قضايا وآراء

عن الفن والتاريخ : إقليم كوردستان في رواية جديدة

مرورا بانتفاضة البشمركة على حكم الباب العالي.

و على ما أظن كانت الرواية تتقدم في أرض سبق تهيئتها وتمهيدها، ولكن تحت مظلة من المواقف التضامنية، والمشاعر التي لها نصيب غير قليل من التردد والغموض. ثم إنها أولت للأرض القيمة الأسمى، ووضعتها في رأس قائمة الضروريات، واعتبرت أنها الصورة المادية الوحيدة التي تستطيع أن تصون التاريخ من جهة، والمجتمع من جهة أخرى.

و لا أعلم هل كان الكاتب يشير إلى كردستان فقط، أم إلى جميع الأوطان، كما فعل نيقولاي خايتوف في رائعته (أقاصيص متوحشة)، وكما صنع من بعده الشاعر الكوردي حامد بدرخان في مجموعته الغنائية والحزينة (على دروب آسيا) التي نضبت منها الأشكال على حساب المعاني، إنما ليس بالمفهوم الوجودي للمسألة، ولكن من ناحية الديالكتيك.

** 

بالنظر إلى عدة قرائن تؤكد هذه الرواية على التوجه  الإنساني العام للكاتب، وعلى الخلفيات النضالية لخطابه. فهو بعد لمحة أو تمهيد عابر تتحول لهجته إلى أنشودة عن حب الإنسان لذاته، وعن العشق لأناه الأعلى، المتمثل تارة بصورة حصان يمتلكه، أو امرأة لا تغيب عن الذهن. ثم إنه محض صورة البطل والمقاتل الخاسر قيمة واحدة، على اعتبار أن الحالتين موقف وجداني تذكي ناره روح الرجولة والماشيزمو، وربما  الإقدام والذكورة، وهذه لفتة ذكية تضع الطرفين في كفة واحدة من الميزان،  أقصد الجنوسة اللغوية والإغواء الحضاري.

و بنفس الطريقة لجأت الرواية للتعامل مع البنية . فيما يخص الموضوع لم تلتزم بمبدأ التطابق بين الأشخاص ومرجعياتهم، وبما يخص الذات لم يكن هناك فارق جوهري بين الصوت والذكريات، أو الحوار المفتوح والمونولوج.

و أخيرا، في جعبتي 3 ملاحظات إضافية :

1 – الأولى عن الترجمة. حبذا لو خضعت لشيء من التدقيق من أجل سلامة المعنى.

2 – والثانية عن الخط العام. لقد حاولت (طائر الثلج) جاهدة أن تكسر طوق الأساليب الاستعمارية في التعبير الروائي. ولذلك دأبت منذ الافتتاحية وحتى المشهد الختامي على التعبير عن جوهر مسألتها، وليس جوهر المسألة إطلاقا. ودائما يمكن تلخيص ذلك بنفس المعادلة القديمة : البحث عن الروح الضائعة (لو شئنا الاحتكام إلى جلجامش)، أو ربما البحث عن الزمن الضائع (لو التزمنا بمنطق بروست الأرسطي).

لقد كانت الرواية أصلا ضائعة على مفترق الطرق بين شتى الاحتمالات والمواقف، فلا هي رواية مضادة طليعية (تعكس تسلسل الأحداث)، ولا هي رواية جديدة (لأنها رسمت البطل شاسوار بنفس الطريقة التي يقدمها العصاب الجماعي لشخصية عنترة في التراث العربي، وممو زين في التراث الكوردي) . لقد وضعت لنا على طبق من فضة وجبة متجانسة أو هجينا مركبا من العائلة والانتماء والتقاليد، وهذا رشحها لأن تتنكب مشاق المغامرة الروائية كلها، وأن تستمد مضمونها الذهني من عدة مناهج فنية لها أصول في الخطاب الثقافي للإمبريالية، لأنها العراب الشرعي لفن الرواية، مع مترادفات تحيل معنى الفن ذاته إلى معضلته القصوى، أو جوهره الحكائي الشرقي.

3 – أما النقطة الثالثة والأخيرة، فهي ذات علاقة بتكنيك الحوار. لقد التزم الكاتب (غالبا) بأسلوب الكلام مع المصموت عنه، أو التعليق، أو طريقة السارد الأول. وهذا وفر له فرصة ذهبية لسبر ومطالعة أرشيف شخصياته الأساسية، وخاصة مرجعياتها. وقد بين لنا ذلك عن عمق الفاجع في بنية الشخصيات وعن ترددها في اللحظات الحاسمة.  وقد منحه ذلك مجالا يناور فيه.

و كان الرهان بالشكل التالي :

هل ننحاز لقوانين الحياة التي يسنّها منطق غير تاريخي يرى في الموت شبح  ديكتاتور لا سلطة له علينا (كما تقول فرجينيا وولف)، أم نكتفي بالتفسير الأسطوري لعلاقاتنا التراجيدية مع المجتمع   ؟..

كما هو شأن جميع الرومنسيات القديمة، أو الوجوديات المشرفة على الاندثار، كانت الإجابة غير حاسمة، وهي مجرد تمهيد لمشروع أو تتمة سوف نضطر لانتظارها ...

 

2009

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1233 الخميس 19/11/2009)

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم