قضايا وآراء

ليس هكذا الدين أيها الشكلانيون

حروفي أو كلماتي أو جملي ذا طابع ديني كلفظ الجلالة أو كلمة التوحيد، وهو ما يسمح بإدراجها مباشرةً عند هؤلاء المتدينين الشعبيين ضمن طائفة التحليلات والاستنتاجات التبجيلية التقديسية الشعبية، وهو ما يُصنّف ضمن إطار التدين الشكلاني الذي عادةً ما يُسوّق هذه التشبيهات بانفعال تبجيلي وانبهاري كبير.

وأثناء مرضي الأخير وبعد خروجي من المستشفى، زارني عددٌ كبيرٌ من الأصدقاء والأساتذة والمهندسين مواسين لي، ومُتمنّين لي الشفاء العاجل. وأحد هؤلاء الأساتذة كان يصطحب معه ابن عمه المهذار، الذي لم ألتقيه سابقاً.. وبعد كلمات الترحيب والمواساة والتمنيات الحلوة بصحةٍ أفضل.. ابتدأ هذا الزائر الغريب بالحديث عن خصيتي خروف العيد التي كانت محط اهتمامه. حيث بدأ متحدثاً بحماس عما أخبره به أحد أصدقائه بأنه سمع من جيرانه قصة الكبش المقدس الذي اشتراه مؤخراً ولاحظ أن اسم الجلالة ارتسم على إحدى خصيتيه وارتسم اسم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على الخصية الأخرى، الأمر الذي هداه إلى أن يتوقع أن تكون هذه الظاهرة كرامةً لصاحب هذا الخروف الذي اهتم بدوره بنظافة المسجد ليلة العيد. وهو كلمة السر التي حلّ بها زائري المتدين الشكلاني شيفرة الخطوط المتعرجة على خصيتي كبش العيد.. سمعتُ ذلك واشتطت غيضاً وقلت لنفسي: أواه.. لو لم يأت هذا الزائر ثقيل الدم (أحياناً يكون السكوت من ذهب والكلام من سرطان)، وبرغم الألم الذي كان يُجبرني على الاستلقاء بالفراش، نهضتُ جالساً على السرير، وحاولتُ أن أُخفي غضبي، وأتمالك نفسي.. لكنّ الكلمات تطايرت ساخنةً من فمي وعلا صوتي بشكلٍ مُفاجئ قائلاً له:

عزيزي.. أهلاً بك في بيتي.. ولكن اعذرني فيما سأقوله لك.. سأحاول هنا أن أعرض عليك الصورة الآتية:

تخيّل أن الكبش المسلوخ كان عبارةً عن دمية صُنعت في الدانمرك، وكانت شرايين الخصيتين ذات تعرجات متطابقة شكلياً طبعاً، مع الخروف صاحب الكرامة الذي وصفته"، (وبالمناسبة فإن هذا هو الشكل الطبيعي لخصيتي خراف الدنيا كلها، والتي كُنتُ أشاهدها لدى المطاعم والأسواق الشعبية في مدينتي الجنوبية بالعراق.. فماذا تتوقع أن تكون النتيجة؟!

ألا تنطلق عشرات المظاهرات الغاضبة التي ستعم العواصم والضواحي العربية والشرقية المُتديّنة شكلياً، وحناجر كثير من الأئمة والخطباء ستُبحّ مُطالبةً من على منبر الجمعة بمقاطعة أغنام الدانمارك، وستتسابق القنوات الفضائية والصحف ووسائل الإعلام الأخرى على تغطية الغضب العربي والإسلامي العارمين على خصيتي الكبش الدانماركي، وسـ...يظهر متنبي العصر ليتنبأ للدانمرك ويتوعدها بزلازل وفيضانات وكوارث، وبمناسبة ذكر المتنبي هنا، فإن للمتنبي الشاعر بيتٌ من الشعر أهم ما فيه عجزه..!!!: .... يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم.

أنهيتُ كلامي، وحاولتُ أن أرجع إلى هدوئي، مستسمحاً الزائِرَيْن ألا يفهماني خطأ، فأنا مسرورٌ ومُتشكّر لزيارتهما لي.. بعد جملٍ مُختصرة للمجاملة، ساد الصمت وودعاني على عجل، وحمدتُ الله إنني قلتُ ما جاش في صدري، فنمتُ هادئاً.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1233 الخميس 19/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم