قضايا وآراء

أصول الزنوجة

يرتبط بجذور القارة الإفريقية وبممارسات مستمدة من خبراتهم في الرق والتنقل. ومثل الروح الأمريكية الشمالية التي صورها (و. ي. ب. دوبوا) من خلال روح الفولكلور الأسود، قامت أشكال فنية وممارسات متنوعة بتقديم ملجأ لمشاعر الكبرياء الأفرو – كاريبية وأرضا للثقافة الإفريقية : رقصات من نمط كاليندا وبامبولا ولاغيا وقرع الطبول وأغنيات بيلير bel-air وغووكا وليوزا وفن الطبخ الكريولي ورواية الحكايات من نوع كريك – كراك، وإن جو هذه الممارسات قد صعد من تقاليد الفودو في هاييتي. ولكنه بسبب نظام الرق القمعي والعرقي فقد نشط في السر. وكانت أشكال الزنوجة البدائية تتستر أو أنها تتنكر ولا تركز على قناعاتها الذاتية، وتبتعد عن الإنتاج المادي والإيجابي الذي تحتاج له الثقافة والأديان والتعابير الإستاطيقية. أضف لذلك، كان العبيد السود في بعض الأوقات يردون على أخطار التطهير والنفي بمشاعر الإعتزاز والتأكيد على الذات وبطرق المقاومة البسيطة مثل التقاعس والإهمال وعدم التلاؤم والسرقة وتسميم الحيوانات وحرق المباني والهرب إلى مجتمعات هامشية، وأخيرا الثورات المنظمة. وإن الحراك الإجتماعي للمجتمع الكاريبي قد تشكل عبر مؤسسة الرق وأدواته كالمزارع (في أشكالها الفرنسية المختلفة : المستوطنات)، ونجم عن ذلك تعويم إيديولوجي عميق للهوية مع ثقافة فرنسية ميتروبوليتانية شديدة المركزية. وإن هذا التحديد للهوية لدى بعض المفسرين من أمثال إدوارد غليسانت يوضح النجاح والعمر الطويل للمشروع الاستعماري الفرنسي والذي، من خلال تمحيصه، يتواصل حتى هذا اليوم في المارتينيك التي ساعد إيمي سيزار على بنائها قانونيا في عام 1945 . لقد حرم القانون الفرنسي لعام 1685 الجالية السوداء من القراءة والكتابة، واستمر ذلك حتى عام 1848 . ولقد وصف كل من المؤلفين باتريك شامويزو ورافائيل كونفيانت كيف أن الكتابة في المارتينيك، خلال قرن ونصف من الإنتاج الأدبي السابق على سيزار، كانت تعاني من قطيعة ثلاثية.. " من الإنتاج الشفاهي إلى الانتاج المكتوب، قطيعة لفظية، ومن اللغة الكريولية إلى الفرنسية، قطيعة لغوية، ومن الحكواتي إلى الكاتب، قطيعة زمكانية ". وكانت النتيجة عبارة عن أدب يتبع كلية " الأنا الأعلى للثقافة الفرنسية "، ويحاكي على شكل صدى صوت الأدب الفرنسي وموديلاته الشائعة (الشعر الرومنسي والبارناسي ثم الرمزي)، مع آثار من تقاليد الأدب العجائبي (doudouisme).

و على الرغم من الأهمية الأساسية التي شق لها الطريق الفيلسوف الألماني جورج فيلهم فريدريش هيغل تمهيدا لمفهوم سيزار ومن بعده فرانز فانون وريتشارد رايت وجان بول سارتر بخصوص معنى الزنوجة، فإن جوانب خاصة بفلسفة هيغل قد أثرت وبشكل حاسم على تطور بدايات فكر الزنوجة في القرن التاسع عشر.

لقد استثنى هيغل بقسوة العرق الأسود من عملية التطور التاريخي في كتابه (فلسفة التاريخ)، وذكر أن " شروط وضعهم غير قادرة على التطور الثقافي، وهم بنظرنا اليوم، كما كانوا منذ الأزل ". ولقد أسهمت نظرية هيغل في تطوير النظرية العرقية البيولوجية، والتي كان من أهم مؤسسيها في التقاليد الفرنسية الدكتور ج. ج. فيري، والبيولوجي جورج كوفيير، والكاتب جوزيف – آرثر دي غوبينو . إن هذا الحقل من الأفكار يتمفصل مع الاعتقاد بدونية الإنسان الأسود تأسيسا على مفاهيم فيزيائية وثقافية مفترضة، وعلى قناعات مسبقة بــ " أعراق " موجودة لم تقر بها الدراسات الحديثة في مجال الوراثة. وانطلاقا من ذلك، إن مؤلفين مثل ألكسندر كرومويل ومارتن روبيسون ديلاني وإدوارد ويلموت بلايدن حاولوا إنقاذ صورة إفريقيا كعالم جديد مخصص للإنسان الأسود. ولقد نظّم ديلاني أول رحلة علمية لسبر أغوار إفريقيا انطلاقا من نصف الكرة الأرضية الغربي، وتم الاعتراف بها كأساس للروح الوطنية السوداء التي انبعثت في أمريكا، وكان بلايدن قد تعامل مع إعادة تركيب التاريخ الإفريقي كردة فعل على انتقادات هيغل، وبذلك طور شكلا مبكرا من الفكر الأفريكاني العام الذي سبق كل التصورات الخاصة بتقريظ الثقافة الإفريقية، والإحالة هنا إلى نظرية الزنوجة حسب نموذج سيزار. وتابع (و. ي. ب. دوبوا) هذا المنعطف باتجاه إفريقيا، وبلور أفكارا تأملية رسمية حول استمرارية ثقافة الشتات الإفريقي. وإن ثمار هذه التأملات العامة قد حرضت انتقادات (دو بوا) ضد التمييز العنصري الشمال أمريكي وذلك في أعمال منها روح الفولكلور الأسود، وبطريقة مباشرة تشبه انتقادات سيزار اللاحقة للأشكال الذاتية للعنصرية الفرنسية التي وجدها في المارتينيك وباريس. ومع أن سيزار لم يكن يعلم في عام 1939 الرواد السابقين عليه من شاكلة دو بوا وديلاني وبلايدن، فقد افترض أن نظرية الزنوجة قد أدت إلى تعويم مبدأ إفريقيا في ثقافة الكاريبي الفرنسية . وأسهمت شخصيات مستقلة في فرنسا الكاريبية، على أية حال، في التأكيد على الثقافة الإفريقية. وكانت السنوات المبكرة من الجمهورية الفرنسية الثالثة (1871 – 1940) قد شهدت تبدلات عميقة في الثقافة المارتينيك وغواديلوب. وأصابت الاقتصاد الذي يرتكز على إنتاج قصب السكر سابقا انهيارات تواصلت حتى القرن الحالي، وذلك بعد دخول الشوندر السكري المنخفض التكلفة، وتبع ذلك انخفاض في سعر السكر، مما جعل المنافسة في حالة مستحيلة. وترافق هذا التراجع، في أعقاب تحرير العبيد في المستعمرات الفرنسية منذ عام 1848، مع وجود بروليتاريا سوداء وطبقة متوسطة واعدة، وهذا فتح الطريق لنجاح السياسيين السود الإشتراكيين من أمثال هيغيسبي ليجيتيموس من غواديلوب. واستمرت الهيمنة على السياسة في المارتينيك طوال هذه الفترة، وكانت اليد العليا لأفراد الجالية البيضاء التي تمتلك الأراضي وتدعى طبقة بيكي، منهم إرنست ديبروج وعثمان دوكويسني. وبالمقابل، إن حفنة من البيكي في غواديلوب كانت توجه الانتخابات من أجل وصول ممثلين عن بورجوازيي ميولاتو، ومنهم غريفيل – ريشي، سارلات، أوغستي إسحاق، وإيميلي ريكس. ولكن خسارة إسحاق من الميولاتو أثناء الانتخابات على يد ليجيتيموس في عام 1898 كانت أول إشارة على انتصار سياسة العرق الأسود في الانتخابات المحلية، الأمر الذي ألغى أو غطى على 50 عاما من سيطرة سيزار على السياسة في المارتينيك كمحافظ لفورت دي فرانس وممثل للمارتينيك في مجلس العموم الفرنسي. ولو أن تأكيدات ليجيتيموس المبكرة عن الكبرياء العرقية والتضامن قد سبقت حركات الزنوجة بثلاثة قرون، إن مصادره وتوجهاته الانتخابية القائمة على مرجعيات عرقية قد خفضت من مكانته على الفور إلى دور محرض قبائلي ضد سياسيي ميولاتو، الذين كان يقول عنهم إنهم " طفيليات " و" سياسيون بوجوه صفراء ". وسواه من سياسيي الغواديلوب، من أمثال ريني بويسنيف وغارتين كانداس، واصلوا المسيرة التي بدأها ليجيتيموس خلال السنوات السابقة لظهور الزنوجة. ولكن كانداس برفقة سيزار وهو واحد من القادة السياسيين السود المشهورين في ساحة السياسة الفرنسية طوال القرن العشرين، كان واحدا من القادة الاستعماريين السود الذين باشروا باستجواب مسألة الهيمنة الاستعمارية والعرقية الفرنسية. ولقد تسببت الحرب العالمية ? بقدوم السود من المستعمرات الفرنسية الكاريبية في المارتينيك وغواديلوب وغويانا الفرنسية إلى أوروبا. وهذا سمح لهم بالاستفادة من ميزة المواطنة الفرنسية الكاملة ابتداء من عام 1848، ولكنهم وقفوا في صراعهم مع سود السينغال، وآزروا في الحرب الجنود الأمريكيين الميتروبوليتانيين والسود في آن واحد، وانتخبوا ممثلين عنهم إلى البرلمان الفرنسي في أعقاب الحرب. ولقد نظم بلايس دياغن من السنغال وغراتن كانديس أول مؤتمر إفريقي شامل بالتعاون مع (و. ي. ب. دوبوا) في عام 1919، وذلك مباشرة بعد الهدنة. ومع أن خطوات قليلة تم القيام بها بخصوص إدانة الاستعمار في المؤتمر، كان من الممكن منذ البدايات ملاحظة علامة تدل على التضامن الصادق والدولي بين أعضاء ينتمون للدياسبورا الإفريقية.

بالإضافة لذلك، إن سلسلة من المجلات والمطبوعات والمؤسسات كانت تبشر بزنوجة إيمي سيزار. ففي عام 1924 أسس كوجو توفالو من بنّين " الهيئة العالمية للدفاع عن ضحايا العنصرية "، والتي بعد سنتين بدلت اسمها إلى " لجنة الدفاع عن العرق الزنجي ". أما مجلة الهيئة " صوت الزنوج " فقد اقتبست من ليجيتيموس تبريره لمعنى العرق الأسود كما يلي : " نحن نفتخر ونمجد أنفسنا حينما نستخدم كلمة " أسود " (زنجي) ونضع خطا كبيرا تحت حرف ألف ". وفي عام 1927 أسس لينيس بلانشي " مؤسسة طلبة غواديلوب " بينما بدلت لجنة الدفاع اسمها مجددا بشكل مضطرب وأصبحت " فريق الدفاع عن العرق الأسود "، وذكرت في مجلتها " العرق الزنجي "، ضرورة التعاون بين المثقفين الفرانكوفونيين السود والعمال، ودعت إلى أفريقانية شاملة يقودها الطلبة. وفي عام 1928 نشرت النقابة العالمية للتضامن في موسكو " الزنجي المغترب " لتدافع عن " الابن الذي لا يرث العائلة البروليتارية ". وفي عام 1931 انقسمت الهيئة، وأسس تيميكو غاران كويات مع الشيوعي المارتينيكي تريسو مجلة " الدعوة الزنجية " . هذه المجلة السوداء الشيوعية دافعت بقوة عن عمال الآنتيل، وكان توزيعها خاضعا لرقابة وحشية من قبل السلطات الفرنسية.

 

..................

نيك نسبيت : أستاذ زائر في جامعة ميامي، ولاية أوهايو الأمريكية

 .......................

المصدر :

ORIGINS OF N?GRITUDE , by Nick Nesbitt. Microsoft Encarta Reference Library 2003.

 الترجمة : 2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1236 الثلاثاء 24/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم