قضايا وآراء

عن الصعلكة وعروة بن الورد

وقد ظهرت الصعلكة في التاريخ العربي في العصرين الجاهلي والأموي، ومن أبرز صعاليك الجاهلية " تأبط شرا ً" الذي طلبت منه والدته أن يحضر لها فطراً من البرية وأعطته جراباً ليضع فيه الفطر، فعاد متأبطاً الجراب وما أن فتحته حتى خرجت منه الأفاعي ودخلت الدار .

أما عروة بن الورد فقد كان سيد وزعيم الصعاليك ولقب بـ "عروة الصعاليك " الذي كان يسرق ليعطي ويطعم الفقراء المحتاجين . وهو من بني غطفان وكان فارساً مغواراً من فرسان العرب، وقد خرج عن الأعراف والتقاليد والأنماط الأجتماعية السائدة وأختار أن يعيش صعلوكاً، شريداً ومطارداً ومتمرداً طوال حياته . وعرف عنه انه كان يجمع الصعاليك ويحرص على مساعدتهم واعالتهم واغاثتهم من الظمأ والسغب، وكان تواقاً الى عالم انساني جميل تحكمه قسمة الحق ويتمتع فيه كل الناس بالعدل الاجتماعي والحياة الانسانية الكريمة الخالية من القهر والاستعباد لما فيه من تناقضات وتفاوت وتباين في النسيج الاجتماعي، وفي هذا الصدد قال:

دعيني للغنى أسعى فأني           رأيت الناس شرهم الفقير

ويقصيه الندى وتزدريه            حليلته وينهره الصغير

ويمشي ذو الغنى وله جلال       يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه والذئب جم                ولكن للغني رب غفور

 

ويقف عروة بن الورد بمضارب الخيام شاهراً سيفه في وجه الأسياد جزعاً مهموماً مثقل القلب والحزن والرغبة في تغيير الواقع، وينفض عن بدنه غبار الحياة، ويجعل الخطر حرفته ويمضي غازياً متحدياً ورافضاً تحيط فيه جماعة صغيرة من الفقراء والصعاليك الذين رأوا ما رأى وأحسوا ما أحس وأرّق جفونهم ما أرّق جفونه :

واني امرىء عافى انائي شركة      وأنت امرؤ عافى انائك واحد

افرق جسمي في جسوم كثيرة         وأحسوا فراح الماء والماء بارد

 

وليس حباً بالموت خاطر الصعاليك بحياتهم، ولكن لضجرهم ونقمتهم على الظلم الاجتماعي الذي اشتد وتفاقم، ولهذ فقد صرخ عروة:

ومن يك بمثلي ذا عيال ومقتراً          من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبلغ عذراً أو يصيب رغيبة            ومبلغ نفس عذرها مثل منجد

 

ويروى عن عروة بأنه كان يلقى العاشق المحب الذي يشكو الصدود فينظم من أجله الشعر ويطلب اليه أن ينسبه الى نفسه ويلقيه على أسماع معشوقته، وكان يقابل الضعيف الذي يشكو الظلم فيخلع عليه زيه ويعطيه حصانه وحسامه. وعندما مكر فيه ذات يوم فسأله أن يرد زوجته الى قومها وكانت فيما مضى أمة فأعتقها وتزوجها وخيّرها في ذلك، فاختارت الهجر والرحيل فلم يحل دونها ودون ما تبغي ولكنه مضى نازف الفؤاد اسيف الوجدان ينعى حبه وأحلامه واماله المجهضة ضارباً في الصحراء الممتدة الى اخر العمر.

 

وأخيراً، فأن أشعار عروة بن الورد هي تجليات لحساسيته المفرطة بالانصداع الى مرارة الواقع الحياتي البائس، وتعبير صادق وعفوي عن غضب المظلومين والمسحوقين والبائسين الحالمين بالحياة الجديدة، والباحثين عن الخبز والحرية والحب والعدالة الاجتماعية والفرح الانساني، وتمتاز بالرؤية الثورية الطبقية وبالصدق الفني والتعبيري.  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1225 الاربعاء 11/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم