتي ....

لكل ما لديها من حنجرة

تنظف الهواء

 

ان هذا النسق المتجانس يشكل بنية شعرية مرتكزة على خرق يحاول اقامة طقس يحمل بعدا" كنائيا" له صورة مادية ملموسة . ان هذا السحب يريد ان يؤكد الفاعل الدلالي الذي يتحقق في اكثر من علامة اشارية واحدة .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1218 الاربعاء 04/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم