قضايا وآراء

قراءة وتأويل لمجموعة شعرية خيمة من غبار للشاعر صدام فهد الاسدي تشظيات الأنا في ثنائية الإنسان والآخر

إن هذا التشفير يحمل دلالة الاحتدام النفسي الذي يعطل فعل الرؤية المتحقق على مدى النظر، كون الناظر من داخل متأزم يرى ما لا يراه الآخرون . ظاهريا، يوحي النصيص إلى هذا التأويل، لكن من جانب المغزى الوظيفي يوحي بالحال الانية لذات السارد المكتظة بمجموعة من الاحتدامات التي تتبارى للوصول إلى مبتغى السارد والمتحققة من خلال اللغة . إن القصد المبيت وراء النصيص ينحو باتجاه تفعيل الشكوى، شكوى الوقوع في مأزق الآخر، مأزق العلاقات المتأزمة، والمتكونة في ظرف تاريخي عصيب، لهذا اخذ النصيص بنية المفارقة من اجل ردم الهوة الحاصلة بين ما هو منجز شعريا وما هو متأزم داخليا في ذات السارد، وقد نجح الشاعر في اختيار النصيص أيما نجاح في ضوء المعطى المذكور أنفا .سنأخذ في قراءتنا لهذه المجموعة ثلاث قصائد هي : أبراج الثلج، خيمة من غبار، وفرس من ضباب / . إن سبب اختيارنا هذا يستند إلى أن هذه القصائد لها سمات مشتركة تتوزع بين الرصد الخارجي والرصد الداخلي وبنية المفارقة .

في / خيمة من غبار / ثمة سبعة مقاطع قصيرة يتجلى فيها ذلك الثبات المتحقق بواسطة الجمل الاسمية، إذ أن الذات الساردة تكاد أن تكون قد وصلت إلى قناعات ثابتة من خلال المتحصل اليومي . يعتمد السارد / هنا / على لغة راصدة وليست واصفة،بمعنى إنها تعول على المعطيات المتحققة بواسطة الشواهد، لذلك اعتمدت على محور الإقناع الشعري أكثر من اعتمادها على محور الإقناع ألشفاهي، لهذا نرى أن عملية الانزياح قد حجمت من اجل أن يسفر ذلك عن تفعيل الإقناع بواسطة فعل التصوير الشعري

 

بوسع الأذى أن يفصل خيمة من غبار

أقنعة للوجوه

 

إن السارد يحاول كشف مجموعة من الآليات التي تحكم مقصديته من خلال لفت النظر إلى المتحقق شعريا والمرتبط بمجموعة من المتحققات الممكنة التي بلورها فعل / الأذى / لخلق لوحة موشاة بإطار رمزي يحققه فعل / الفصل / الذي يمارسه الأذى على مجموعة من المتحققات الملموسة / الأكف في الأيادي / الخيول / . في المقطع الثاني يبقي السارد هيكلته السردية من دون أن يحرف فعل الصيرورة عن مجراه بيد انه يضفي عليه تفاصيل جديدة توحي بدورانها على النواة المركزية بواسطة مجموعة من المعاني المتصلة بالمركز وان كانت على مقترب من الأطراف، بمعنى أنها لم تغادر كينونتها / الخيمة / وان اقترنت بمجموعة من الصفات التي تفقد الخيمة شروطها الموضوعية في توفير الحماية لمن تحتها . في المقطع الثالث يعلن السارد دفعة واحدة موضوعته لأن بنية الإحالة لا تتحمل انب لجأ إلى ضخ معلومته على نحو دفعات بسبب أن نقطة توقف النسغ الصاعد قد بلغت ذروتها على مستوى الأداء الشعري بيد أنها بقيت مفتوحة

أنني أعلن الآن

التو، الأمس، الغد .....

أن الحقيقة مرة عهد ’ أن الطريق إليها انتحار

 

لاحظ أن السارد لم يستعمل أية أداة استدراكية وكن بإمكانه استعمال (لكن) بدلا عن (أن ) بيد أن معطيات الحالة لا تستوجب بنية استدراك لان السارد يريد الوصول إلى مبتغاة بأقصر الطرق . في المقطع الرابع يحيلنا الخطاب إلى بنية التساؤل المكتظ بالأسماء التاريخية من اجل أن لا تبقى لغة الخطاب من دون تعزيز تاريخي يؤصل بنيتها لاستكمال بنية القصيدة من خلال الانفتاح على تجارب ماضية من ارض الواقع يتحقق بواسطتها ذلك التو اشج بين ما هو حاصل من مترشحات الذات وقناعاتها وبين التوظيف الرمزي لتلك المترشحات وقد نجح الشاعر في مسعاه

 

أين بابل

أوروك،

عشتار،

عشروت

يد اوسيس كانت تموت بوضح النهار

عند ارتجاف الخضار

جسد الأرض يرفض نبع السكون

ويسحق صمت الفنار،أيتركني الوعد هذا ارش الغبار

على مصلب الخوف ’

على جثة النار بعد انتظار ؟

 

إن مجموعة التساؤلات تحاول دفعنا باتجاه مديات ابعد بحثا عن أجوبة مقنعة كمعادل موضوعي لما يعتري الذات الإنسانية من أوجاع وصراعات وهواجس وإرهاصات ما زالت بحاجة إلى ما يشفي ظمأها من الأجوبة .

في قصيدة / أبراج الثلج تستمر بنية المفارقة بدءا من ثريا النص،إذ يبدأ المفتتح بالدال اللساني/ دع / والمستفيد من الذات استفادة جمة مع وجود فارق تحدده البنية العامة للقصيدة، اذ ينقطع فعل الأمر / دع / عن مؤداه الوصفي، بمعنى انه غير محكوم بالوصف اللاحق له لأنه / هنا / مرتبط بقصد تكتيكي يحاول تفعيل البنية الداخلية للمفردة بدليل القرائن النصية

 

لا تشتر (العبد إلا) والشظى معه

دع المكارم (لا ترحل) إلى زمن

 

إن هذا أللاقتران مع معطيات حكمية سابقة يرتبط بغاية ترمي إلى تفكيك المعطى الحكمي (من الحكمة) من غاياته الأصلية إلى غايات جديدة تتزامن من معطى الحالة الحاضرة التي تستوجب معطيات جديدة

الحالة الماضية الحالة الحاضرة

لا تشتر العبد إلا والعصا معه دع المكارم لا ترحل لبغيتها دع المكارم لا ترحل إلى زمن

 

إن الأدوات الدالة / العبد / المكارم /، أريد لها أن ترمز إلى مدلولات أخرى تعطيها شحنة جديدة لا تتعارض مع معطيات الحالة الحاضرة . هذا التو اشج الدلالي زاد من سعة الانزياح لأنه خرج من بعدها ألزماني إلى بعد جديد عكس فهم السارد له في ضوء معطيات جديدة ناسخة لكينونة المفردة وبعدها ألزماني الذي ولدت فيه سابقا .

في قصيدة / فرس من ضباب / تكتظ بنية الأسئلة التي تؤدي إلى حالة من القلق والااستقرارا والريبة مما يعتري السارد . وعلى الرغم مما يتبدى من هذه الأسئلة من أطروحات ليست جديدة إلا انها تتصادى مع مترشحات الوضع العام التي تعيشه الذات بنحو عام . ولعل مشكلة الذات الإنسانية حيال الآخر تهز مضجع السارد وتضيع عليه فرصة العيش بسلام وهدوء . ويبقى المرمى الرئيس في هذه المجموعة محكوما با للاجدوى لأن النتيجة التي يبحث عنها السارد لا يمكن تحقيقها في ضوء المعطيات الناسخة لما يروم السارد ان تكون عليه حيال الاخر، بمعنى ان السارد يبحث عن مجموعة من القيم المغيبة، لهذا نرى ان ما يكمن وراء النص عبارة عن مجموعة من الرؤى المعمدة بالاسى وليأس والتخلي عما هو اختياري

 

لكي تغور خمر الشعر في الذاكرة

تتسكع فرس الرؤيا في غابات الضباب البعيدة

هل تتحقق المعجزة وينفتح البنفسج من جديد ؟

وتنطلق المحبة من سجن النسيان

 

إن هذا الحس الانفعالي الوجداني جزء من فضاء يتمنى إن يتحقق بعض مما يجول في الجدان والذاكرة من قيم فاضلة، وهو في الوقت نفسه عامل حث على خلق سمات جديدة في بنية الآخر على الرغم من كل ما يعتريها . ان التركيز على مجموعة من المعطيات الإنسانية واضحة في هذه المجموعة وهذا ما خلق نصا يتواصل مع الحياة بقيمها الفاضلة وهذه فضيلتها المثلى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1222 الاحد 08/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم