قضايا وآراء

مراحلية الواقع وفورية الحلم

لقد أراد الله أن يكون للإنسان دليلا وموجها إلى سبيل الصواب ، وطلب منه أن يطيعه ويتبع خطاه لأنه ظله الذي خلقه على شاكلته ، ومثاله إلاّ انه تميّز عنه في انه الأصل والإنسان صورة وبأنه الحق المطلق والإنسان تردد بين الأمرين ويرتقي بطاعته وبها يتكامل فيكون مثل الله تماما .

وكان الاقتراح( العمل ) ولهذا تخلى الله عن (فوريته )المعهودة (كن فيكون) فالفورية فوق قدرة الإنسان ولا تتماشى مع سكناه على الأرض كما ان الفورية لا تتفق مع إطار الزمن الذي اقترحه الله لصورة الحياة الإنسانية على الأرض . وهكذا كان الأنسب اختيار (المراحلية): (أي إنجاز الشيء عبر مراحل)؛ فخلق السماوات والأرض في مراحل.. في ستة أيام (ثم استوى على العرش) أو(واستراح في اليوم السابع) كما في الكتب القديمة وفي كليهما المعنى واحد هو التفرغ من العمل والانتقال إلى حالة أخرى .

 وليس في الأمر تناقض أن يكون الله آنياً في خلق كل شيء وأن يكون مراحليا في خلق السماوات والأرض. ولا غضاضة في ذلك ما دام الله يقترح على الإنسان أسلوبا سيستعمله مدة بقائه في الأرض، فالله عمل ليعمل الإنسان بعده واستراح في اليوم السابع ليجعل الإنسان من اليوم السابع يوم عطلة واستراحة له .

ولكن إذا رجع الله عن (المراحلية) بعد ذلك فعاد إلى فوريته (كن فيكون) فان الإنسان ارتبط بالمراحلية إلى الموت ؛ فهو ينمو في مراحل ، ويفهم في مراحل ، ويشبع في مراحل ، ويصل إلى غاياته في مراحل بل حتى حياته تكون على مراحل (الطفولة -  الفتوة – الكهولة – الشيخوخة) وكل جزئياته وتفاصيله انما تكون على مراحل .

 وبالمراحلية يتحقق الإطار المقترح لحياته على الأرض وهو وجود الزمن فالزمن في (الفورية) صفر، بينما يتولد الزمن في المراحلية لحدوث الاستغراق للوصول.

 والزمن قيد كبير في عنق الإنسانية وفهم الزمن مفتاح ذلك القيد وهو جزء من فهم الله ، فالواقع الذي يعيشه الإنسان (العمر) سلسلة من اللحظات الآنية المستمرة   وبها يولد الماضي والمستقبل. وان فهم فلسفة الزمن يتطلب من الإنسان إلغاء الزمن لفهم الله والتواصل معه.

إن الشعور الآني بالأشياء أساس المهاوي فكل الإغراءات تلغى بفتح الزمن حتى تبدو الأمور على حقائقها ويزول عنف جذبها الآني. ولكن اختيار (المراحلية)

لا يعني التقيد بها بل الدافع إلى كسرها وصولا إلى فورية الله (عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون) .

ان فهم المراحلية والتحكم بالزمن خطوة مهمة في فهم الله والوصول إليه ، والالتحام به تماما لإكمال صورة الشبه به.

 

د. محمد تقي جون

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1227 الجمعة 13/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم