قضايا وآراء

هل يعد (لاكان) الخط المستقيم الواصل بين (فرويد) و (دريدا)؟ (1)

مقسم بين هذين الحيزين من الشعور واللاشعور . ومن الجهة نفسها، فأن اعتيادية الأفكار (الإحيائية الغربية) عن الذات والشخصانية قد حددت بواسطة العمليات الشعورية التي تنطوي على العقلانية، الإرادة الحرة والانعكاس النفسي . إن فرويد والتحليل النفسي – بنحو عام – قد اتفقوا على أن الأفعال، الأفكار، الاعتقاد ومفهوم (الذات) كلها قد قررت وتكونت بواسطة العمليات اللاشعورية من حيث دوافعها ورغباتها . إن (لاكان) من المحليين النفسانيين الفرنسيين . فقد تدرب مبدئيا كنفساني، وفي الثلاثينات والأربعينات عمل مع المرضى النفسيين، ثم طور ميله النفسي عام 1920، مؤسسا أفكاره على منبت فكري متمفصل في علم اللغة البنائي وعلم الأجناس البشرية . قد يظن البعض أن / لاكان / عبارة عن فرويد + سوسير، مع مقدار ضئيل من دريدا، بيد أن المؤثر الرئيس عليه هو سيجموند فرويد . لقد عمل / لاكان / على إعادة شرح فرويد في ضوء النظرية البنيوية أو ما بعد البنيوية، محولا علم النفس كنظرية، أو كفلسفة إنسانية جوهرية إلى نظرية ما بعد بنيوية . إن احد المقدمات الرئيسة والمنطقية للإنسانية، أن هنالك أشياء هي بحكم الثابتة بنفسها . تلك الأشياء الجميلة هي الإرادة الحرة وحق تقرير المصير . ففكرة فرويد في اللاشعور واحدة من الافكارالتي بدأ الآخرون بمناقشتها بسبب لا ثباتها، وبسبب مثالية الذات الإنسانية . لقد كان / فرويد / واحدا من طلائعي ما بعد البنيوية في هذا المجال، بيد إن الأمل قد حداه في تقليل الكبت والعصاب بجلب مضمونات ما هو لا شعوري إلى ما هو شعوري . لقد قال في تصريحه المشهور عن العلاقة بين اللاشعور والشعور : ((حيثما هو كان، سأكون أنا) بكلمات أخرى، أن الـ (هو)، أو (إنا) / اللا شعورية / ستحل بواسطة / الأنا / عن طريق الشعورية والهوية والذاتية . فهدف / فرويد / تقوية / الانوية /، و / الأنا الذاتية /، والهوية العقلية / الشعورية / التي ستكون أكثر قوة من اللاشعورية . هذا من جهة فرويد، أما / لاكان / فأن هذا المشروع كان مستحيلا . فـ / الانوية / لم تأخذ مطلقا مكان اللاشعور، أو تفرغه من محتواه، أو حتى تسيطر عليه، لان لاكان يعد الانوية ا والانا مجرد وهم، فهو يعتقد بأنهما منتجا اللاشعور نفسه . إن اللاشعور في مذهب لاكان النفساني باعث كل الوجود . وحيثما كان / فرويد / مهتما بالبحث في الكيفية التي يتصرف بها الطفل المشاكس، المتعدد الوجوه، وبنحو / انويه / فائقة ولا شعورية حتى يصبح متحضرا ومنتجا (إضافة إلى اشتهاء المغاير المقوّم) الشبابي، غير إن / لاكان / كان مهتما بالكيفية التي يحصل بها الطفل على تخيلاته التي نسميها الذات . فتجربته في مرحلة المرآة يصف تلك العملية، موضحا كيف إن الطفل يكوّن كل تخيلاته عن الذات من مشاعر الذات الموحدة والتي تحقق الهوية الشخصية بواسطة كلمة / أنا / . وفي مركز هذا التصور الإنساني، عند / لاكان / تكون فكرة اللاشعور، الذي يسيطر على كل عوامل الوجود الإنساني، متركبة – في الأساس – مثل تركيب اللغة . لقد أسس ذلك على حساب الفكرة الفرو يدوية القائلة بوجود آليتين رئيسيتين للعمليات اللاشعورية هما : التكثيف والإزاحة . هاتان المفردتان / جوهريا / ما هما إلا مظاهر لغوية، إذ إن المعنى غير مركز / في المجاز، ولا معزول في/ الكناية / . لقد لاحظ / لاكان / إن حلم / فرويد / يتحلل، وان معظم تحليلاته الرمزية اللاشعورية قد استعملت من قبل مرضاه، معتمدا على الكلمة التي تحمل معنيين، علاقتين ... الخ، وهذا – غالبا – ما يكون شفاها . لقد قال / لاكان / بأن مضامين اللاشعور تدرك فعلا من اللغة، وبنحو خاص من تركيب اللغة . وهو – أي لاكان – هنا يتبع الأفكار التي وظفها عالم اللغة السويسري (سوسير)، بيد انه يكيفها قليلا . وإذ انس وسير قد تكلم عن العلاقات بين الدال والمدلول، والتي تشكل إشارة، فأنه يصر على أن بناء اللغة هو العلاقة السلبية من بين تلك الإشارات (إن العلاقة هي الإشارة لأنها ليست إشارة أخرى) . لقد ركز / لاكان / على العلاقات بين الدوال فقط . فالعناصر في اللاشعور ـــــ الرغبات، الامنيات والتصورات ... كلها تشكل الدوال (ويعبر عنها جميعا بمصطلحات شفاهية) وهذه الدوال تكوّن سلسلة من الدوال .... دال واحد له معنى فقط لأنه ليس بعض الدوال الأخرى)) . فيما يخص / لاكان / ليس هنالك مدلولات، لأنه ليس ثمة شيء آخر يشير إليه الدال . وإذا كان هنالك، فأن المعنى الخاص للدال سيكون مستقرا نسبيا ...عندها ستكون (في ضوء المصطلحات السوسيرية) علاقة دوالية بين الدال والمدلول، وتلك العلاقة ستخلق، أو ستضمن بعضا من المعنى . لقد قال / لاكان / بأن علاقات تلك الدوالية ليست موجودة (في اللاشعور في الأقل)، إضافة لذلك، أنها علاقات سلبية، علاقات منفعة، إذ أن الدال دال بنفسه لأنه ليس شيئا آخر . وبسبب نقص المدلولات، قال / لاكان / : إن سلسلة الدوال ...م =ن =ه =ب =ط =ص = % =غ ...الخ تنزلق وتزاح وتدور بنحو ثابت . وإذ هنالك لا استقرار، فليس هنالك من يعطي معنى أو استقرارا إلى النظام كله في نهاية المطاف . إن سلسلة الدوال دائما في حركة (بحسب سوسير)، فليس هنالك من طريق لوقف الانزلاق إلى أسفل السلسلة .. ليس هنالك من طريق للقول : (إن م تعني هذا) ونجعلها قطعية . إنها نوع يشبه القاموس ... كلمة واحدة فقط ترشدك إلى كلمات أخرى، لكن من المستحيل إلى أشياء تقدمها الكلمة نفسها افتراضا .لقد قال / لاكان أن هذا – بالضبط – ما يشبه اللاشعور – انه سلسلة دائرة باستمرار (أو سلسلة متعددة الاجزاء) من الدوال، بدون إرساء، أو باستعمال مصطلح / دريدا / من دون مركز / . هذه هي شروحة / لاكان / لعلم اللغة الخاص بتصور فرويد للاشعور كما هو العالم المشوش لهذا التحول الدائم من حيث دوافعه ورغباته . لقد اهتم / فرويد / في كيفية جلب تلك الدوافع والرغبات المشوشة إلى الشعورية، لكي نتمكن من امتلاك بعض الأوامر والمشاعر والمعاني حتى يمكن فهمها وتطويعها . من ناحية أخرى،قال / لاكان / إن العمليات التي يصبح فيها الطفل شابا (ذاتا) هي العمليات التي تحاول أن تكون ثابتة ومستقرة وقادرة أن توقف سلسلة الدال لكي يكون معنى الاستقرار متضمنا معنى (الاتا) بنحو ممكن . لذلك قال لاكان إن هذه الاحتمالية مجرد وهم، هي صورة خلقت بواسطة الإدراك غير الحسي للعلاقة القائمة بين الجسد والذات . إن فرويد قد تكلم عن المراحل الثلاث للانحراف المتعدد الإشكال عند الأطفال : الشفاهي، الشرجي والقضيبي : إنها العقدة الاوديبية والعقدة الخصية التي تنهي الانحراف متعدد الإشكال وتخلق الأشخاص (البالغين) . لقد خلق / لاكان / أصنافا أخرى مختلفة ليوضح المسار المشابه، من الطفل حتى البالغ . لقد تكلم عن ثلاثة مفاهيم : الحاجة، الطلب والرغبة ....التي تنسجم – تقريبا – مع الأطوار الثلاثة، أو الحقول الثلاثة التي يتطور بها الإنسان .... الحقيقي، الخيالي والرمزي . أن العالم الرمزي بحسب - لاكان – هو البناء اللغوي بحد ذاته والذي ينبغي أن ندخله لكي نصبح ذواتا ناطقة، لكي نقول ((أنا)) ينبغي أن نمتلك تلك / الأنا / لا بد أن يكون هنالك ما يدل على بعض من ذلك الشيء الذي يظهر ليكون مستقرا .وعلى غرار فرويد، بدأ – طفل لاكان – يظهر كما لو انه شيء لا ينفصل عن أمه : ليس هنالك اختلاف بين ذات وأخرى، بين الطفل وأمه (في الأقل من الجهة المنظورية للطفل) . فالطفل – لفر ويد ولاكان – نوع من النقاط السائلة، من دون شعور بالذات، هو بدون هوية مميزة،ولا حتى شعور بالجسد كوحدة من سلسلة سليمة . هذا / الطفل / النقطة السائلة، مدفوع بالحاجة،به حاجة إلى الطعام، به حاجة إلى الراحة، الأمان وكذلك به حاجة إلى التعبير .... الخ . هذه الحاجات تفي باحتياجاته، ويمكن أن تفي بحاجات الغرض . فعندما يرغب الطفل بالطعام، فأنه يحصل على الثدي، أو قنينة الحليب، وعندما يحتاج إلى الأمان يحصل على العناق . أن الطفل في مرحلة (الحاجة) لا يدرك أن الأشياء (مثل الثدي) هو جزء من كيان آخر (لأنه لا يملك أي تصور / لحد الآن / عن (الشخص الكامل). ليس هنالك من تمييز بينه وبين أي شيء آخر، أو شخص آخر، هنالك فقط احتياجات، احتياجات وأشياء تلبي الحاجات .

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1235 السبت 21/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم