قضايا وآراء

الأستاذ مدحي المندلاوي وجحوش الفيليين !!

 وذلك لعدم اثارة الموضوع المتسم بالحساسية، وتجنب اعطائه أهمية استثنائية ليصبح حديث الساعة بين صفوف الكرد الفيليين العراقيين وكذا أشقائهم في عموم كوردستان العراق ، ناهيك عن أخوانهم من الأطياف العراقية الأخرى المختلفة انتماءاً والمتوحدة أرضاً ومشاعر وعلاقات وطنية واجتماعية.

 

مقالة الاستاذ مدحي المندلاوي تناولت لقاء السيد رئيس الجمهورية العراقية المام جلال الطالباني بوفد من المؤتمر العام للكرد الفيليين برئاسة الشيخ محمد سعيد النعماني بتاريخ الأحد الثامن من نوفمير 2009 ، وتبرع الرئيس بمبلغ خمسين ألف دولار للوفد مثلما ذكر السيد المندلاوي.

 

لم أكنْ حقاً أود أن أفتح سجالاً وباباً يُضرّ ولا ينفع، ويُفرّق ولا يجمع، ويخلق جروحاً قد تتعمّق ولا تُبضع. لم أرغب في ذلك لولا لغة المقالة المفرطة في القسوة والاتهام  واستخدام الألفاظ غير المقبولة من رجل بمنزلة مناضل وسياسي وكاتب مثل مدحي المندلاوي، ناهيك عن شروط المقالة السياسية النقدية التي تبحث عن الحقيقة وتحاول أن تستجلي أسباب الأخطاء والمواقف المرفوضة وصولاً الى حلّ اشكالات قائمة واعتراضات على توجهات مرفوضة، وذلك لكي تستقطب مشاعر التأييد لفكرة كاتبها واقناع القارئ الموحهة اليه مضامين الموضوع المطروح.

 

بدءاً نتفق مع الاستاذ المندلاوي في بعض ما أورده في مقاله ، مثل اعتراضه الشديد على تبرع الرئيس الطالباني بمبلغ خمسين ألف دولار للوفد كان يمكن التبرع به في رأيه لعوائل الشهداء الفيليين الذي استشهدوا في طريق النضال الكردستاني، أو على الأقل برأينا على فقراء الفيليين في منطقة باب الشيخ مثلاً وما يحيط بها والذين يئنون من وطأة العوز والفاقة ويسكنون بيوتاً متداعية الأركان، وعلى الذين استشهدوا في العمليات الارهابية، أو المهجرين الذين يعانون في معسكرات التهجير في ايران.

 

وكذلك نتفق معه "بأنّ الكورد الفيليين جميعاً ابعد ما يكونون الى الارتزاق والطائفية" وهذه حقيقة مشهودة ثابتة في تاريخهم، وبسببها عانوا ما عانوا وتعرضوا الى ما تعرضوا له من ظلم واضطهاد واجحاف ولحد هذا اليوم، فهم معروفون بالامانة ونظافة اليد ونقاء السريرة والمبدئية في الثبات على مايؤمنون به دون زيغ أو ميل أو هوى طائش أو انتهازية سياسية واجتماعية مبنية على علاقات مصلحية أنانية نفعية. هم قوميون يعتزون بأمتهم ونضالها وتأريخها الناصع، وقد ساهموا في النضال القومي الكردي مساهمة فعّالة وقدموا الشهداء في هذا الطريق. كما أنهم من المنتمين مذهبياً الى أهل البيت ع ، وهم من أشدّ المحافظين على حبهم وولائهم المذهبي دون تعصب أعمى أو طائفية مقيتة. 

 

وقد كان هذان الإنتماءان هما من أهم  أسباب تشتت الولاء السياسي لغالبيتهم العظمى بين القوى والأحزاب القومية والدينية المذهبية بحسب قوة المشاعر والحس الانتمائي لهذا الجانب أو ذاك على حساب الآخر. اضافة الى التأثير البالغ للعيش ضمن الجغرافيا المناطقية السكانية والبيئة الاجتماعية وكثافة التأثير الاختلاطي لواحد من الانتمائين بحسب المحيط.

 

كما أن الفيليين اضافة الى الانتمائين المذكورين هم عراقيون أصلاء وطنيون خدموا وطنهم بكل اخلاص وتفانٍ ,حافظوا على انتمائهم الوطني، ولم يمس أحدهم وطنه بسوء أو تخريب أو ايذاء. شاركوا في معاركه وقدموا الشهداء من اجل الحفاظ على سيادته واستقلاله، مع أنهم تلقوا ضربات موجعة من اضطهاد وظلم وتمييز وتهجير قسري، لكنهم لم يخونوا أرضهم ولم يمسوه بسوء وظلوا على وفائهم له رغم قسوة ما تعرضوا له من الأنظمة التي حكمت العراق.

 

ولا بد لي هنا أنْ اذكر أمراً مهماً في السياق هذا وهو أني لست بصدد الدفاع عن المجموعة المعنية بكلام الاستاذ مدحي المندلاوي ،ولا التبرير لمواقفهم السياسية وأهدافهم التي يعملون من أجل الوصول اليها شخصيةً كانت أم عامة، ربما كنت على النقيض تماماً منهم وبعيداً عن هذه السياسات والمواقف، وكتاباتي وقصائدي السياسية شاهدة على ما أؤمن به وما أحمله من فكر واتجاه وما أدعو اليه، لكنّ حدة لغة مقالة المندلاوي وكمية القسوة التي تحملها لفظاً ورأياً والتي يمكن للبعض أن يفسرها على انها متجهة بسهامها الى صدر الكرد الفيلين عامة عن جهل أو عن سوء نية، يعمل سيئو النية على استخدامها ليوجّهوا مشاعر التأييد عند الفيليين ويُجيّروا اصواتهم بالاتجاه المضاد لما يريده الاستاذ مدحي المندلاوي. مع ان السيد المندلاوي يهدف بمقالته النيل من المجموعة المعنية بالكلام والانتقاد والهجوم لأنه هو نفسه فيلي ناضل ضمن صفوف الثورة القومية الكردية، ليصبح فيما بعد وزيراً في حكومة اقليم كوردستان العراق.

 

إننا نؤاخذ عليه استخدامه ألفاظاً قاسية الرنين شديدة الوقع مثل (الجحوش الفيليين) (شرذمة من بائعي الضمير والمفلسين سياسيا) (دكاكين العار) وغيرها، والتي أظن أنها لاتليق بمقالة سياسية تهدف الى تبيان الأخطاء والمواقف المرفوضة وتحاول أن تؤشر الى ما فيها من نتائج سلبية برأيه حتى على أبناء الشريحة نفسها.

 

إنّ اختلاف المواقف والاتجاهات السياسية داخل الأمة الواحدة في البلدان اللبرالية الديمقراطية هي من المسلمات الموضوعية الأساسية في الحياة البرلمانية الديمقراطية الحقيقية، ولا يعني هذا أنه سلاح للهدم أو الاحتراب أو التصادم أو التسقيط غير المبرر، وانما للإغناء واثراء الحياة الديمقراطية والتنافس من أجل المصلحة العامة. وكلٌّ  يحترم قناعاته. وقد نختلف مع هذه القناعات وهو حقنا وفي هذه الحالة علينا أن نناقش من خلال تبيان الثغرات والأخطاء والمواقف المرفوضة والتي نراها مسيئة لما نهدف اليه أو نراها خطراً سياسياً او استراتيجياً على الأمة، وذلك بهدوء وروية وموضوعية ومحاولة اقناع.

 

عبد الستار نورعلي

السويد

الأحد 15 نوفمبر 2009

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم