قضايا وآراء

فلسفة الألعاب الرياضية

ولكن في الوقت نفسه جعله منتمياً إلى الله في كثير من صفات الرفعة، ومنحه حقوقاً ومخصصات كثيرة.

بالتالي كان عليه أن يعيش العقل و(اللاعقل) معاً ما أمكن.. وقد أنتج هذا التشتت والاصطراع (تصرفين) أو (فلسفتين): إحداهما نقلت فيما بعد إلى حيز الممنوع (التحريم)، وهي (الخمر)، والثانية بقيت محللة وأزادها العلماء مع الزمان شرعية ووجوباً أكثر، وهي (الألعاب الرياضية)، فبهما يتخلى الإنسان مؤقتاً عن عقله ليمارس براحة ودعة لذة (اللاعقل)، وقد قالت الفلاسفة في الأزل:" خلق الإنسان لينسى نفسه".

تحتل الألعاب الرياضية مساحة واسعة من حياتنا، وقد ارتفعنا بها إلى مستوى راقٍ، فأصبحت من أقانيم الحياة؛ لها قوانينها ومنظِّروها ومتخصصون ومحترفون ومؤسسات وملاعب ونوادٍ، وتقام في مناسبات محلية وعالمية فيشاهدها العالم كله، كما ينال ممارسوها منزلة اجتماعية محترمة، وهي من سبل الثراء والشهرة. وتكون الألعاب الرياضية على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: مستمد من أفكار دينية، ويتميز بمشاركة مجموعة من الأشخاص، ويقوم على إجهاد النفس لتحقيق السمو الذي تتطلبه الأديان في الإنسان فيفوز (الكادح) بإخلاص ويخسر المتهاون كما قال الله (جل جلاله) " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ" (الانشقاق6)، ومن أشهر ألعابه (سباق الركض)، وهي رياضة قديمة مارسها الإنسان مبكراً، ففي (سورة يوسف) ذكر إخوته لأبيهم أنهم ذهبوا (يستبقون) وتركوا ملابسهم عند يوسف فأكله الذئب، واللعبة مستمدة من فكرة دينية واضحة مفادها أن الناس يتسابقون إلى الفوز (الجنة) فيصلها القلة (النخبة) ويخسر العامة الباقون، وهذه (النخبوية)  نادت بها كل الأديان "ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ" (الواقعة 13-14)، ومثله (طفر الموانع) فالذي يستطيع اجتياز الموانع (الأخطاء) يفوز، ومن يتعثر بها يفشل، و(الطفر العالي) فبالمشقة يسمو الإنسان ويتدانى من الذات الإلهية، وكذلك سباق الخيل ورفع الأثقال.  

النوع الثاني: يمثل حيرة الإنسان أمام القدر (الواقع) وتحديه لـ(الحظ) ومحاولته تفسيره والتحكم به والولوغ إلى معرفة المجهول والتكهن به، وقد عرفت ألعابه قديماً، ففي العصر الجاهلي اشتهرت لعبة (المفايلة أو الفيال)  وهي تشبه (البقيري) أو (طمه خريزه) وورد ذكرها في الشعر، قال طرفة بن العبد:

يشق حباب الماء حيزومها بها

كما قسم الترب (المفايل) باليدِ

 

وهي أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء، ثم يقسم قسمين ويسأل عنه في أيهما هو، وهي محاولة تفسير ومعرفة المجهول، ومن ألعاب العرب القديمة (الاحجوة) وهي حزر ما في يد الآخر وتسمى اليوم (المحيبس)، و(الغميضاء) التي نسميها اليوم (غميضة جيجو)، ومن ألعابه الحديثة الكوتشينة (الورق) والدومينو (الدومنة)، فالأساس فيهما توزيع الورق أو الصايات وهو يقوم على الحظ، ثم تكون بقية اللعبة الاجتهاد للتغلب على الحظ لتحقيق الانتصار، على الرغم من أن الحظ كان يجب أن يحسم اللعب عند التوزيع، وهناك ألعاب كومبيوترية لا حصر لها من هذا النوع منها (منيسويبر).

والنوع الثالث: صورة للصراع البشري، فتكون أشبه بالاقتتال السلمي، وهي بين (شخصين اثنين) أو (فريقين)، ومن أقدم وأشهر ألعابه (المصارعة)؛ فقد عرفها الإغريق وبنوا لها مسارح وملاعب، ويذكر الأخباريون أن مصارعين من الرومان كانوا يفدون إلى بلاد العرب للمصارعة، واشتهر من المصارعين العرب الإمام علي (عليه السلام)، وابنه محمد بن الحنفية الذي قيل انه كان يحتضن نخلة فيقلعها من جذورها.  ومن ألعابه القديمة (الدواية) أو (المصراع) وهي من العاب القوة حيث يقوم المتسابقون بتدوير دواماتهم والفائز من تبقى دوامته تدور بعد توقف دوامات الآخرين، وسماها الجاهليون (الخذروف) كما في قول امرؤ القيس:

درير كخذروف الوليد امره

تتابع كفيه بخيط موصل

 

 و(سفد التفاح) ويؤديها فريقيان: فريق يهجم وفريق يحمي نفسه أو يقوم قائد الفريق بالحماية فإذا أصاب برجله أو يده احد المهاجمين انتصر فريقه وتحول إلى الهجوم، ويصاحب اللعب ترديد مثل (ملعون طشطش خرزي ملعون ياخذ ولدي) او (خرمه تكه خريلون) ومن ألعابه التي مارسها الجاهليون (المخراق) وهي خرقة تلف ويلعب بها الصبيان، ووردت في معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي:

كأن سيوفنا منا ومنهم

مخاريق بأيدي لاعبينا

 

  ومن الألعاب الحديثة من هذا النوع لعبة (الشطرنج) و(المبارزة بالسيف) و(الملاكمة) وكرات: (السلة) و(الطائرة) و(القدم) وغيرها.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1236 الثلاثاء 24/11/2009)

 

 

 

بقي أن نشير إلى أن هذه الألعاب حتى الفكرية منها كـ(الشطرنج) تعتمد على التمرين والمهارة ولا تستند إلى منطق العقل، فهي وضعت أصلاً للتسلية وإعفاء العقل من مسؤوليته.

 

[email protected]

في المثقف اليوم